أبقى الحكم القبلي على ولاء الأتباع في السعودية، لكن الحاجة للعمل بكد من أجل العيش مثل باقي البشر العاديين من الممكن أن تغير قواعد اللعبة.
كان من المتوقع أن تنهار المملكة العربية السعودية في أي وقت لعقود. فكيف لمملكة مطلقة محافظة دينيًا، في شكل متحف حي من القرون الوسطى، أن تظل على قيد الحياة في عصر الديمقراطية والحرية والتكنولوجيا؟
ومع ذلك فقد نجت المملكة ووقفت شامخة أمام التحديات المتعاقبة بما في ذلك الربيع العربي. والتفسير الواقعي إلى حد ما هو أنّها نجت بفعل عائدات النفط التي وفرت الدعم للحياة.
ترغب المرأة السعودية في القيادة، ويرغب الشباب في الهروب من قيود الوهابية، ويشتاق الشيعة لممارسة شعائرهم بحرية، ويرغب الجميع للتمتع بحرية التعبير والحق في التصويت. ولكن الأمر يبقى مجرد رغبات، فقد ارتضى الجميع لآل سعود الحكم وإدارة الأمور في مقابل الوظائف والإعانات النقدية والجامعات المجانية والرعاية الصحية المجانية في المستشفيات.
ولكن لو لم يوجد البترول للدفع لأجل كل ذلك، لكانت السعودية قد أصبحت سوريا، ويعتقد كثير من الناس ذلك.
لكنّ هذا هو نصف القصة فقط، ويصعب على الغربيين قبول النصف الآخر، فلا يوجد دليل على أنّ السعوديين قد تخلصوا من السحر كما يتوهم الغرباء.
عائدات النفط
إنّ الإسلام الذي يمارس في السعودية أكثر صرامة من أي إسلام آخر يمارس في الشرق الأوسط، باستثناء تنظيم الدولة الإسلامية الآخذ في الاشمحلال. لكنّ الحقيقة هي أنّه لا يوجد الكثير من الطلب على العلمانية والحرية والديمقراطية في العالم العربي، بالشكل الذي تمارس فيه هذه المبادئ في الغرب. فقد فاز الإسلاميون بالانتخابات القليلة التي مورست بحرية في المنطقة، وعندما نشبت الثورات، خفت ضوء العدد القليل من الليبراليين خلف الخطاب الإسلامي.
ولم تبق المملكة السعودية واقفة على قدميها بفعل عائدات النفط فقط، ولكن بالتقليد الاجتماعي المحافظ الذي جمع بين الإسلام والحكم الأبوي. ويضمن حكام السعودية أن يظل حكمهم شخصيًا بتوصية المؤسسات الشعبية مثل المجالس التشريعية والوزارات باستمرار التشاور المباشر مع الزعماء الدينيين والقبليين والعائلات التجارية الأقوى.
والقليل من هذا يلفت الانتباه في الخارج، حيث يفضل الغربيون التكهن بشأن خلافة المملكة وجرائم حقوق الإنسان، لكنّ ذلك ما يجعل المملكة تسير بسلاسة.
كم من الوقت تستطيع السعودية الحفاظ على هذا النظام السياسي القبلي في بلد يصل سكانها إلى 30 مليون شخص ويستطيع مواطنوها التواصل مع العالم الخارجي حول تخوفاتهم ورغباتهم عبر الإنترنت، هو ما يحاول الكل تخمينه. وهنا يأتي دور عائدات النفط.
تعاني المملكة من انهيار أسعار النفط. والبترول، وليس الضرائب، هو ما يغطي نفقات كل شيء في السعودية، لذا فقد شهدت الحكومة عجزًا كبيرًا في الموازنة خلال العامين الماضيين. وتتآكل احتياطياتها من النقد الأجنبي سريعًا جدًا، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تنفد احتياطياتها بحلول عام 2020 إذا لم يتغير الوضع.
ولوقف النزيف، قلصت الحكومة نفقاتها المالية، وخفضت رواتب القطاع العام، وأخرت دفع المستحقات، وتردد أصداء كل ذلك في الاقتصاد الذي يتحمل عبء 70% من مواطني السعودية المعينين في القطاع العام من قبل الحكومة، والذي يواجه احتمالية الركود.
نظرة مختصرة لـ«رؤية 2030»
لن يهدد التقشف وحده حكم آل سعود، لكنّ المملكة عازمة على فطام مواطنيها عن السخاء الحكومي.
يهدف برنامج رؤية 2030، الذي أطلق في وقت سابق من هذا العام، إلى بلوغ اقتصاد أقل اعتمادًا على النفط، مع قطاع خاص أكثر ديناميكية، وحريات اجتماعية أكثر من تلك الموجودة الآن. وتبدأ المملكة بتوفير أشياء مثل المتنزهات ودور السينما، وسيتاح للمرأة دور أكبر في قوة العمل، وسيتم تحجيم سلطة هيئة الأمر بالمعروف. سيتم توظيف سعوديين أكثر في القطاع الخاص، حيث سيتعين عليهم العمل بجد أكثر للحصول على راتب أقل مما اعتادوا عليه.
سيثني الغرباء بكل تأكيد على هذه الخطوات كمرحلة طال انتظارها للتحول نحو العالم الحديث. لكن ليس من الواضح كيف سيستقبل السعوديون تلك الحريات الجديدة والحاجة إلى العمل من أجل العيش، وخاصةً إذا لم يكن لدى الحكومة المال اللازم لتخفيف حدة التحول.
لا تهدد رؤية 2030 فقط نظام الولاء مقابل الإعانات، بل تقوض أيضًا مبدأ أنّ العائلة المالكة تعتني بالناس وتلمس آمالهم ومخاوفهم وتبحث عن مصالحهم.
وما ينبئ عن الكثير، عند إعلان الحكومة تقليص الرواتب في القطاع العام في سبتمبر/ أيلول، عبَّر العديد من السعوديين عن دعمهم للقرار باستخدام وسم على موقع تويتر جاء فيه «نحن أبناء الملك سلمان». لن تجد ذلك النوع من العلاقة الأسرية عند هؤلاء الذين يعتلون السلطة في الغرب، لكنّ الوقت قد ينفد في السعودية قريبًا، وربما لا يبقى الحال على ما هو عليه.
ديفيد روزنبرج - هآرتس - ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-