السلطة » خلافات سياسية

النفط والإسلام: السياسة السعودية بعد «خطة العمل المشتركة الشاملة»

في 2016/07/18

"صادف الرابع عشر من تموز/يوليو الذكرى السنوية الأولى لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران المعروف بـ «خطة العمل المشتركة الشاملة». وهذا المقال هو جزء من سلسلة من المراصد السياسية التي تقيّم الكيفية التي أثّر فيها الاتفاق على المصالح المختلفة للولايات المتحدة".

إلى جانب المعارك بالوكالة في الشرق الأوسط والمواجهات الكلامية في وسائل الإعلام، يبدو أن السعودية تستخدم نفطها كسلاح للحدّ من أرباح إيران الاقتصادية الناتجة عن «خطة العمل المشتركة الشاملة»، بحيث تثير الغضب فعلاً في طهران. فبالإضافة إلى الاختلافات العرقية والدينية المستمرة - أي العرب مقابل الفرس والسنة مقابل الشيعة - أدّت أسعار النفط المنخفضة على مدى العامين الماضيين إلى زيادة حدة التوترات السياسية الطويلة المدى بين الخصميْن الغنييْن بالنفط والغاز، مما يشكّل خلفيّة غير متعارَف عليها بشكلٍ كافٍ للمواجهات بالوكالة التي يشارك فيها هذان البلدان في سوريا والعراق واليمن والبحرين.  

قبل اثني عشر شهراً، كان سعر نوع النفط المتداول تجارياً إلى حدٍّ كبير والمعروف بـ "خام برنت" حوالي 57 دولاراً للبرمي الواحد. وهبط إلى أقل من 30 دولاراً/برميل في كانون الثاني/يناير قبل أن يعاود ارتفاعه بعض الشّيء، على الرغم من أنه لم يبلغ مستوى تموز/يوليو 2015 (في الرابع عشر من تموز/يوليو، اقترب سعره من حوالى 47 دولاراً). وعادةً تكون أسعار النفط الخام السعودي والإيراني أدنى من غيرها لكنها تتغيّر تقريباً بموازاة أسعار نفط "برنت".

وبالنسبة إلى الرياض، كانت النتيجة هبوطاً مؤلماً في الإيرادات. وبالنسبة إلى الإيرانيين كانت الطفرة المتوقعة في عائدات تصدير النفط بعد «خطة العمل المشتركة الشاملة»أدنى بكثير مما أمِلوا - مما شكل خيبة أمل أخرى لمسؤولي النظام الذين أرادوا تحقيق منفعة اقتصادية سريعة وملحوظة ناتجة عن القيود المفروضة على البرنامج النووي.

ونظراً إلى أن السبب الأساسي لأسعار النفط المتدنية هو إنتاج الولايات المتحدة المتزايد من النفط الصخري، كانت السياسة الرسمية في المملكة العربية السعودية هي الحفاظ على حصة السوق من خلال عدم السماح بتخفيض أسعار تصديراتها. وخلال اجتماع عقدته منظمة الدول المصدرة للنفط ("أوبك") في الشهر الماضي، وعدت الرياض بعدم إغراق السوق، لكن وفقاً للأرقام السعودية المقدمة إلى المنظمة، وسّعت المملكة الآن إنتاجها إلى ما يقرب من 10.6 مليون برميل/اليوم. وبعد أن أبقت الكميات ثابتة خلال أشهر من هبوط الأسعار، زادت إنتاجها بنسبة أكثر من 260.000 برميل/اليوم في حزيران/يونيو وحده. وكان جزء من هذه الخطوة يهدف إلى تلبية طلب متزايد على الكهرباء في موسم الصيف الذي تبلغ فيه الحاجة إلى تكييف الهواء ذروتها، لكنها أيضاً تناسب استراتيجية الرياض الواضحة والأكثر شمولية.

