من الصعب اليوم أن نكون متفائلين حول أي شيء في الشرق الأوسط. بيد، بعد أن قمتُ للتو بزيارة للمملكة العربية السعودية، ترأستُ خلالها مجموعة صغيرة من مسؤولين سابقين في الأمن القومي الأمريكي ينتمون إلى الحزبين الديمقراطي والجمهوري، غادرتها ويراودني شعور مفعم بالأمل حول مستقبل المملكة. قد يبدو الأمر متناقضاً عندما يصوّر البعض السعوديين على أنهم "من يشعلون الحرائق ويقومون بإخمادها" في الصراع مع الإسلامويين المتطرفين. ففي حين ساهم التمويل السعودي للمدارس الدينية عالميَاً في انتشار نسخة غير متسامحة للغاية من الإسلام، أتساءل ما إذا كان أثرٌ متأخرٌ يجعل السعوديين يتميّزون بسلوكيات لم تعد قيادتهم تتبنّاها. وفي مطلق الأحوال، هذه بالتأكيد ليست حال السعودية التي واجهتها للتوّ.
وفي الواقع، بدت المملكة التي زرتها مؤخراً وكأنها بلداً مختلفاً عن ذلك الذي دأبت على زيارته منذ عام 1991. فهناك صحوة تجري في السعودية تقودها النخبة. وكما قال لنا أحد السعوديين، هناك "ثورة في البلاد تتزياً برداء الإصلاح الاقتصادي". وفي حين قد لا نشهد أي تغيير سياسي في المستقبل القريب، يبدو أن التحوّل يجري رغم ذلك. فمن ناحية الأسلوب، يتجلّى هذا في صراحةً المحادثات مع المسؤولين السعوديين - التي لا ترقى إلى وصف التفاعلات السابقة - فضلاً عن أخلاقيات عمل جديدة، حيث يُطلعنا العديد من الوزراء على أن أسابيع عمل تتألّف من 80 ساعة في الأسبوع أصبحت القاعدة حالياً. وعندما سألنا كيف يستجيب أولئك البيروقراطيون مع هذه المطالب الجديدة، قيل لنا إنه في الوقت الذي لا يُعرب فيه الجميع عن سعادتهم حيال مسار الأمور يشعر المسؤولون الأصغر سنّاً والشباب حالياً أنهم جزءٌ من شئ مهم وقد تبنّوا الواقع الجديد. أما من الناحية الرمزية، فكان حضور المرأة لافتاً في اجتماعنا مع وزير الخارجية وزيارتنا إلى "كلية ريادة الأعمال" حيث كان نصف المشاركين في الاجتماع من النساء.
وعلى الصعيد العملي، تبدو خطط السعوديين للتحوّل طموحة ومصمّمة بهدف تنويع الاقتصاد، ووضع حدّ لاعتماد المملكة المفرط على النفط، وإبقاء رؤوس الأموال في البلاد من أجل استثمارها محلياً، وتعزيز الشفافية والمساءلة على حد سواء، مع الإشارة إلى أن "الشفافية" و"المساءلة" لم يكونا مصطلحان استخدما في الماضي لوصف السعودية. لكنّ الخطط الرامية إلى طرح نسبة صغيرة من أسهم "أرامكو" للاكتتاب العام ستتطلّب فتح دفاتر شركة النفط العملاقة السعودية، وإن دلّ ذلك على شيء فهو أنه إن كان أفراد العائلة المالكة قد استخدموا الشركة كصراف آلي خاص في الماضي، فلن يتمكّنوا من القيام بذلك بعد الآن. وقد شبّه الوزير المسؤول عن ترتيب الطرح العام الأولي هذا الأمر بأنه "اكتتاب عام للبلاد" نظراً إلى مدى تعقيد العملية. لكن لا عودة إلى الوراء، وقد كان ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان جاداً تماماً عندما أبلغنا أنه لم يعُد للسعودية إيدولوجية سوى التنمية الوطنية والتحديث. فبالنسبة له، ليس هناك خيار سوى السعي إلى تحقيق الأهداف الطموحة المحدّدة في "برنامج التحوّل الوطني" و"رؤية المملكة العربية السعودية 2030" القائمة على مضاعفة الإيرادات غير النفطية ثلاث أضعاف بحلول عام 2020، وإنشاء صندوق للاستثمارات العامة لاستغلال المعادن الأخرى، وتعزيز الصناعات البتروكيماوية والطاقة البديلة للسعوديين، وتطوير قطاع السياحة المحلي ومراكز الترفيه. (وقيل لنا إن هذيْن الأخيريْن يكتسيان أهمية خاصة لكي لا يشعر السعوديون بأنهم مرغمين على مغادرة المملكة بسبب قلة المواقع التي يمكن زيارتها أو الأنشطة التي يمكن القيام بها).
