سعود بن علي الحارثي- الوطن العمانية-
” الطبيعة في دماء والطائيين ترتدي أفضل حللها وتظهر بأبهى صورها وتتكامل عناصرها وتقاسيمها فتبهر العقول وتأخذ بلباب كل قادم وتسعد كل قائم وتأسر وتلهم الفنان والشاعر والكاتب والراوي والباحث ليقدم كل منهم أجمل وأفضل وأروع وأجود ما لديه شعرا وفنا ووصفا وإبداعا يصور ذلك الجمال الطاغي، فقرى أودية دماء والطائيين وإسماعية بحق من أجمل ما رأيت موقعا استراتيجيا يجمع بين الوادي والجبل,”
ثالثا: ولاية دماء والطائيين
تقع ولاية دماء والطائين في محافظة شمال الشرقية, تجاورها شمالا ولاية قريات، التابعة لمحافظة مسقط وجنوبا ولاية إبراء، ومن الشرق ولايتا القابل وبدية، ومن الغرب ولايتا المضيبي وبدبد. وترجع تسمية وادي الطائيين إلى (( إنهيار سد مأرب في اليمن، حيث هاجرت القبائل العربية من هناك إلى أماكن متفرقة، فجاءت “قبائل طئ” ضمن القبائل القحطانية التي نزلت وادي سمائل، ثم خرجت منه إلى “وادي الطائيين”، حيث استوطنت هناك، وصار الوادي منسوبا إليها، ثم لحقتها كذلك بعض القبائل العدنانية. أما عن تسمية “وادي دماء” ، فتقول الرواية التاريخية إن هذا الوادي شهد الكثير من الحروب الطاحنة التي أريقت خلالها الدماء الغزيرة، فعادت تسمية الوادي إلى تلك الأحداث) . وتتشكل الولاية في مجملها من عشرات القرى الجميلة التي تتوزع في بطون الأودية وعلى حافة الجبال. ثلاثة أودية رئيسية تقسم الولاية إلى ثلاثة اقسام تتدفق مياهها بشكل دائم تفضي على قرى الولاية جمالا وخصبا وتعزز المقومات السياحية , وهي : وادي الطائيين _ وادي دماء _ وادي اسماعية, يلتقي الواديان الأول والثاني بقرب مركز الولاية (محلاح) ويلتقيان بالوادي الثالث في قرية (غبرة الطام) حيث تشكل مجتمعة نهرا صافيا جميلا خاصة في أوقات الخصب تتدفق مياهه بين الحجارة الضخمة الناصعة البياض متجها إلى سد ضيقة المهيب, في قرية المزارع بولاية قريات.
في أوقات الفيضان والأنواء المناخية والأمطار الغزيرة الاستثنائية ومع جريان هذه الأودية بشكل جارف تتعرض الكثير من قرى الولاية لأضرار جسيمة وتدمير للنخيل وجرف الأرض الزراعية خاصة قرية (غبرة الطام) التي تمثل نقطة التقاء الأودية المشار إليها كما حدث في نكبة جونو وفيت, وهو ما تسبب في أضرار جسيمة كذلك على ولاية قريات التي تعد المصب الرئيسي لهذه الأودية … إن موقع هذه الولاية يجعلها عرضة للأمطار في كل المواسم فهي تتأثر بعواصف بحر العرب وأنوائه وبالمنخفضات الشتوية وبالتكونات الصيفية …الطبيعة في دماء والطائيين ترتدي أفضل حللها وتظهر بأبهى صورها وتتكامل عناصرها وتقاسيمها فتبهر العقول وتأخذ بلباب كل قادم وتسعد كل قائم وتأسر وتلهم الفنان والشاعر والكاتب والراوي والباحث ليقدم كل منهم أجمل وأفضل وأروع وأجود ما لديه شعرا وفنا ووصفا وإبداعا يصور ذلك الجمال الطاغي، فقرى أودية دماء والطائيين وإسماعية بحق من أجمل ما رأيت موقعا استراتيجيا يجمع بين الوادي والجبل, وتنوعا زراعيا يحتوي على العديد من المحاصيل والأشجار هذا فضلا عن النخيل , والكثافة في عدد القرى وتاريخ بعضها الضارب في القدم وما تحتويه من معالم أثرية وغزارة المياه التي تطل هذه الواحات البديعة على جداولها الطبيعية ..