ومنذ أن رُفعت العقوبات النووية في كانون الثاني/يناير زاد إنتاج إيران الخاص بنسبة 750.000 برميل/اليوم، لكن ما زالت السعودية تمارس نفوذاً أكبر بكثير في السوق لأن إنتاجها يفوق إنتاج أقرب منافسَيْها في الـ "أوبك" مجتمعيْن (أي إيران بنسبة 3.66 مليون برميل/اليوم والعراق بنسبة 4.43 مليون برميل/اليوم). وبينما لا يمكن تأكيد الدافع وراء التكتيكات السعودية بشكل قاطع في ظل غياب تصريح رسمي، ليس هناك شك أن أهم صانع قرار في ما يخص النفط في المملكة - أي ولي ولي العهد ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان - عازم على معاكسة طهران في كافة المجالات. وفي نظر الرياض، يكمن الخطأ الأساسي لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة» في تعزيز بروز إيران كقوة شبه نووية بدلاً من إيقافه.

ومن جهتها، كانت طهران صامتة حول مسألة النفط. وربما يعود ذلك لأنها ترى فائدةً أكبر في الحفاظ على وحدة "أوبك" الهشة، التي اقترحت تخصيص حصص أكبر لإيران في المستقبل.

احتكاكات طائفية

منذ استكمال «خطة العمل المشتركة الشاملة»، ساعدت تطورات مختلفة مرتبطة بالإسلام في تفاقم الخلاف السعودي-الإيراني حتى إلى ما وراء حدود مناطق حروبهما بالوكالة. وأدى تدافع الحجّاج المميت في مكة في أيلول/سبتمبر الماضي إلى زيادة التوترات لأن العدد الأكبر من القتلى كان من الإيرانيين، مما دفع طهران إلى اتهام الحكومة السعودية علناً بالإهمال الفادح والتشكيك بقدرتها على إدارة الحج السنوي. وفي كانون الثاني/ يناير، قُطعت العلاقات الدبلوماسية رسمياً بعد مهاجمة السفارة السعودية في طهران - وهو حادث تلا إعدام السعودية لرجل دين وناشط شيعي مهم. ومؤخراً، فشل البلَدان في الاتفاق على تسويات للحج لهذا العام، لذلك لن يشارك الإيرانيون في هذه المراسم. كما أدلت طهران بتصريحات تحريضية حول تدابير اتُّخذت ضد زعيم شيعي في البحرين، الجزيرة المجاورة للسعودية ذات الأغلبية الشيعية وعميلتها الأمنية الوثيقة.

واندلعت المعركة الكلامية الأخيرة في 12 تموز/يوليو، عندما ادّعى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن المملكة على صلة مع الإرهاب. وجاء الاتهام بعد أن ألقى رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق وسفير السعودية السابق في الولايات المتحدة، الأمير تركي الفيصل، خطاباً في اجتماع مجموعة المعارضة الإيرانية المنفيّة "مجاهدي خلق" في باريس. ولم يعد الأمير تركي، نجل الملك الراحل فيصل، يحتلّ منصباً رسمياً في المملكة لكن يبدو أنه حائز على رخصة المشاركة في النقاشات العامة. وبينما كان في فرنسا، انتقد بحدّة مجموعة من الأعمال الإيرانية ووصف النظام القائم على رجال الدين في إيران بالسرطان. ودائماً ما أكّدت ظهوراته العلنية الماضية مع مسؤولين إسرائيليين على أنّه، بالرغم من خلافات الرياض والقدس حول مسائل أخرى، أنهما يشاركان وجهات نظر مماثلة حول إيران - وهو انطباع تركه أيضاً الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته الرسمية إلى واشنطن الشهر الماضي.

وفي الوقت نفسه، وفي خطابه في مؤتمر "مجاهدي خلق"، خطى الأمير تركي خطوة جديدة عبر التدخل الواضح في شؤون إيران الداخلية. وبعد إدانة ظريف، حاول متحدثون سعوديون وإيرانيون مجهولون التقليل من أهمية الحادثة. لكن التفسير البديل الواضح هو أن المملكة العربية السعودية - التي خاب أملها بسبب «خطة العمل المشتركة الشاملة» والتي تشعر أن إيران تنافس دورها القيادي في الإسلام - مستعدة لتصعيد الأزمة.

سايمون هندرسون- معهد واشنطن-