رأي الوطن العمانية-
تأكيدًا لدوره الحيوي في صناعة القرار السياسي، وانطلاقًا من الشعور بالمسؤولية تجاه مسيرة التنمية والاقتصاد الوطني، أدار مجلس الشورى جلسة نقاشية “غير معلنة” مع معالي درويش بن إسماعيل البلوشي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية نائب رئيس مجلس الشؤون المالية وموارد الطاقة، ومعالي الدكتور علي بن مسعود السنيدي وزير التجارة والصناعة نائب رئيس المجلس الأعلى للتخطيط، ومعالي سلطان بن سالم الحبسي الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط، حيث دارت نقاشات الجلسة ـ وهي الجلسة الاعتيادية الثانية لدور الانعقاد السنوي الأول (2015-2016م) من الفترة الثامنة ـ حول مشروع خطة التنمية الخمسية التاسعة (2016-2020م) ومشروع الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2016م.
وتمثل هذه الجلسة أهمية بالنظر إلى موضوع النقاش (الخطة الخمسية ومشروع الميزانية العامة) في ظل ما تشهده الأوضاع العالمية الاقتصادية من تراجعات وتأثر اقتصادات دول العالم بموجة الانخفاض اللافت لأسعار النفط وخاصة اقتصادات الدول المنتجة والمصدرة له، ومن بينها السلطنة التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا في دخلها وفي وضع ميزانيتها والإنفاق على مشروعاتها التنموية. فالخطط الخمسية هي المنهج والطريق المرحلي الذي يضع خريطة تنفيذ برامج النهضة المباركة، وكل مشروع يتم إنجازه في إطار هذه الخطط هو بمثابة تحقيق خطوة في رحلة الألف ميل نحو عُمان المستقبل كما أراد لها واضع أسس النهضة وراعي مسيرتها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي يتابع عن كثب، وبكل حرص وحدب، تفاصيل هذا التنفيذ.
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية القائمة والتراجع اللافت لأسعار النفط، فإن التحدي الأكبر الذي يواجه المؤسسات المعنية في بلادنا هو المحافظة على سير مشروعات الخطة الخمسية التاسعة ـ وإن بوتيرة أقل ـ وتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، وعدم المساس بمستوى معيشة المواطنين وخاصة ذوي الدخل المحدود، مع ما يقتضيه ذلك من موازنة الإمكانات المادية والاعتمادات في الميزانية العامة للدولة؛ ولذلك فإن بحث آليات التغلب على هذا التحدي لا يتم بصورة فردية، وإنما يتم بصورة جماعية بين الجهات المعنية للوقوف على حقيقة المواقف من المشاريع المدرجة في الخطة الخمسية، وقدرة الميزانية العامة للدولة تلبية هذه المشاريع وتنفيذها، فضلًا عن ضرورة المشاركة وتبادل الآراء ووجهات النظر القائمة على الرؤية الواعية لاعتبارات الحاضر والمستقبل، من حيث أولوية المشاريع وتقديم الأهم على المهم، وإمكانية التأجيل لأخرى إلى حين ميسرة وانفراج، والعمل على رفع معدلات النمو للاقتصاد الوطني، وتعزيز قابلية الأوضاع المالية للاستدامة من خلال ترشيد وخفض الإنفاق العام وزيادة الإيرادات غير النفطية، وتعميق عمليات التنويع الاقتصادي، من خلال الاهتمام بوجه خاص بتطوير قطاع الصناعة والتعدين والأسماك والخدمات اللوجستية، والاهتمام بتطوير قطاع التعليم والتدريب وبناء الكفاءات الوطنية وتوفير فرص العمل، والاهتمام بشريحة الشباب، مع مراعاة المتغيرات الاقتصادية التي تطرأ على الساحتين الداخلية والخارجية والتي تترك بصماتها بقوة على مسيرة النهضة، وحيث تكون التداعيات كثيفة بالنظر إلى الانفتاح الذي صار سمة الحركة الاقتصادية العالمية، ونحن بالطبع جزء منها، وهذه الحركة قد تكون عاصفةً أحيانًا إلى حد يتطلب الاستعداد بعوامل الأمان وسرعة التصرف ودقة الملاحظة للضغوط التي قد تتعرض لها المشروعات الحكومية قيد التنفيذ.
إن الأداء الاقتصادي في إطاره العام يرتبط ارتباطًا مباشرًا بمستوى معيشة الإنسان العماني، كما يرتبط بمستوى النهوض بالاقتصاد الوطني، والخطط الطموحة لتوفير فرص العمل، وتحسين قطاع الخدمات بكل مرافقه، وهي عملية متكاملة تدخل في إطار عملية التنمية الشاملة في محافظات السلطنة كافة؛ ولذلك من الأهمية بمكان أن يطرح بحضور الجهات المعنية بالخطط التنموية والاقتصاد الوطني والتمويل، لكي يستقيم النقاش على بصيرة وروية ورؤية وفكر واعٍ، الأمر الذي سيمكن ـ بإذن الله ـ من إيجاد الحلول البدائل الممكنة للتغلب على التحديات كافة التي أطلت برأسها أو قد تطل. خالص تمنياتنا بأن تكلل هذه النقاشات التي تنشد الخير والرخاء لوطننا الغالي ولأبنائه الأوفياء بالنجاح والحلول الناجعة وبالأفكار العملية السليمة والصائبة.