توصف التجربة الديمقراطية في الكويت بأنها من التجارب الأكثر نضجاً في العالم العربي، وهي أول دولة خليجية وضعت دستوراً وأجرت انتخابات نيابية عام 1962، لكن البلاد شهدت منذ منتصف العام 2006 أزمات سياسية حادة، أدت إلى مقاطعات نيابية أضعفت الدور النيابي، إلا أن الانتخابات المرتقبة تشهد تفاؤلاً سياسياً لم يُسمع به منذ سنوات.
وستكون الانتخابات المزمع إجراؤها في 26 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بعد قرار أمير البلاد بحل مجلس الأمة الحالي في 16 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سابع انتخابات تُجرى في البلاد منذ عام 2006، وهي وإن كانت تعكس أزمات سياسية، فإن العديد من المرشحين اعتبروها صفحة جديدة في تاريخ الحياة السياسية في الدولة.
وبالرغم من التفاؤل بالمجلس القادم، فإن المحكمة الدستورية تلقّت طعناً بعدم دستورية مرسوم حل مجلس الأمة من أحد المحامين، حيث رأى صاحب الطعن أن "مرسوم الحل لم تتوافر فيه شروط حل مجلس الأمة، وليس فيه سبب قانوني يستدعي حل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات جديدة"، لكن المحكمة قررت عدم قبول الطعن.
وتعترف المعارضة الكويتية بأن مقاطعتها للانتخابات لم تكن الخيار الصحيح؛ بل تسبب ذلك في عزلتها عن الشارع، وأثر سلباً في الدور الرقابي لمجلس الأمة، الأعرق في منطقة الخليج العربي.
مجلس "يعبّر عن الشعب"
يعتبر ناصر الصانع، عضو مجلس الأمة الكويتي السابق، في تصريح خاص لـ"الخليج أونلاين"، أن إنهاء المعارضة لمقاطعة الانتخابات أمر سيسهم في إثراء الحياة السياسية في الكويت، مضيفاً أن "هناك تفاؤلاً في الشارع الكويتي من قرار المعارضة؛ لأنها سوف تحدث توازناً في مجلس الأمة، وهذا أمر إيجابي ستظهر نتائجه في الاقتصاد والتنمية".
من جانبه يؤكد المرشح الإسلامي والنائب السابق، محمد الدلال، لوكالة الأنباء الفرنسية، ذلك بالقول: "مشاركتنا أصبحت ضرورية؛ وذلك من أجل الإصلاحات في الكويت، ومواجهة الفساد، وتعزيز الديمقراطية".
وأضاف الدلال: "بعد مرور 4 سنوات على المقاطعة، انحدرت الأوضاع السياسية، وازدادت وتيرة الفساد، وفشلت الحكومة والبرلمان في معالجة القضايا الاقتصادية والأمنية المهمة".
أما مرشح الدائرة الثالثة، عبد المحسن الخلف السعيد، فيقول إن المرحلة المقبلة "تتطلب منا جميعاً المشاركة في هذه الانتخابات، والمجيء بمجلس قوي يعبّر عن طموحات الشعب الكويتي، ويقود دفة التغيير التشريعي والتنفيذي في البلاد"، معتبراً أن "أمامنا فرصة كبيرة لتصحيح الأداء التشريعي والتنفيذي"، بحسب ما نقلت عنه صحيفة القبس.
ويصف السعيد المرحلة الحالية في الكويت، بأنها "حساسة، وعلينا جميعاً التركيز على ضرورة بناء الدولة وتحقيق الإصلاح المطلوب من خلال مجلس الأمة، الذي يجب أن يتصدى لكل محاولات الانتقاص من الحقوق التي أقرّها الدستور، وأن يسعى كذلك لتحقيق المزيد من المكتسبات الدستورية، والحفاظ على الوحدة الوطنية".