كان مدخلنا من منطقة ( الحايمة) مرورا بقرية قفيفة التي تحتضن واديها المتجه في حالة جريانه إلى ولاية إبراء من كل الاتجاهات تتوسطها القلاع والمنازل القديمة , ويتميز الوادي هنا في قفيفة بالبرك المائية والصخور التي تشكل مناظر بديعة وشلالات صغيرة مع جريان المياه وتدفقها لعدة أشهر بعد سقوط الأمطار الغزيرة , وتستقطب السياح من داخل المحافظة وخارجها … كانت الطريق المعبدة والممتدة من (الحايمة ) بولاية إبراء انعطافا من الطريق الرئيسي بدبد _ صور وحتى مركز ولايـــــــــة الطائييـن (محلاح) تخترق معظم قرى نيابة دماء التي تستقبلنا الواحدة تلوى الأخرى , ونحن نعيش كل لحظة من لحظات الرحلة مشهدا جديدا يختلف عن سابقه ومنظرا خلابا آخر يفوق ذاك الذي ما زالت صورته طرية , فالطبيعة تقدم للسائح والزائر والمكتشف السالك لهذا الطريق حزمة من العناصر الجمالية التي تكشفها طبيعة المكان وملامحه البكر . فقد كانت الشلالات المائية والجداول المنسابة بين الصخور وروافد الوادي الرئيسي المتصلة به من الشرق والغرب وتشكيلات الصخور وضيق مجرى الوادي في مكان وسعته في مكان آخر وهيبة الجبال التي تفرضها على المكان والقلاع والحصون والمعالم الأثرية والأسوار والأسواق القديمة التي تتوزع في قمم الجبال وعلى مداخل ومخارج القرى ومراكزها وعمائم النخيل والمدرجات الزراعية الخضراء وأشجار المانجو والسفرجل والليمون والموز وغير ذلك الكثير جميعها شكلت لوحة فنية غاية في الجمال والإبداع … بين الاشجار الوارفة وفي بطن الوادي بقرب المياه الجارية نستمتع بصوتها الموسيقي وهي تتدافع موجة إثر موجة بين الصخور تناولنا طعاما سريعا احضرناه معنا من مسقط واستمتعنا باحتساء فناجين الشاي والقهوة , و قد عودتنا الدقائق والثواني بسرعتها الخيالية وانقضائها في لمحة البصر في لحظات الجمال والاستمتاع والسعادة الغامرة وعندما يجد الإنسان نفسه في حالة حب ووجد وعلاقة ارتباط وود مع المكان , فيما يصبح وئيدا بطيئا لا يكاد يتحرك عندما يفقد الإنسان ذلك الشعور الرائع والجميل . من على مشارف مركز الولاية بلدة (محلاح) انحرفنا شرقا باتجاه قرية (غبرة الطام) في شارع معبد ومريح نقلنا في بضع دقائق إلى بغيتنا بعدما كانت الطريق تستغرق ما يزيد عن الساعة في مسار شاق ومجهد ومكلف في عمق الوادي … هذا الطريق الجديد الذي يربط ( محلاح ) مركز الولاية بالغبرة وخبة وإسماعية وغيرها حتى ولايتي ابراء والقابل سوف ينعش الحركة الاقتصادية والسياحية ويسهل على المواطنين تنقلهم بين أرجاء الولاية من ناحية وبقية الولايات الأخرى في المحافظة من ناحية أخرى , كانت سلسلة جبال الأبيض الماثلة أمامنا من جهة الشرق تلتحف قممها المهيبة غيوما ناصعة البياض محملة بالمطر الغزير يسقي أشجار الزعتر والسفسف وأشجار الليمون والرمان والأعشاب الجبلية هناك , فالجبل الكبير بالجبل الأبيض بولاية دماء والطائيين يعد من (أجمل المناطق الطبيعية بالولاية حيث يكسوه الثوب الأخضر من الحشائش والأشجار الظليلة، ويمتاز ببرودة الطقس طوال العام ) وقد استوطن الإنسان العماني الجبل الأبيض منذ (آلاف السنين، فالآثار التي اكتشفت فيه تعود إلى حقبة حضارة “أم النار ” أي إلى سنة 2500 قبل الميلاد، التي عاصرت عددا من الحضارات الكبيرة كالحضارة السومرية، وهذا يدل على استمرارية الحياة في الجبل، وما يدل على هذه الحضارة وجود حوالي 90 مقبرة على شكل أبراج تعود إلى سنة 2500 ق.م تنتشر على مساحة واسعة هناك، وتم اكتشاف المقابر سنة 1994 م من قبل وزارة التراث القومي والثقافة) . انعطفنا ناحية الوادي عبر طريق ترابي يقع مساره في وسط قرية الغبرة … هنا تتجمع المياه مشكلة نهرا صغيرا تتدافع على شكل شلالات ومجاري وجداول تنفصل وتجتمع تظهر وتختفي أحيانا بين الصخور العملاقة والنتوءات الجبلية . المكان هنا غاية في الروعة والجمال والإبداع . والتخييم والإقامة لعدة ليال يشكلان استجماما حقيقيا والسباحة في هذه البرك والمياه الغزيرة واستثمار الموقع لأغراض سياحية يشكل قيمة كبيرة وإضافة لهذا القطاع الحيوي الهام . من أهم قرى الولاية – الحاجر – عوف – الحيل – الحصن – محلاح ( وهي مركز الولاية ) – سوط – عقداء – غبرة الطام – إسماعية – خبة وغيرها الكثير…
قفلنا راجعين نحو مركز الولاية ومنها على طول الطريق الرئيسي إلى قرية (بعد) التي تشتهر بثمار السفرجل الوفيرة , كان مخرجنا من منطقة (مقيحفة) باتجاه محافظة مسقط عبر طريق بدبد _صور .. صادفنا في طريق عودتنا أمطارا وبعض الأودية أضافت إلى الرحلة جمالا ومتعة وقيمة تؤكد على أن السياحة الداخلية ( تثري ) .