مجبل التالى هو رجل اعمل كويتي وناشط حقوقي تركز كتاباته على موضوع حرية التعبير .
إذا بقيت الحركات السياسية المستقبلية "من دون تنظيم"، قد تعود إلى القيادة الإسلامية القبلية الأكثر تنظيمًا وألفةً التي تنافسها المجموعات اليسارية.
عند إلقاء نظرة سريعة على التاريخ السياسي في الكويت، يبرز استنتاج واحد لا لبس فيه: فقد كان الاستبداد والفساد سببًا بنشوء جميع حركات المعارضة السياسية، ولم تكن هذه الحركات يومًا مبنية على التبعيات أو الإيديولوجيات الأجنبية. فقد حكم آل صباح منذ سنة 1752، إلا أن الاستبداد لم يدخل للثقافة الكويتية إلا في عام 1896. عائلة آل صباح لم تأخذ مقاليد السلطة بالقوة، لكن الشعب هو من اختارها لتتولى مهام الحراسة والقضاء والحكم. إضافة إلى ذلك، كانت الحكومة الكويتية حينئذٍ فقيرة وتعتمد بشكل كامل على الرسوم الجمركية المفروضة على التجار الأغنياء الذين أرادوا دعم دولتهم. لذلك كان من المستبعد أن يبرز حاكم مستبد من بيت آل صباح. وبقي هذ التصور صحيحًا أقلّه حتى عام 1896، عندما قام مبارك الصباح بقتل شقيقيْه الأكبر منه واغتصب الحكم، ما أثار أول حركة احتجاج سياسي مسجلة في تاريخ الكويت. لكن الاستبداد والقمع بلغا ذروتهما في عهد حفيده أحمد، الذي وصل إلى السلطة عام 1921، فرأينا للمرة الأولى القتل والتعذيب والسجن والاضطهاد لدوافع سياسية بحق المعارضين لنهج الحاكم.
جاء عبد الله خليفةً لأحمد، وبعد بضع سنوات من الاضطراب السياسي رضخ وقامت الكويت بانتخاب مجلسها التأسيسي لصياغة الدستور الأول في البلاد عام 1962. ومنذ ذلك الوقت تمتعت البلاد بديمقراطية جزئية وحرية تعبير ملحوظة نسبةً إلى الدول المجاورة لها. وفي الحقبة الدستورية شكّلت حركة قومية تقدمية كتلة المعارضة الأولى في البرلمان. وللحد الاستقطاب المتنامي لهذه الحركة، دعمت الحكومة المجموعات الإسلامية، واضعةً الإخوان المسلمين في طليعة الحياة السياسية.
منذ عام 2006 بلغ الفساد وانعدام الكفاءة مستويات غير مسبوقة في الكويت، ما دفع أطياف المجتمع كلها إلى الانخراط حركة معارضة، وحققت هذه الحركة نتائج غير مسبوقة في سنة 2011، فأزاحت رئيس الوزراء والخليفة المفترض للحكم من منصبه، كما أنعشت في الوقت نفسه الحركات القومية والشيوعية التي كانت قد شارفت على الانقراض، دعّمت الحركة الاشتراكية ذات الشعبية الكبيرة التي تعاني من ضعف التنظيم، وأعادت تنشيط الحركات الإسلامية المزدهرة. وتراجعت هذه الحركة منذ ذلك الحين ولكن مع ازدياد فساد الحكومة وعجزها لا شك بأن هذه الحركة ستعود وتزداد نشاطًا. ومن المنطقي طرح السؤال الآتي: ما هو الشكل الذي ستتخذه الحركة التالية، ومن سيقودها؟
للإجابة على هذين السؤالين، يجب وضع بعض الثوابت. أولًا تتألف الأغلبية الساحقة من الكويتيين من المسلمين وليس الإسلاميين. ثانيًا، يربط معظم الكويتييين الماضي المجيد للبلاد بالحركات التقدمية اليسارية في الستينات والسبعينات. وثالثًا، يشكل فرع "الإخوان المسلمين" في الكويت الحزب السياسي المنظم الوحيد الذي يحظى بعدد كبير من الأتباع. فالأحزاب الأخرى إما تفتقر إلى التنظيم والبنية وإما إلى العدد الكبير من المؤيدين. كما تجدر الإشارة إلى أن الموجة الأخيرة من الاحتجاجات السياسية لم يقدها الإسلاميون ولم يحرّضوا عليها، مع أنهم أدوا دورًا مهمًا في تأمين الحشود. وقد كانت أغلبية المحتجين، سواء من الإسلاميين أو من غيرهم، ذات خلفية قبلية وجذور سعودية، وهي أكثر عرضةً للتأثر بالتحرير الراهن الذي يفرضه النظام الملكي في المملكة المجاورة. مما يفسح المجال للحركات الليبرالية الناشئة للوصول إلى أعداد كبيرة من الشباب القبليين. كما سيخلّص انخفاض أسعار النفط شعوب الخليج من لعنة الثراء التي شلّتها لعقود.
تسبب الاستبداد والفساد بنشوء حركات المعارضة كلها، إلا أنه في تاريخ الكويت الذي يمتد على 264 عامًا لم تسعَ أي فصيلة أبدًا إلى الإطاحة بحُكم آل صباح. وحتى اليوم، يرغب حوالى عُشر الكويتيين فقط في الحصول على ديمقراطية حقيقية مع نظام ملكي دستوري يحافظ على مكانة الأسرة الحاكمة. ويُفضّل عُشرٌ آخر أن يعيش تحت الحكم الملكي المطلق، فيما تسعى الأغلبية المتبقية إلى درجات متنوعة من الإصلاح للنظام الحالي الذي سيحافظ نوعًا ما على الوضع الراهن. وممكن إرجاع أسباب ذلك إلى الثراء، والخوف من التغيير، وغياب النماذج الإيجابية عن الدول الديمقراطية في المنطقة.
إزاء هذه الخلفية، ما زال من الممكن أن تكون الأحزاب المستقبلية التي ستقود التغيير الاجتماعي السياسي ليبرالية وعلمانية، وليس إسلامية أو ملكية. فخسارة عائلة آل صباح للشعبية والدعم بين الكويتيين أمرٌ واقع، ويقلّص التخويف من "الإخوان" وتخلف السلفيين فرص الإسلاميين بقيادة المستقبل السياسي في البلاد على المدى الطويل. إلا أن الاستعداد على أرض الواقع يمنح "الإخوان" الفرصة الأكبر للاستفادة من التغيير الاجتماعي السياسي عند حدوثه. وعلى غرار أفريقيا الشمالية، ربما من المقدَّر للإسلاميين أن يكونوا البوابة التي تعبر منها الديمقراطية إلى الخليج. إذا بقيت الحركات السياسية المستقبلية "من دون تنظيم"، قد تعود إلى القيادة الإسلامية القبلية الأكثر تنظيمًا وألفةً التي تنافسها المجموعات اليسارية. ولا تحظى الأحزاب الليبرالية على غرار تلك المتواجدة بالغرب بفرصة حقيقية، إلّا إذا رعى الغرب المجموعات الأصغر ودعمها. الظروف سانحة لزرع بعض البذار الليبرالية السحرية في المنطقة.
مجبل التالى- معهد واشنطن-