بدر بن محفوظ القاسمي- عمان اليوم-
يحظى قطاع الصحة بالنصيب الأكبر من المخصصات المالية ضمن الموازنات المالية للدولة لما لهذا القطاع من ارتباط وثيق بالتنمية الاقتصادية ، إن الرعاية الصحية عبارة عن سلعة اقتصادية تعتمد على الموارد البشرية ، ورأس المال ، والمواد الأولية .
فهناك ارتباط متين بين الصحة والنمو الاقتصادي ، ولعل تقدم أي بلد يتضح في ما تم إنجازه في مجال الصحة ، فالمجتمع الصحي هو مجتمع منتج ومن المتعارف عليه أن الإنفاق على الرعاية الصحية كاستثمار يدرّ أرباحا في شكل قوى عاملة أكثر إنتاجية ، وأن اعتلال الصحة يحمل البلد أعباء اقتصادية كبيرة وتكاليف مرتبطة به .
إن المتتبع للوضع الصحي في السلطنة يلاحظ وجود تغيرات إيجابية للأفضل ، وإنجازات سباقة على مستوى المنطقة حظيت بإشادة عدد من الوكالات الدولية . فقد قطعت السلطنة شوطاً كبيراً في زراعة الأعضاء على وجه الخصوص زراعة الكُلى ، وزراعة الخلايا الجذعية ، وخطت خُطى مشهودة في طب أمراض القلب .
في ظل التطورات الحالية على الصعيد الاقتصادي أصبح لزاماً على الحكومة أن تنظر بنظرة مستقبلية للصحة في السلطنة ، ووضع مجالات الاستثمار في القطاع الصحي تحت الضوء وذلك لإشراك القطاع في المساهمة في رفد الاقتصاد الوطني ، وإحداث قفزة نوعية في طبيعة المشاريع والشرائح المستهدفة ، لتلبية الطلب المحلي والإقليمي على الخدمات الطبية وتعزيز الخدمات وتقويتها لتكون محل جذب إقليمياً وعالمياً .
ولعل السياحة الصحية أحد المشاريع التي من الممكن أن تهدف في زيادة الناتج المحلي ، وتوجيه الاستثمار نحو مشاريع ذات أبعاد استثمارية كالإسراع في إنشاء المدينة الطبية لتشمل الخدمات ( الوقائية – العلاجية – التأهيلية ) ، ومعالجة المعوقات التي تواجهها وتواجه إنشاءها ، ورفدها بالنُخَب من الخبرات الطبية ، إضافة إلى السعي لإنشاء المنتجعات الصحية ، لما لها من دور كبير في تنشيط السياحة العلاجية وتلبية أهداف طالبي الرعاية الصحية وجعل السلطنة وجهة علاجية إقليمية . بالإضافة إلى أهمية إيجاد نظام رعاية صحية يتمتع بمعايير دولية وتشجيع القطاع الصحي الخاص على الاستثمار في النظام الصحي والعمل على تمويله ودعمه ، لضخ استثمارات جديدة في السلطنة . كما يجب تفعيل دور الإعلام لتشجيع الاستثمار في القطاع الصحي وإبراز أهميته للوطن مثله مثل بقية المجالات الأخرى ، وتعريف المستثمرين بالفرص الاستثمارية في المجالات الصحية والطبية داخل السلطنة .
قبل فترة وجيزة طالعتنا الصحف المحلية بأن أكثـر من 90% من الأدوية والمستلزمات الطبية مستوردة والإنفاق السنوي يتجاوز 65 مليون ريال وتوجد حالياً ثلاث شركات محلية لتصنيع الدواء، وشركة واحدة فقط لتصنيع المستهلكات الجراحية ، هنا يتضح لنا مدى الحاجة إلى تقديم المزيد من التشجيع والدعم للتصنيع المحلي للأدوية بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأدوية والمستلزمات الطبية وتقليل التكاليف والمصروفات على تلك المواد ، والمساهمة بشكل فاعل في سد الاحتياج المحلي بما يتطلبه القطاع الصحي .
كما يمكن لوزارة الصحة العمل على زيادة عدد الغرف الخاصة في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة ، والتوجه نحو بناء المقاهي والمطاعم ومحلات بيع الهدايا .. الخ في المستشفيات وإبرام عقود سنوية للاستفادة من ريعها ، واستثمار عائداتها في ما يمكن تسميته بـ« الصندوق الصحي» لدعم وتنمية القطاع في مختلف المجالات .
يجب أن تكون الخطط الصحية المستقبلية أكثر شمولية بما يعزز جهود السلطنة في بناء اقتصاد متنوع مبني على أسس متينة ومستدامة ، وليس مجرّد بناء مرافق رعاية صحيّة ورفدها بالكادر الطبي من أجل صحة الاقتصاد العُماني .
وختاماً .. لابد من تهيئة وتطوير الكوادر الطبية العُمانية ورفع مستوياتها العلمية والعملية وتدريبها في أفضل المراكز والمستشفيات والجامعات العالمية المرموقة في التخصصات المختلفة .