أحمد بن سالم الفلاحي- عمان اليوم-
تتيح وسائل التواصل الاجتماعي اليوم الفرصة، أكثر من أي وقت مضى، لأن يقول الواحد منا كل ما في خاطره، من حسن القول وسيئه، في حالة من الانفلات الأخلاقي، إن تجوز التسمية، فهذه الوسائل فتحت الأبواب على مصراعيها، ولم يبق شيء يحد من التطاول على الغير، وخاصة، الجارح منه، والذي يأتي غالبا من ضعاف النفوس، وممن أمنوا العقوبة، ولذلك هم يسيئون الأدب مع الصغير والكبير على حد سواء، وما نسمعه عبر هذه الوسائل، من قيح مؤذ، فيه السب والشتم والقذف والكذب، ما يؤكد هذه الصورة التي يعكسها واقع هذه الوسائل، وهو بلا شك، توظيف سيئ لها، فما تقدمه من تسهيلات، ومزايا عديدة، تجاوزت به الوسائل التقليدية، ليعد منجزا علميا عالي القدر والقيمة، إلا أن سوء التوظيف السيئ هو الذي أوجد «الفزعة» نحو إيجاد قوانين رادعة لكثير من التطاول الذي يمارسه البعض – مغالطة – لمفهوم الحرية الذي يتوق إليه كل منا بلا استثناء.
جميعنا اليوم يستمع إلى المقاطع الصوتية التي تتناقلها أجهزة النقال فيها سب مباشر، وكلمات جارحة لشخصيات رسمية وتتفاوت هذه الأصوات بين ما يفهم منها أن المتحدث رجلا، ومنها أن المتحدث امرأة، وكيفما كان النوع الإنساني المتحدث، فهو في النهاية يعبر عن خلق دنيء، وشخصية محروقة بالأوهام، وسوء الظن بالناس، وهذا ما لا يقبل أبدا، ولا أخلاقياتنا، كمجتمع، لحقت لأن تصل إلى هذا المستوى المتدني من التعامل مع الآخر، فلا تزال هناك مساحة من أفق جميل للتعامل تبرز فيه صور الود، والكرم، واحترام الكبير، والعطف على الصغير، وهناك الجار، والقريب، والصديق، وهذه كلها تنسج عباءة مجتمع متواد ومتعاطف وحنون، أما ما نسمعه، وما نراه، أحيانا، عبر «الفيديوهات» لشيء مخز بكل معنى الكلمة، قياسا بمجموعة المناخات الاجتماعية التي نعيشها، كمجتمع صغير، لم تلوثه بعد آيادي المجتمعات الكبيرة المتشعبة، التي يأخذ منها المفهوم المادي الشيء الكثير.
فهل هؤلاء يجازون من يصوبون إليهم سهام السب والشتم ويحاسبونهم على أخطائهم، وهل هؤلاء الشاتمون ليست لهم أخطاء، هل سجلاتهم ناصعة البياض، وإذا كان الأمر كذلك، وهو المستبعد، فهل في حالتهم – أثناء ممارسة السب والشتم -التي يشهد عليهم العالم كله، هم يمارسون عملا وطنيا صالحا يستحقون من خلاله الشكر والتقدير، وما يبعث على الضيق أكثر، هو الانتشار السريع من قبل من يصلهم المقطع، فهل هؤلاء أيضا يتفقوا مع ما ذهب إليه الشتامون، وهل يتفقون معهم قلبا وقالبا، أم هناك مشكلة لدى كثير من أبناء المجتمع؛ مفادها التشفي من أية شخصية لها منصب، سواء أحسنت هذه الشخصية، أو أساءت؟
السؤال الآن؛ وبغض النظر إن كانت هناك عقوبات، أو قانون يتعقب مثل هذه الحالات، وهو عن أخلاق المجتمع، والتي تنبع من مختلف الممارسات للشعائر الدينية، وفي مقدمتها (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا، أن تصيبوا قوما بجهالة، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، ومن موروث قيمي رائع؛ من الود، والتضحية، والرضا، والتواد، والتسامح، والتعاون، ومن يخطئ هناك جهات رسمية معنية بتتبع أخطاء المخطئين، فنحن في كل الأحوال لا نملك الدليل لمحاسبة الآخر، وبالتالي من السخف أن نعوض فقداننا للدليل بامتهان هذه الأساليب الرخيصة، التي لا يأتي منها سوى الفرقة والتنازع، وتشويه صور الناس، وهذا لا يجوز؛ لا شرعا، ولا عرفا.