من أهم المخاطر التي تواجه الديمقراطية الحديثة هي الأطروحات الشعبوية التي تخاطب العواطف بدلاً من العقول لأن انتشارها واكتسابها تأييداً واسعاً من الناس سيؤدي إلى مخاطر قد تنذر بإجهاض الديمقراطية.
والدليل على ذلك التوجهات الأخيرة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الغرب، ففي الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية يتبنى المرشحون أطروحات شعبية ذات نهج عنصري متطرف.. فمرشح الحزب الجمهوري الأميركي دونالد ترامب يطرح قضايا مثيرة مخالفة لأبسط مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، فهو يعلن في حملته الانتخابية بأنه سيحارب الجريمة ويطبق القانون بحزم.. وأن مسببي الجرائم هم المسلمون والقادمون من أميركا اللاتينية (خاصة المكسيك) والأفارقة والآسيويين، رغم أن شريحة كبيرة منهم مواطنون أميركيون لهم حق الانتخاب والترشح.
هذا الطرح المتطرف بدأ ينتشر في فرنسا أيضاً، وهناك تحمل لواءه ماري لوبين رئيسة حزب الجبهة الوطنية.
هذا الطرح الشعبوي انتقل إلى بعض بلدان الوطن العربي، حيث يتم انتقاد رجال الأعمال والمستثمرين العرب واعتبارهم مصاصي دماء ومستغلين للطبقة الفقيرة!
ورغم حقيقة أن الكويت ديمقراطيتها حديثة ونجاحها نسبي، فإن نواب مجلس الأمة اتخذوا مواقف شعبوية مدمرة للاقتصاد والسياسة والمجتمع. فالنواب بدلاً من تحقيق مصالح الشعب والوطن، بدؤوا يركزون على مصالحهم الشخصية والقبلية والعائلية على حساب المصلحة الوطنية.
ولا يخفى على أحد أن دول الخليج تواجه أزمة اقتصادية بسبب انخفاض أسعار النفط واستمرار سياسات الدعم الحكومي والفشل في تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط.
لذلك اتخذت دول الخليج سياسات جادة لمواجهة العجز المالي، منها تخفيض سياسات الدعم للمحروقات، وزيادة الرسوم والضرائب. وقد واجهت هذه الدول اعتراضات شعبية على هذه القرارات، لكنها لم تتراجع عن سياساتها لأن المصلحة العامة للأوطان مهمة.
الحكومة الكويتية اتخذت قراراً برفع أسعار البنزين في محطات الوقود، وما أن صدرت اللائحة الجديدة للبنزين حتى بدأت التحركات الشعبية من الأحزاب والحركات السياسية، القومية منها والإسلامية واليسارية. وهذا أمر طبيعي، لأن هذه الأحزاب تسعى لكسب الرأي العام عبر تبني شعارات شعبوية.
لكن الأمر غير الطبيعي وغير العادي هو دعوة رئيس مجلس الأمة الكويتي النواب لجلسة تشاورية، أملاً في عقد جلسة خاصة لبحث الخطوة التي اتخذتها الحكومة. بعض النواب انتقدوا الحكومة وطلبوا منها توزيع كوبونات على المواطنين، وتعهدوا بعدم التعاون معها عندما يعود المجلس من إجازته الصيفية.
والسؤال الآن هو: لماذا يتخذ نواب الأمة مواقف سياسية ضد الحكومة، مع أنهم موالون لها؟ السبب يعود إلى الانتخابات المقررة العام القادم، لذلك يتخذ النواب مواقف شعبية ضد الحكومة حتى وإن كان تطبيق أطروحاتهم سيؤدي إلى إفلاس البلد وتقويض نظامه!
الأمر المؤكد هو أن مواقف النواب ذات طابع أخلاقي وليس اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي، فهم يحاولون التقرب لفقراء الشعب الذين يدعون أنهم يمثلونهم ضد الحكومة والطبقة التجارية التي تستغل الناس البسطاء! هؤلاء لديهم تصور مبسط وساذج لحل كل المشاكل؛ وهو إرضاء المواطنين مهما كان الثمن، ولا يعينهم أن الديمقراطية الحقيقية مسؤولية يتحمل مسؤولية نجاحها المواطن قبل الدولة.
د. شملان يوسف العيسى- الاتحاد الاماراتية-