السلطة » خلافات سياسية

البرلمان الكويتي.. سر قوة البلاد ونقطة ضعفها أيضا

في 2016/11/28

مثل غالبية دول الشرق الأوسط، كافحت الكويت لتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط. فبعد أن انهارت أسعار النفط عام 2014، لم تكن دول البترول الخليجية قادرة على تنفيذ الإصلاحات اللازمة لتعويض اقتصادها عن العائدات المفقودة.

ولكن على عكس غالبية دول الشرق الأوسط وخاصةً دول الخليج، تمتلك الكويت كيانًا تشريعيًا يستطيع التأثير على الإصلاحات، بطريقة أو بأخرى. فبرلمان الكويت هو واحد من أقوى المؤسسات في الدولة، وغالبًا ما يعوق الطبقة الحاكمة بدلًا من الموافقة الدائمة على اقتراحاتها. إذًا فليس من الغريب أن تقوم أسرة الصباح الحاكمة بحل البرلمان منتصف أكتوبر/ تشرين الأول بسبب ما أسمته «تحديات أمنية» في المنطقة. ويتجه مواطنو الكويت للتصويت والاقتراع اليوم 26 نوفمبر/ تشرين الثاني لانتخاب برلمان جديد، والذي سيكون في موقف فريد في أخذ الوقت لسن قوانين الإصلاح. ومن الممكن أن تكون عرقلة البرلمان للإصلاحات أمر جيد، لكن على المدى الطويل، سيعوق ذلك من إعادة هيكلة الاقتصاد الكويتي.

تحليل

يسبق تأثير البرلمان اكتشاف النفط. فعندما تم اكتشاف النفط في الكويت في ثلاثينات القرن الماضي، احتكرت أسرة الصباح السلطة لكنّها لم تحتكر القوة الاقتصادية. وسارعت أسر كبار التجار بطلب تمثيل أكبر في السلطة، وفور تأمين ذلك، لم يعد من السهل سلبه منهم مرة أخرى. لذا فالكويت لا تعدّ مملكة مطلقة، بعكس باقي ممالك الخليج، ولدى برلمانها بعض المراجعات الدستورية التي يمارسها على الأسرة الحاكمة. على سبيل المثال، يمكنه التصويت بسحب الثقة من رئيس الوزراء، ويمكنه طلب الاستجوابات والإحاطة من الوزراء، أو اقتراح وسن التشريعات من تلقاء نفسه. (وفي الحقيقة، هذا أحد أسباب حل البرلمان مؤخرًا). كما يلعب البرلمان دورًا في عملية الخلافة، حيث يتوجب موافقة البرلمان على ولي العهد، أو الاختيار من القائمة التي رشحها الأمير، إذا لم يوافق على ولي العهد المرشح من قبله.

وهذا ما يجعل التصويت القادم هامًا للغاية. ففي السنوات الأولى بعد تولي الشيخ «صباح الأحمد الجابر الصباح» الإمارة، كانت مشاكل البرلمان غالبًا بسبب التصارع الداخلي بين فروع أسرة الصباح. لكن الوضع لم يبقَ طويلًا، وأصبح الصراع مؤخرًا بين المعارضة السياسية وأسرة الصباح.

والسلطة التشريعية في الكويت متنوعة نسبيًا، تعبيرًا عن التسامح والسماح بتمثيل مجموعات الأقلية. ففي بعض الأحيان، تضمن البرلمان ممثلين عن الجماعات السلفية والإخوان المسلمين والأحزاب القبلية والمجموعات الليبرالية المعارضة لسيادة الأسرة الحاكمة.

وبعد تعديل قانون الانتخابات عام 2012، والذي هدف إلى إضعاف الموقف السياسي لجماعات المعارضة، فإنّ كتلة العمل الشعبي، وجماعة الإخوان المسلمين المعروفة باسم الحركة الدستورية الإسلامية، وعدد من الجماعات السلفية، قاطعت الانتخابات التالية عام 2013. ومع ذلك، تعهدت غالبيتها بدخول الانتخابات الحالية (وظلت فقط كتلة العمل الشعبي حاليًا على موقفها المعارض).  وعلى الرغم من أنّ المعارضة ستضر بالعملية الانتخابية إلى درجة ما، لكنّ ذلك لن يكون بنفس الدرجة عندما قاطعت الجماعات الإسلامية الانتخابات الماضية، ومن المتوقع حصدهم لمقاعد أكثر مما حصلوا عليه في آخر مشاركاتهم.

