د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج- الوطن العمانية-
هناك مجموعة رسائل خرجت من افتتاح الفترة السادسة لمجلس عمان أمس في مستهل مرحلة وطنية غير مسبوقة، فالبلاد على مشارف عام جديد وتحت وطأة أزمة نفطية تجمع كل التحذيرات على استمرار تدني أسعارها خلال العام المقبل، مما تلقي بظلالها السلبية على مجموعة استحقاقات وطنية قريبة جدا، وهي موازنة 2016، والخطة الخمسية الجديدة، من هنا جاءت عملية افتتاح الفترة السادسة لمجلس عمان متناغمة ظرفيا مع الإكراه النفطي وخلفياته، وكيفية إدارته؟ فكيف يمكن قراءة هذه الرسائل؟ وقبل ذلك علينا أن نطرح التساؤل التالي على المؤسسات الدستورية في بلادنا، وتحديدا، الحكومة ومجلس الشورى، هل تقومون الآن بتحليل الخطاب؟ وهل تحليلكم يقتصر فقط على ما جاء فيه فقط أم ستتوسعون لتشمل كل فعالية الافتتاح؟
تعلمون كما نعلم، أن كل ما يحدث في مثل هذه المناسبات تكون بتوجيه وبعلم عاهل البلاد المفدى، إذن، ماذا نخرج من استدعاء الآية القرآنية المتعلقة بالفساد، لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، وتكرارها من قبل المقرئ ثلاث مرات متتالية، التكرار الأول والثاني له معنى خاص، والتكرار الثالث مع استكمال الآية له دلالة بعيدة المدى، سندعها للفهم العقلاني، والمتتبع لكل الآيات القرآنية التي تتلى في مجلس عمان، سوف يلاحظ أنها تختار بعناية وبمباركة سامية، وتكون لها رسائل موجه، لذلك لا يمكن لأي مراقب أن يتجاهل استدعاء آيات دون أخرى في هذه المناسبات الوطنية، فهى تعد جزءا من الرسائل التي ينبغي قراءاتها، لعدة مبررات سياسية، أبرزها التأكيد السنوي المتجدد على المرجعية الإسلامية للدولة العمانية المعاصرة، وكذلك لها موجهاتها العامة والخاصة، ففي الأولى موجهاتها معني بها كل مؤسسات الدولة الدستورية الحاضرة في افتتاح الفترة السادسة لمجلس عمان، بما فيها الحكومة، والثانية خاصة بمجلس عمان، وداخلها هذه الخصوصية هناك خاصية الخصوص لمجلس الشورى، بدليل أن الخطاب السامي في الفترة السادسة قد جاء مخاطبا مجلس عمان، حصريا، على عكس الخطب السابقة التي كانت تخاطب كذلك المواطنين، مما يعني لنا أن المسئولية الكبرى الآن ملقاة على عاتق مؤسسات الدولة الدستورية في المقام الأول، فشغلها الشاغل الآن ينبغي أن يكون مركزا على مواجهة الأزمة النفطية بفكر جماعي وبآلية تنفيذ مشتركة – كما سيتضح لنا ذلك بجلاء لاحقا – من هنا كان الخطاب موجها لمجلس عمان وللحكومة الحاضرة، والتلويح بالفساد عبر تلك الآية الكريمة يشير كذلك الى دعوة أعضاء مجلس الشورى إلى إعطاء دور الرقابة الأولوية الكبرى، وهي الأهم الآن، فمصير تنميتنا الآن في أمس الحاجة إلى توظيف واستثمار موارد البلاد المالية بدقة وعناية وأمانة، وفي المجالات المحددة بالضرورة، فاللازمة النفطية لم تترك للدول النفطية من خيار سوى ترشيد إنفاقها وصرف أموالها بذكاء إذا ما أرادت الحفاظ على أمنها واستقرارها، وتلكم الآية القرآنية الكريمة تذكرنا بدعوة جلالته ـ حفظه الله ـ في افتتاح الفترة الخامسة الماضية لمجلس عمان،عندما دعا جلالته إلى مكافحة الفساد والتصدي للتطرف والغلو, مؤكدا أنه لا يمكن السماح باحتكار الرأي وفرضه على الآخرين, كما حض مجلس عمان على القيام بدوره في ضوء الصلاحيات الجديدة الموسعة في المجالين التشريعي والرقابي، من هنا يتجلى نفاذ رؤيتنا التحليلية سالفة الذكر، وكذلك صحة ربطنا الآية الكريمة سالفة الذكر بدعوة جلالته لمحاربة الفساد خلال الفترة السابقة لمجلس عمان، وكذلك تجديد هذا الحرب خلال المرحلة الراهنة بنص تلك الآية الشريفة، والمخاطب هنا المؤسسات الدستورية عامة، وعلى وجه الخصوص مجلس الشورى لماذا؟ وذلك لصلاحيته الرقابية والادوات التي منحها المشرع له، كأدوات الاستدعاء والاستجواب ولجان التحقيق، وهذه وسائل ضغط لا يستهان بها إذا ما توفرت الإرادة الفعالة والواعية في الرقابة، وكل من تابع بدقة مشهد الحضور والتركيز الدقيقين لعاهل البلاد وهو يستمع للآيات القرآنية الكريمة، وتفاعله معها، وتوجيه انظاره للفاعلين الحضور الذين يمثلون المؤسسات الدستورية، سوف يخرج بما خرجنا به من رؤى واستشرافات واستهدافات، فهل وصلت لأعضاء مجلس الشورى ؟ ينبغي أن تصل الآن بكل وسائل الوضوح، فالمرحلة الوطنية لن تتحمل تبديد المزيد من الأموال، فماذا أنتم فاعلون بهذه المهمة الوطنية الثقيلة بعد الخطاب السامي ودلالاته سالفة الذكر؟ كما يستوقفنا في خطاب عاهل البلاد ـ حفظه الله ـ عدم تناوله القضايا التي تشغل بلادنا رغم خطورتها، وبالذات الأزمة النفطية، وبدلا عن ذلك ركز الخطاب على الآلية التي ستكون مفتاحا لحل القضايا، وهذا تحول جوهري في خطب جلالته السابقة، نلمس ذلك في قول جلالته، إن ما تحقق على أرض عمان من منجزات في مختلف المجالات لهو مبعث فخر ومصدر اعتزاز، وأننا نتطلع إلى مواصلة مسيرة النهضة المباركة بإرادة وعزيمة أكبر، ولن يتأتى تحقيق ذلك، الا بتكاتف الجهود وتكاملها بما فيه مصلحة الجميع، ففي هذه الفقرة من خطاب جلالته منجز محل فخر وافتخار، وإرادة وعزيمة أكبر من السابق لتحقيق ما هو أعظم لبلادنا، لكن جلالته يربط المستقبل بآلية التكاتف بين مؤسسات الدولة الدستورية وتكامل أدوارها، وهذه الرسالة هل وصلت للحكومة؟ لن يكون هناك تكاتف ولا تكامل إذا ما انفردت الحكومة بالقرارات لوحدها أو رمت بعرض الحائط آراء أعضاء مجلس الشورى، وهناك فعلا قرارات حاسمة سوف تتخذها الحكومة قريبا لمواجهة تداعيات الأزمة النفطية، وقد أشرنا إليها في مقالات سابقة، وهنا يحملها الخطاب السامي مسئولية التلاحم والتعاضد والشراكة مع مجلس عمان المكون من مجلسي الشورى والدولة، لماذا؟ لتحقيق النتيجة النهائية التي حددتها تلك الفقرة، وهي أن تصب عمليات التكاتف والتكامل لما فيه مصلحة الجميع، ولن تتأتى هذه المصلحة إلا بالشراكة المسئولة والملتزمة ومن قبل مجلسي الشورى والدولة، فالأول سوف يعمل على تقليل حجم الضرر على المجتمع، والثاني سوف يعمل بالمقابل على تخفيفه على القطاع الخاص، وبهذا تتحقق المصلحة الجماعية من منظور رؤية جلالته ـ حفظه الله ـ فهل وصلت هذه الرسالة للحكومة؟ ليس هناك من عذر الاحتجاج بعدم الكفاءة الشورية، فقد أنتجت انتخابات الفترة السادسة الحالية كفاءات متعددة التأهيل والخبرات، ولمسنا منها حسا وطنيا أصيلا ورفيعا، فكيف ينبغي توظيفه لصالح المرحلة؟
وأهم رسالة سياسية قد خرجت من افتتاح الفترة السادسة لمجلس عمان، هى ظهور عاهل البلاد ـ حفظه الله ـ وقد استكمل قواه الجسدية بعد فترة علاج ناجحة ولله الحمد، كما أظهر حضورا وتركيزا لافتين، تؤكدان استعادة تلك القوة، وبالتالي، يمكننا الاطمئنان على مسير بلادنا ومصيرها رغم قوة الأزمة النفطية، وهذه الرسالة قد جاءت في توقيت زمني ملائم جدا ليس بسبب الظرفية النفطية وهاجسنا من تداعياته عام 2016، وإنما للمرحلة الإقليمية الراهنة التي دخلت فيها الدول الخليجية والعربية على السواء في منحنيات خطيرة، يستصعب معرفة نتائجها، وتحتم فعلا وجود قادة مثل قائدنا ـ حفظه الله ـ يساهم في إدارة السفينة رغم كل الأنواء السياسية والعسكرية والأمنية، فكل عام وبلادنا – قيادة وشعبا – في أمن واستقرار وازدهار دائمات ومستدامات.