علي المطاعني- الشبيبة العمانية-
شكل بيان مجلس الوزراء بشأن ما أقدمت عليه بعض الشركات العاملة في السلطنة بتسريح بعض العمانيين العاملين لديها تحت ذريعة وجود ظروف مالية واقتصادية، أقوى تحذير تصدره الحكومة منذ انطلاقة النهضة المباركة في هذا الشأن، وهو تحذير موجّه مباشرة وبوضوح إلى الشركات الوطنية والأجنبية العاملة في السلطنة التي تتعاطى مع الأوضاع المحلية بشكل غير إيجابي يتمثل في فصل الشباب العماني من أعمالهم، بل لا يتواكب مع ما تقدمه الحكومة من دعم للجهات وتسهيلات لهذه الشركات التي لديها من العقود والمناقصات مع الحكومة ما يكفيها لأعوام، إلا أنها قررت فجأة التضحية بالكوادر الوطنية ليتحمل أبناؤنا وحدهم غرم تخفيض النفقات كما تدعي الشركات، في حين أننا لم نسمع عن قيامها بتسريح عمالة وافدة.
إلا أن هذا الإجراء الذي اتخذته بعض الشركات لن يمر مرور الكرام على الحكومة التي أعلنت عن الوقوف ضد تلك الممارسات وذلك بكشف خبايا ما يدور في كواليس هذه الشركات، وقد حسمت الحكومة الأمر بإعلان انحيازها إلى المواطن العماني، ووقوفها في صف العمالة الوطنية باعتبارها خط الدفاع الأول عن مصالحهم، والجهة المنوط بها مساعدتهم على المضي قدما نحو مستقبل أفضل، ولم يكن البيان سوى ترجمة واقعية وسريعة لما يمثله المواطن من أهمية لدى الحكومة، وخطوة جاءت في وقتها المناسب لتدخل الطمأنينة إلى قلوب المواطنين بأن الحكومة ستظل الحامية لحقوق أبنائها، ولتضع حدا للإضرار بمصالح العمالة الوطنية بحجة مواجهة أزمة انخفاض أسعار النفط.
فبلا شك إن البيان الذي أصدرته الحكومة يعكس اهتمامها بالعمالة الوطنية الوطنية، وهو أمر لا يقبل المساومات، ويؤكد أن الحكومة حريصة كل الحرص على استقرار الكوادر الوطنية في القطاع الخاص، ويعكس إيمانها الراسخ قولا وفعلا بأهمية توفير كل ما من شأنه تهيئة كل الظروف لبناء وطنها، والإسهام في نهضته، وهذا التزام كبير أخذته الحكومة على عاتقها منذ فجر النهضة المباركة بتوفير الحياة الكريمة للمواطنين، واعتبار العمل أحد أركان هذه الحياة وروافدها الحقيقية، وهو ما يبعث على الارتياح لهذه التأكيدات الحكومية غير المسبوقة وبهذه الصورة المشرقة والمطمئنة لأبناء هذا الوطن.
وقد كان تخصيص جلسة مجلس الوزراء لمناقشة لجوء بعض الشركات إلى تسريح العمالة الوطنية رسالة قوية ومباشرة وواضحة أن الحكومة ليست غافلة عن بعض الممارسات التي يقوم بها بعض الشركات من إقصاء للشباب العماني من وظائفهم بدواع بعضها غير صحيح، وليست عاكسة بدقة أوضاع الشركات ومسؤولياتها الوطنية والاجتماعية تجاه البلاد والعباد، وفي ظروف استثنائية يجب أن تظهر خلالها مدى تضحياتها الوطنية ورد الجميل بالأجمل منه للوطن وقيادته الحكيمة التي مكنت كل شركة في هذا الوطن بأن تنعم بما هي فيه، إلا أن البعض للأسف يحتاج إلى إظهار العين الحمراء كما يقال لوضع حد لمثل هذه التلاعبات التي يستخدمها البعض لليّ ذراع الحكومة من أجل إسناد مشاريع وتجديد عقود ليس أكثر، فهذه الفلسفة مكشوفة وأجندتها معروفة ومن يقف وراءها متابع، فأجهزة الدولة لن تترك البعض يتلاعب بالأقدار ويهيج الأمور بشكل مستفز كما كشفته بعض الشركات في مراسلاتها لوزارة القوى العاملة.
إن بيان الحكومة كذلك جاء ليرد على كل المتشككين والمزايدين على الاهتمام الذي توليه الحكومة لاستقرار الكوادر الوطنية في القطاع الخاص، والخلط في الأمور بأكثر مما يجب، ولعل تشكيل لجنة وزارية لتقييم هذا الجانب والوقوف على كافة أبعاده يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الحكومة ستظل الراعية والحامية للقوى العاملة الوطنية مهما تعددت الجهات والمؤسسات التي تعمل على رعاية هذا الجانب، وليس هناك ما يدعو للقلق من جانب أبنائنا في ظل الحرص السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه- وتوجيهاته السديدة، وتأكيد صاحب السمو السيد فهد بن محمود نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء أن هذا الاهتمام سياسة ثابتة لا حياد عنها مع الحفاظ على حقوق الآخرين بالقدر الذي لا يؤثر على ثوابت سياسة تمكين الكوادر الوطنية من مفاصل العمل في هذا الوطن.
وفي المقابل فإن الجهود المبذولة من المؤسسات العمالية إيجابية ومشكورة في كل الأحوال، لكن أن تعلن عن تنظيم إضراب في اليوم الذي تحتفل فيه البلاد بعيدها الوطني المجيد بمناسبة مرور خمسة وأربعين عاما، هو إجراء جانبه الصواب، ففي هذا اليوم يجب أن نقف جميعا وقفة شكر للمولى عز وجل على ما حبا به بلادنا من نعمة نرفل بها، ونسجد لله تعالى شاكرين ليديم الصحة والعافية على حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله- ويمد في عمره.
أخيراً ...نأمل أن تكلل كل الجهود الحكومية بالنجاح في توفير كل سبل الاستقرار للمواطنين في كل مجالات العمل، وأن تتضافر الجهود من القطاع الخاص لتجاوز هذه الأزمة الاقتصادية، والعمل على الحد من تأثيراتها على المواطنين ومراعاة كل الظروف، والدواعي التي توجب تحمل بعض تبعات مثل هذه الظروف وفقا للقدرات والمسؤوليات بين الشركات والأفراد، وهنا تظهر معادن الرجال والشركات التي نهلت من خيرات هذا الوطن العزيز، وحان الوقت لترد الجميل بالأجمل منه.