فريد احمد حسن- الشبيبة العمانية-
لا تزال الأخبار التي يتم تداولها عن الدور العماني في حل المشكلتين السورية واليمنية مصدرها التحليلات التي يعتمد أصحابها على بعض ما يتسرب من معلومات هنا أو هناك أو ما يتلقونه من إشارات عبر علاقاتهم الشخصية واجتهاداتهم وركونهم إلى خبرتهم في صنع الأخبار ، ولعل الأكيد الوحيد في تلك الأخبار والتحليلات هو أن سلطنة عمان لا تزال مستمرة في القيام بدورها بغية توصل الأفرقة المعنية في هاتين الدولتين إلى تفاهمات تعين على التوصل إلى وقف إطلاق النار أولا وتفتح الطريق أمام البدء في حوار جاد ينتهي باتفاق واضح يسهل عليهم العودة إلى مرحلة البناء والمساهمة في الإيجابي من الفعل الإنساني الذي توقف بسبب انشغال الجميع بالحروب فتضرر الجميع .
قبل أيام تم تداول أخبار لم يعرف مصدرها عن مقترحات بعثتها المملكة العربية السعودية عبر ممثل الأمم المتحدة قيل إنها تشجع الحوثيين على تقديم تنازلات معينة ولتبدأ بعدها خطوة الوصول إلى حل نهائي للمشكلة اليمنية ، تبع ذلك تحليلات ملخصها أن السلطنة تقترب من النقطة المفضية إلى المفيد إلا أنها لا تتعجل نشر مثل هذه الأخبار . لم يتم تأكيد تلك الأخبار ولم تصدر السلطنة أي بيان لكن إحساسا إيجابيا توفر بسبب ذلك أعطى الأمل بقرب التوصل إلى نهاية للمشكلة اليمنية من خلال بوابة الدبلوماسية العمانية ، أو على الأقل إلى وقف إطلاق النار . والأمر نفسه فيما يتعلق بالمشكلة السورية التي بدا أنها تقترب من نهايتها لولا التطورات الأخيرة الناتجة عن إسقاط تركيا لمقاتلة روسية في الأراضي السورية والاختلاف على طرق محاربة داعش هناك والذي يتعاون أكثر من خمسين بلدا اليوم للقضاء عليه .
قديما قالت العرب "اشتدي يا أزمة تنفرجي" ، وليس أكثر اشتدادا من الذي صارت فيه القضيتان اليمنية والسورية ، ما يبشر بقرب انفراجهما . وحديثا قالوا إنه طالما أن سلطنة عمان قد دخلت على الخط وقررت أن تكون وسيطا لحل المشكلتين اليمنية والسورية فإنها لن تقبل إلا بالتوصل إلى نهاية سعيدة لهما وستظل تدفع في هذا الاتجاه بكل ما أوتيت من قوة وخبرة وبأس .
عمان تقوم حاليا بدور مهم لإنهاء هاتين المشكلتين حتى صارت الأطراف ذات العلاقة بهما تشعر بأن مفتاح الحل صار في يدها وأنها صارت لاعبا أساسيا ومؤثرا ، وهذا صحيح دونما شك وإن استمرت السلطنة في أسلوب التكتم الذي تعودته ويعين على التوصل إلى النهايات السعيدة بهدوء وبعيدا عن الضجيج .
لن يطول الوقت حتى تعلن مسقط عن حل المشكلتين أو إحداهما أو على الأقل عن قرب التوصل إلى مفيد يغير من الأجواء في المنطقة ويخفض نسبة القلق التي صار يعاني منها الجميع من دون استثناء ، ولن يطول الوقت حتى يرى العالم الأطراف ذات العلاقة بكل مشكلة من المشكلتين وقد التأمت في هذه العاصمة التي شهدت لقاءات مماثلة سابقا نتج عنها حل مشكلات كان يعتقد أنها عصية على الحل مثل ملف النووي الإيراني .
أنظار العالم تتجه اليوم إلى حيث الحكمة العمانية التي من دونها تتعقد أمور كثيرة في هذا العالم الذي تزداد حاجته للدور العماني بعدما تأكد له أنه الأكثر فاعلية والأكثر قدرة على إغلاق الملفات الصعبة .
باستثناء الإرهابيين فإن علاقة السلطنة بكل الأطراف التي هي اليوم جزء من المشكلة السورية جيدة ، فالسلطنة تقف على مسافة واحدة منها جميعها والغالب أنها تتمتع بثقتها كلها من دون استثناء ، وهذا يسهل على السلطنة مهمتها . وباستثناء الإرهابيين فإن علاقة السلطنة بكل الأطراف التي هي اليوم جزء من المشكلة اليمنية جيدة وخصوصا الحوثيين وكذلك إيران التي هي في كل الأحوال لاعب أساسي في هذه المشكلة وإن نفت أو نفى من هو محسوب عليها بشكل أو بآخر دورها في اليمن . العلاقة الجيدة مع مختلف الأطراف ذات العلاقة بالمشكلتين السورية واليمنية والتي تتميز بها السلطنة توفر قاعدة مهمة تعين على الاحتكام إليها والاعتماد عليها بعد الله سبحانه وتعالى في الوصول إلى الأبواب المفضية إلى طريق النهاية السعيدة .
المشكلة الأبرز هنا هي أن الساحة تموج بالمتغيرات السالبة والتي من شأنها أن تعيق عمل الدبلوماسية العمانية وتؤخر التوصل إلى حلول للمشكلات التي تتصدى لها ، فإسقاط تركيا للمقاتلة الروسية في سوريا وقيام فرنسا بضرب داعش هناك انتقاما لما حدث في باريس مثالان على توفر متغيرات جديدة تؤثر سلبا على مهمة السلطنة ، وعودة عبد ربه منصور هادي إلى اليمن من جديد وزيارته لبعض مواقع القتال هناك وغيرها من تطورات تتسارع ومتغيرات قد تؤثر على هذه المهمة بشكل أو بآخر .
الدبلوماسية العمانية اليوم في سباق حقيقي مع الزمن وفي صراع مع المتغيرات التي قد تتسبب في تغييرها لخططها وتؤخر توصلها إلى النهاية التي تطمح إليها في وقت قريب فيما يخص المشكلتين السورية واليمنية ، لكنها بالطبع لا تيأس وستستمر في محاولاتها حتى النهاية ، فليس من طبع العمانيين التراجع وليس من طبعهم إلا الصبر والإصرار على الوصول إلى خط النهاية خصوصا لو كان الأمر متعلقا بخير المنطقة واستقرارها وخير الناس فيها .
متغير آخر لا يمكن إغفاله هو ما سينتج عن اجتماع قمة دول مجلس التعاون المقرر عقده الأسبوع المقبل في المملكة العربية السعودية والمؤمل أن تصدر عنه توصيات تخفف من تأثير تلك المتغيرات وتعين على التعامل بشكل إيجابي مع مختلف المستجدات في الساحتين السورية واليمنية .