وتساءل المشكّكون عما إذا كانت السعودية قادرة على تحقيق هذه الأهداف، سواء بسبب ثقافة تقليدية سائدة تفرض قيوداً كثيرة على النساء، أو قوى عاملة تفتقر إلى المهارات التعليمية الأساسية، أو مقاومة التيار الديني المحافظ. غير أن ولي ولي العهد وآخرين اعتبروا أنه يمكن تجاوز جميع هذه العوائق: فحالياً يتمّ تنفيذ عملية إصلاح شاملة للنظام التعليمي، حيث أن هناك80,000 طالب يتابعون تحصيلهم العلمي في الخارج ويعودون إلى المملكة بعد اكتساب مهارات حديثة واستعداد ذهني جديد، كما تنخرط النساء بشكل متزايد في الوظائف في مختلف القطاعات. وأشاروا إلى أن نحو 70 في المائة من الشعب السعودي هم دون سن الـ 30 عاماً، كما أن أولئك الشباب ليسوا منفتحين فحسب على التغيير بل يسعون إليه.
ولم يقلّل أحداً من الذين التقيناهم من أهمية التحديات [التي تعترض] تحويل البلاد. لكن القادة حملوا راية هذه المُهمة واعتبروها حاجةً هامّة وملحّة. وكما أخبرنا الأمير محمد بن سلمان، على الحكومة أن تُترجم أقوالها بأفعال - وتحقيقاً هذه الغاية، تفاخر بالإشارة إلى أن الحكومة نجحت بالفعل في زيادة الإيرادات بنسبة 30 في المائة، والحد من عجز الموازنة أكثر مما كان متوقّعاً، وإدخال الانضباط في الميزانية، والأهم، إنهاء سلطة "الشرطة الدينية" في استجواب واعتقال المواطنين السعوديين.
فهل سينجح السعوديون في إحداث تحوّل وطني شامل؟ ستَظهر معارضة حتماً وستُستغلّ قوى التقاليد أي عثرات. بالإضافة إلى ذلك، قد تتسبّب الحرب في اليمن باستنزاف الموارد، وتأييد الدعم الشعبي بمرور الوقت. أو ربما يتّضح أن انشغال السعودية بإيران أو المساعي الإيرانية للتخريب ستشتّت انتباه السعوديين وسيكون من الصعب تخطّيها.
لكن من المؤكد أن لدى الولايات المتحدة مصلحة في نجاح عملية التحوّل السعودية. وبصرف النظر عن ضمان الاستقرار في المملكة، قد يُثبت نجاحها على المدى الطويل وجود قيادة عربية قادرة على إعادة تنظيم مجتمعها من الداخل، دون حدوث اضطرابات هائلة. يتعيّن على الإدارة الأمريكية القادمة توفير المساعدة التقنية لطرح أسهم "أرامكو" للاكتتاب العام والمساعدة في الإصلاحات الاقتصادية بشكل عام. وبالمثل، نظراً لأن للسعوديين أولويتين، هما: التحديث محلياً والتصدّي لمغامرات الإيرانيين التي تلوح في الأفق خارجياً - على الرئيس الأمريكي المقبل اقتراح حوارٍ إستراتيجي وخطة طوارئ للتعامل مع التهديدات الأمنية. وقد يساهم مثل هذا التخطيط إلى حدّ كبير في طمأنة السعوديين، في الوقت الذي تعتقد فيه القيادة السعودية أن الولايات المتحدة عاجزة عن فهم [خطورة] التهديد الذي تطرحه إيران واستخدامها للمليشيات الشيعية لتقويض الحكومات العربية.
إن السعوديين ليسوا واهمين من واقع افتعال الإيرانيين للمشاكل في المنطقة أو تمويلهم «حزب الله» وجماعات إرهابية أخرى. ومن المفارقات، قد يكون السعوديون هم من يملكون فرصة أفضل لتحويل بلادهم وتطويرها بالفعل: فخلافاً للإيرانيين، قد لا تشكّل الأيديولوجيا التي يعتمدونها عائقاً، حيث أنهم رسموا خطة للتحديث، كما أن قادتهم - على عكس آية الله علي خامنئي - يرغبون في فتح بلادهم على العالم. وما كنت لأراهن على إخفاقهم.
دينيس روس- معهد واشنطن-