من جهته، يعتبر المرشح بدر النسيس المطيري، أنه بعد سنوات من المقاطعة "اتضح أن المشاركة في الانتخابات هي المنفذ الرئيسي للإصلاح عبر مسيرة التشريع والرقابة"، كاشفاً أن أولويات الأغلبية المعارضة ستكون تعديل القوانين التي صدرت خلال فترة المقاطعة؛ مثل الجرائم الإلكترونية، والحبس الاحتياطي، إضافة إلى الوثيقة الاقتصادية".
ويحظى مجلس الأمة، الذي يضم 50 عضواً، بصلاحيات تشريعية ورقابية؛ كمساءلة رئيس الحكومة، والوزراء، وحجب الثقة عنهم بشكل فردي لا يشمل إسقاط الحكومة.
ومن أبرز المرشحين الكويتيين الذين يُنتظر أن ترتفع أصواتهم في البرلمان الجديد، النائب السابق وليد الطبطبائي، الذي أعلن أن "كتلة الأغلبية المعارضة عدلت عن المقاطعة، وقررت رسمياً المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة، وبقوة؛ لأسباب تتعلق بالوطن والمواطن".
و"كتلة الأغلبية" عبارة عن مجموعة نواب سابقين في مجلس 2012 المبطل، من مشارب سياسية متنوعة، كانوا يشكّلون أغلبية أعضائه، وقاطع نوابها الانتخابات منذ ذلك الوقت؛ احتجاجاً على تعديل نظام التصويت للناخبين وفق مرسوم أصدره أمير الكويت آنذاك، وأقرّت المحكمة الدستورية الكويتية لاحقاً دستوريته.
اقتصاد يحتاج إصلاحاً
كغيرها من الدول الخليجية، شكّل تدني أسعار النفط في العالم ضربة للاقتصاد الكويتي، وتعرّضت موازنتها العامة لعجز لافت بقيمة 14 مليار يورو، وهو أول عجز منذ 16 عاماً.
وقبيل حل مجلس الأمة السابق، انتقد عدد من النواب -رغم أنهم يُعتبرون من "الموالين"- قراراً برفع أسعار الوقود دخل حيز التنفيذ مطلع سبتمبر/أيلول، بينهم ثلاثة على الأقل تقدموا بطلب استجواب وزراء.
بلغت نسبة رفع أسعار بعض المشتقات 80%، ما قوبل بانتقادات؛ لكون الإمارة عرفت بمنح سخية لمواطنيها البالغ عددهم 1.3 مليون نسمة من أصل 4.4 ملايين من السكان، في حين سيعوض المواطنون بكمية من "البنزين المجاني" شهرياً.
واستغلالاً للحالة الاقتصادية، أصدر العديد من المرشحين تعهدات بطرح مشاريع تحظر على الحكومة تخفيض الدعوم، وتمنع المساس برواتب الموظفين.
وتحتاج الكويت إلى 108 مليارات يورو لتمويل عجز الميزانية لفترة 5 سنوات، بحسب ما أورده صندوق النقد في تقرير نشر منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، ودعا الصندوق الدولة إلى مراقبة حجم الأجور، وزيادة الموارد غير النفطية.
حيث تشكّل الإيرادات النفطية 92% من إجمالي الموارد الكويتية، في حين يبلغ الدعم الحكومي لأسعار الوقود والكهرباء والمياه نحو 18 مليار دولار، ومن المقرر أن يوفّر رفع الدعم عن أسعار الوقود نحو 3.29 مليارات دولار للدولة.
ويتفاءل المرشّح عن الدائرة الثانية، فهد الخنة، في تصريح صحفي، بأنه يتوقع تغييراً يصل إلى 70% في المجلس المقبل.
ويتساءل: "إذا لم يكن في الكويت عجز حقيقي، فلماذا تقوم الحكومة بفرض رسوم تثقل كاهل المواطنين وتجهدهم، وسط وجود تراجع حقيقي في جميع مرافق الدولة على المستوى التعليمي والصحي، وتراجع في مستوى التنمية، وتباطؤ بها، وعجز آخر بعدم توفير وتنويع في مصادر الدخل للمواطن الذي يدفع ثمن كل الإخفاقات".
قتادة الطائي - الخليج أونلاين-