عاصم الشيدي- عمان اليوم-
تواجه مدارسنا الحكومية والخاصة على السواء مشكلة غاية في الخطورة، تكرست عبر السنوات القليلة الماضية حتى صارت طبيعية ونشأت إلى جوارها أنواع من التجارات التي لا تخفى على أحد.
هذه المشكلة تتمثل في التكاليف التي يكلف بها الطالب على شكل أنشطة منزلية: التقارير والمشاريع وأحيانا البحوث.. ولب المشكلة ليس في إعطاء الطالب أنشطة منزلية ولكن من ينفذ هذه المشاريع وهذه الأنشطة، هل هو الطالب أم أسرته؟.
أتكلم الآن من واقع تجربة تكاد تكون عملية، فقد عملت مدرسا للغة العربية لمدة أربع سنوات، وعملت وليا لأمر ثلاث طالبات أكبرهن في الصف السادس وما زلت، ولذلك أنا مسؤول عن كل كلمة أقولها ومن واقع تجربة معاشة.
أكثر من 95% من المشاريع المنزلية التي يكلف بها الطالب لا ينجزها بنفسه وتقوم الأسرة بهذا الدور بالنيابة عنه كما تقوم المكتبات بالدور الأكبر وخاصة في إنجاز التقارير والبحوث التي تطلب من التلميذ. وفي الحقيقة فإن المسؤولية تنقسم بالتساوي بين الأسرة وبين المدرسة، ولكن إذا كان متعذرا وضع قوانين للأسرة فمن السهل وضع قوانين للمدرسة ولكيفية التعامل مع هذه الأنشطة. الذي أعرفه يقينا أن المعلم يعطي الدرجة الكبرى للتلميذ الذي يبدو بحثه من حيث الشكل متميزا حتى لو كان المعلم يثق أن هذا البحث لا يستطيع تلميذ في هذا العمر القيام به، أما التلميذ الذي ينجز بحثه وفق إمكانياته البسيطة والمتواضعة وهي التي تتناسب مع سنه فإن نصيبه من الأمر درجات متدنية.
صحيح أن البحوث والتقارير بشكلها السابق كجزء من المنهج لها درجاتها ولها مكانتها قد ألغيت تقريبا في المدارس الحكومية ولكن تبقى بعض التقارير والتكاليف اليومية موجودة ولها تقديرها من معلم المادة.
زيارة واحدة إلى أي مكتبة من المكتبات المنتشرة في كل مكان كفيلة بمعرفة الحقيقة، عشرات وربما المئات من التقارير (وأحيانا مشاريع تركيبية لمواد العلوم) تنجز كل يوم في هذه المكتبات، ناهيك عما تنجزه الأمهات في المنازل.. تستفيد المكتبات ماديا ويفشل الطالب علميا.
والغريب أن البعض من أصحاب هذه المكتبات لهم علاقة مباشرة بالتربية والتعليم ويعرفون ماذا تريد المدارس وماذا يطلب المعلم من تلاميذه!
واضح حجم الضرر الكبير الذي يبنى في الطالب منذ هذه السنوات المبكرة من عمره، سواء في الاتكال على غيره في إنجاز عمله أو حتى في تعليمه السرقة الأدبية والعلمية في المستقبل. الكثير من المعلمين يعرفون هذه المشكلة ولكن انتشارها أخرجها من تحت سيطرتهم في ظل عدم وجود قوانين منظمة للأمر.
وأعرف مجموعة على «الواتس آب» فيها أمهات ومعلمات وتعرض الأمهات المشاريع التي أنجزنها لأبنائهن وفيها يتم التفاخر حول ما أنجزته الأمهات لا ما أنجزه التلاميذ دون أن يكون هناك أي موقف من الهيئات التدريسية.
ماذا لو أنجز الطالب نصف صفحة عن شخصية طلب منه البحث عنها ولكن ذلك المنجز من جهده هو، وبحث عن المعلومة بنفسه ولم يطلب من والدته أو من والده الذهاب إلى المكتبة لإعداد بحث «منقول بالطبع» من عشرين صفحة لا شك أن الطالب لن يستطيع، مهما كان مستواه، كتابة مثل هذا البحث ولو بعد حين.
أعرف أن وزارة التربية والتعليم تحاول علاج هذا الأمر منذ فترة طويلة ولكنه للأسف ما زال حاضرا في المشهد دون أي رادع، واليوم نحتاج إلى قوانين تعالج الأمر، ونحتاج إلى هبّة من الأسر لمصلحة أبنائها، وهي المصلحة الأبقى، كما نحتاج إلى هبّة أكبر من الهيئات التدريسية من أجل أن تكون جهودها في بناء هذا الطالب أكثر رسوخا وأكثر رؤية نحو المستقبل.