د.رجب بن علي العويسي- الوطن العمانية-
” إن أبرز التحديات التي تواجهها مسألة استدامة التنمية ناتجة عن فجوة الفهم والقناعة المتولدة لدى مجتمع التنمية، وعدم كفاية المفاهيم والمصطلحات التي ينتجها التعليم في تبرير سلوك التنمية وتحديد المسؤولية نحوها، وتوفير إجابات وافيه قادرة على صناعة تحول في ذات الفرد تؤطر توجهاته نحوالتنمية وقيمتها في حياته وإدراك امكانيات ومتطلبات تحقيقها،”
يأتي تناولنا لهذا الموضوع في ظل القناعة بما يشكله التعليم عالي الجودة من ركيزة أساسية لتنمية مستدامة قادرة على التفاعل مع معطيات الواقع المعاصر واستشراف مستقبله، وبناء منظومة الوعي في سلوك مجتمع التنمية وتعزيز اقتصادياته، وترسيخ مفاهيم ايجابية تنقل الفرد إلى مستويات عليا من الرقي الفكري والممارسة الناجحة والفهم المعمق لطبيعة الدور المطلوب منه تحقيقه، حتى أصبحت جودة التعليم مرتبطة بمستوى ما تحققه من أمن إنساني شامل وابتكارية في أدوات معالجة التحديات ، من خلال ما يمنحه للفرد من فرص التمكين وفتح بدائل عديدة في تناول قضايا التنمية، تضمن قدرته على استيعاب اتجاهات التنمية وتعظيم الاستفادة من المميزات التي أوجدتها لبناء ذاته ومجتمعه، وما يمكن أن يقدمه التعليم من خلال مناهجه وأساليبه وأدواته في ترسيخ قناعة الانسان بمفاهيم التنمية ومصطلحاتها وتعميق فهمه بمتطلباتها واتجاهاته نحوها لتصبح حياته قائمة على تعميق مفهوم الانتماء للتنمية وإضافة التجديد فيها بلغته وبما يعكس خصوصيته الوطنية ويستجيب لمحددات التطوير الذي رسمته له سياسات الدولة في ظل محددات الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2020 والتي شكلت مدخلا مهما في فهم مقتضيات التحول المطلوبة في سلوك الإنسان العماني نحو التنمية، ويصبح التعليم هو الحلقة الأقوى في تحقيق هذه المسؤولية، لما يؤصله من روح الجدية والنشاط والتعلم الذاتي والقراءة، فتصبح الدافعية الناتجة عن التعليم مزيج من العطاء المعزز بروح العمل الجاد والإخلاص والمبادرة.
إن أبرز التحديات التي تواجهها مسألة استدامة التنمية ناتجة عن فجوة الفهم والقناعة المتولدة لدى مجتمع التنمية، وعدم كفاية المفاهيم والمصطلحات التي ينتجها التعليم في تبرير سلوك التنمية وتحديد المسؤولية نحوها، وتوفير إجابات وافيه قادرة على صناعة تحول في ذات الفرد تؤطر توجهاته نحوالتنمية وقيمتها في حياته وإدراك امكانيات ومتطلبات تحقيقها، والجهود التي تبذلها مؤسسات الدولة في قطاعات التنمية المختلفة من أجل استقرار الإنسان العماني وسعادته، وما ينتج عن هذا الشعور من تقدير للمنجز التنموي الوطني وتعميق الاستفادة منه والمحافظة عليه، لذلك يأتي النقص الحاصل في طريقة بناء هذه القناعات والاساليب المتبعة في تحقيقها ومستوى واقعيتها، ليشكل بدوره تحدٍ يجب على التعليم أن يُعيد النظر في سياساته وبرامجه ومنهجيته في إدارة السلوك الإنساني ومنظومة القيم والمبادئ والأخلاقيات التي يعززها في سلوك الأجيال نحو التنمية.
فإن المؤمل من التعليم أن يقدم أنموذجا واقعيا في طريقة تعامله مع هذه المتطلبات بحيث يمتلك قوة الاستثمار في المشروعات النوعية وتوظيف الصلاحيات في بناء الادوات المناسبة ومنهجيات الاداء القادرة على التأثير في سلوك مجتمع التنمية، من خلال احتواء الفكر الخلاّق والكفاءة المجيدة وتوطين الممارسات الأفضل، ويبني في المواطن آمالا بايجابية الحياة ويضع إطاراً مرنا للشراكة الوالدية والمجتمعية يحدد خلالها طبيعة الممارسة المطلوبة لتثبت للتنمية وجودها وقوتها في ضمير المواطن وسلوكه، بما يغرسه فيهم من مسؤولية وإرادة ومنهجية عمل سليمة ومبادرات ويُعمّق فيه روح المهنية في الاداء والالتزام بالقوانين والانظمة وترسيخ الحس الوطني في المنجز، لذلك فإن استحقاقات الثقة التي يمنحها المجتمع للتعليم ينبغي أن تبرز اليوم في النواتج النوعية التي يصنعها كنماذج عمل في مسيرة العمل الوطني تظهر في قدرة أبنائه على إدارة مشروعات التنمية وتكوين شراكات تنافسية لضمان موقع لهم في منتج التنمية.
وعليه تتأكد قيمة البعد الاستراتيجي التنموي للتعليم في إطار قدرته على استيعاب التحولات الثقافية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية، لذلك لا يمكن فصله عن الواقع الوطني أو اقصائه من التحولات الحاصلة فيه، كما لا يصح أن يبقى دوره متلقيا مستهلكا للموارد، بل عليه أن يوطّن نفسه ويستثمر في الكفاءة والموارد التي يديرها بما يعزز من دوره ويصنع لنفسه موقعا في خريطة التنمية.
فإن مؤسسات الدولة ذات العلاقة معنية بأن تستثمر الفرص المتاحة لها بالشكل الذي يضمن لنواتج التقييم والمراجعة التطبيق على أرض الواقع، في ظل استراتيجيات عمل واضحة تؤصل لثقافة التنمية من خلال تعزيز مناخات الابتكار وبناء قدرات المتعلمين وتعزيز البحوث الاستراتيجية التجريبية وبناء مداخل أوسع لصناعة البدائل بالمؤسسات بشكل يضعها في مستوى عال من الجاهزية في التعامل مع المتغيرات وضبط الممارسة التعليمية وتوجيهها لصالح تكوين نماذج عمل مصغرة للتنمية تنطلق من مؤسسات التعليم وتحط رحالها في المصانع والشركات وبيئات الانتاج المختلفة.