أحمد بن سالم الفلاحي- عمان اليوم-
حيث يتسع الحوار تستحوذ اليوم وسائل التواصل الاجتماعي على أغلبية ساحقة من المتابعين، والمشاركين، من المتعاطين مع أقرانهم، ومن الفارين من استحكامات القيود: الاجتماعية، والسياسية، والجغرافية، والأمنية؛ ولو بمستوى نسبي تقريبا، لأن الرقم السري الذي تنطلق منه الرسائل لا يزال إلى حد ما يمكن التحكم فيه، أو الوصول إليه، هذا اليوم، أما غد، فلربما قد تكون الخدمة لا تخضع لهذا الرقم السري أو ما يسمى بـ «code number»، وقد سمعت قبل ثلاثة أيام خبرا بثته إحدى الإذاعات تقول فيه، إن هناك سعيا حثيثا من إحدى منظمات الأمم المتحدة، ولعلها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» لتعميم خدمات الإنترنت على الشعوب التي لم تحصل بعد على هذه الخدمة ، ولو كانت في أقاصي الأماكن التي تنعدم فيها خدمات الكهرباء، وخدمات الاتصالات، وذلك عبر ربطها بالأقمار الصناعية، وفق آليات وتقنيات حديثة لا تحتاج أصلا إلى احتياجات هذه الخدمات من الخدمات المساعدة، أو المعاونة لوصولها إلى الناس بسهولة ويسر، ومعنى هذا انه إذا كانت اليوم مساحة الحرية لا تزال لم تصل إلى الصورة المطلقة، فإنها مرشحة في المستقبل القريب إلى وصولها إلى المرحلة المطلقة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، ويبقى المحدد الأسمى للأمانة والمحافظة على القيم، هي قناعات الفرد نفسه، ومدى إيمانه بما يقوم به، وما يبعثه من رسائل إلى الطرف الآخر.
في مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم، كنا عندما نحرر خبرا، أو نكتب مقالا في الجريدة، فانه يمر عبر اكثر من بوابة للمراقبة، والمتابعة، والتأكد، والمقارنة، ولم يبق إلا أن يقال لكاتبه، أحضر المصحف معك، حتى تقسم بالله العظيم أن ما كتبته صحيح، وفوق ذلك فعلى كاتبه أن يعيش قلق اللحظة حتى ينشر، ويبقى على نفس التحفز من أثر هذا القلق حتى يمر منتصف اليوم الذي نشر فيه موضوعه، فلربما قد يثير حفيظة فلان من الناس، مسؤولا كان أو غير مسؤول، مؤسسة رسمية، أو مؤسسة اجتماعية مفتعلة، اليوم من يسبك ويلعنك، ويستبيح عرضك لا تعرف عنه شيئا بصورة مطلقة، هل هو يقاسمك جغرافيتك المحدودة بوطنك، أم انه من أحد القطبين الشمالي أو الجنوبي، أو من أدغال إفريقيا، اليوم وأنت تفتح بوابة سيارتك عند خروجك من عملك مع نهاية دوامك في آخر النهار تأتيك صورة عبر إحدى وسائل التواصل عن القرارات المتخذة، والمطبوعة بالطابع السري، ربما من وقعها يدري ويؤكد أنها كانت على سطح طاولته، أي لا يزال التوقيع عليها طريا بعد، فإذا هي تتناقلها الرؤية البصرية بين آلاف المتابعين في نفس اللحظة.
لكن المهم في هذا الأمر اكثر، هو هذه المساحة المتسعة للحوار، وكأن احدنا يجلس في بيته بين الزوايا الأربع لجدران البيت، فإذا أراد أن يعرف ما يدور حوله عليه أن يخرج إلى دنيا الناس – في السابق كان السوق – من خلال ولوجه إلى إحدى وسائل التواصل هذه، حيث يجد كل العالم بين يديه، مئات الآلاف من المتحاورين في مختلف الموضوعات، يختلفون ويتفقون، يغضبون ويفرحون، يتباكون ويضحكون، يتبادلون التهكم، ويتفقون على المشاكسة في كثير من الأحيان، ولذلك من لم يلج بعد إلى إحدى منصات هذه الوسائل على الأقل للمتابعة من بعد، فهو حقا لا يزال سجينا بين جدرانه الأربعة، وعليه أن يتحمل خسارة ما يفوته، وما يجهله من هذا الصدام الفكري، أن تجوز التسمية، بين مختلف أطياف هؤلاء البشر، ومشاربهم، وثقافاتهم، وجهلهم، ومعرفتهم، ورؤاهم، ولذلك عندما سألني احد أعضاء مجلس الشورى عن إن كانت لدي اقتراحات أود أن تثار عبر مجلس الشورى، نصحته بالذهاب إلى منصات التواصل الاجتماعي ليستشف في ما يدور في المجتمع، ومن خلال متابعاته يستطيع أن يملأ حقيبته بالكثير من الرؤى، والقضايا، والاقتراحات.