عبء كبير

عندما تنعقد الجلسة الأولى للمجلس التشريعي، سيكون على أعضائه عبء كبير. فالاقتصاد الكويتي يعاني مؤخرًا. وانخفضت قيمة الصادرات بشدة منذ عام 2013، حيث انخفضت من 108.6 مليار دولار إلى نحو 45 مليار دولار هذا العام. وبالتالي، تقلص الناتج المحلي الإجمالي الاسمي من 174 مليار دولار إلى حوالي 111 مليار دولار. وللمرة الأولى منذ عام 1999، عانت الكويت من عجز في الموازنة بلغ 15 مليار دولار في العام 2015-2016. وسيتضاعف هذا الرقم العام القادم.

وعلى الرغم من المخاطر، قيد البرلمان يد الحكومة عن تنفيذ عدة إجراءات إصلاحية بهدف الحد من عجز الموازنة. أحد هذه الاقتراحات كان توحيد نطاق الدفع لكل موظفي القطاع العام في نظام واحد للأجور العامة، وهو الاقتراح الذي أكدّت الطبقة الحاكمة أنّه سيوفر 10 مليارات دولار. لكنّ الإصلاح توقف بعد اقتراح بإضافة موظفي القطاع النفطي أيضًا لهذا النظام. ولكن هناك اقتراحات أخرى تم تنفيذها، بما في ذلك زيادة أسعار الطاقة بهدف تعويض الضرر المالي الناتج عن فاتورة الدعم المكلفة.

وشقت غالبية هذه النوعية من الاقتراحات طريقها نحو البرلمان، والذي اعتبر بشكل واسع مساحة توضح من هم المرشحين الممثلين القادرين على الجدال والتفاوض أمام الأفكار المطروحة من قبل الطبقة الحاكمة. وبالطبع في بعض المرات تسبب الصراع في حل البرلمان، ولكنّ ذلك لا يعدو عن كونه دليل قوة وليس ضعف الكيان التشريعي.

نموذج غير قابل للاستمرار

تأتي الانتخابات نفسها في الوقت الذي تعدّ فيه الطبقة الحاكمة أكثر من إصلاح اقتصادي. مثل ضريبة 5% على التحويلات المالية، وهناك أيضًا خصخصة جزئية لقطاعي الرعاية الصحية والتعليم، وإصلاح للدعم، و10% ضريبة على الشركات، بالإضافة إلى ضريبة القيمة المضافة، وستكون هذه الاقتراحات مثار خلاف كبير.

ومع رغبة الحكومة في الإسراع بتنفيذ هذه الإصلاحات، إلّا أنّ الكويت لديها رفاهية الوقت في التعامل مع الإصلاحات ودراستها وإقرارها تشريعيًا. فحتى وإن فقدت بشكل مستمر 30 مليار دولار من صندوق ثروتها السيادي سنويًا لمدة 10 سنوات، سيتبقى نصف قيمة الصندوق.

ولكن هذا لا يعني بالطبع أنّ البرلمان قادر على إيقاف كافة إجراءات الإصلاح. فإذا وقف البرلمان أمام أكثر الإصلاحات حرجًا وإلحاحًا من وجهة نظر الأمير، فسيقوم ببساطة بحل البرلمان مرة أخرى، بالطبع قبل انتهاء مدته البالغة 4 سنوات.

وهذا يوضح التحدي الأساسي في الكويت. فهي قد بنت نموذجًا اقتصاديًا يعتمد بالكامل على النفط والغاز في دعم القوة العاملة، ولكن مع برلمانها القوي، يكون لديها مرونة أقل من أي دولة خليجية في المنطقة للتخلي عن هذا النموذج. ومع توجه دول الخليج للتنويع الاقتصادي ونجاح دبي في أن تكون نموذجًا للاستثمار المالي والعقاري، لا تستطيع الكويت تتبع خطواتها.

علاوة على ذلك، فإنّ اعتماد نموذج اقتصادي مماثل، يتطلب إعادة هندسة النموذج الاجتماعي، وهو أمر لن تسمح به أسرة الصباح. وفي الإمارات، تم إعادة تشكيل هذا النموذج تحت توجيهات الأسر التي تسيطر على النظام السياسي أكثر من الكويتيين. ويمكن للأسر المنافسة للصباح أن تستغل المجلس التشريعي كشرك لعائلة الصباح، وتوجيه تحدٍ جديد ضد احتكار أسرة الصباح للسلطة.

لذا، ورغم أنّ الوقت في صالح الكويت، فإنّ مستقبل الإصلاحات على المدى الطويل يظل قاتمًا. وبغياب النموذج الإماراتي، سيقضي الصباح وباقي المجتمع الكويتي الـ 10 أعوام القادمة في محاولة معرفة بالضبط ما هو النموذج الذي يجب تبنيه.

ستراتفور- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-