السلطة » خلافات سياسية

كويت «آل الصباح»: جمود قبيل انفجار؟

في 2016/11/30

منذ استقلال الكويت، في سنة 1961، انتخب الكويتيون مجلس الأمة (برلمان البلاد) 15 مرّة؛ لكنّ أربعة مجالس، فقط، أتمّت دورتها لأربع سنوات؛ مقابل تسعة حلّها الأمير لأسباب مختلفة، آخرها في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. هذه حقيقة أولى سياسية، أو دستورية صرفة، إذا شاء المرء تخفيف وطأتها.

الحقيقة الثانية، الاجتماعية ـ السياسية هذه المرّة، هي أنّ عدد الناخبين يقلّ عن نصف مليون، والصوت القبائلي، وفق معطيات صحيفة «القبس» الكويتية، يشكّل نسبة 53،1٪ من مجموع الناخبين؛ تتوزع بين العوازم والمطير، وتسير على خطوط ولاء صارمة، معاييرها الأولى تبدأ من مصالح القبيلة، التي قد لا تتطابق دائماً مع المصلحة الوطنية العامة.

ويكمل هذا المشهد معطى مذهبي، لكنه سياسي أيضاً، وبامتياز في الواقع؛ يفيد بأنّ السنّة يشكلون 86٪ من الناخبين، مقابل 14٪ للشيعة. وثمة، إلى هذا، معطى سوسيولوجي، جندري لمَن يشاء، يشير إلى تدنّي نسبة المشاركة النسائية في الترشيح، وربما في الانتخاب؛ لأنّ هذه الدورة هي الأدنى من حيث أعداد المرشحات (15 امرأة، فقط)، منذ حيازة المرأة حقّ الانتخاب والترشيح، في سنة 2005.

والحال أنّ جوهر الأزمة ـ إذا اكتفى المرء بتوصيفها هكذا، فقط ـ لا يبدأ من خصام على غرار استجواب رئيس الوزراء، أو استمرار وجود ذلك الطراز من النوّاب دورة بعد أخرى، أو ترجمة المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقبائلية إلى محض مناوشات برلمانية…

وإنما يكمن، كذلك، في مفاعيل حال الازدواج التالية: أنّ الكويت تزعم اعتماد نظام ملكي دستوري، ديمقراطي في بعض الاعتبارات؛ لكنّ سلطات البلاد الفعلية تظلّ في قبضة آل الصباح، الذين يعتبرون إخضاع أحد الكبار بينهم إلى استجواب في البرلمان هو انتقاص من مكانتهم السامية.

ورغم قدرة الحكومة على تأمين أغلبية مريحة تكفي لإبطال أيّ مشروع قرار مناهض، فإنّ أمير البلاد يفضّل حلّ البرلمان على استجواب الحكومة أو قبول استقالتها؛ خاصة بعد قرار الأمير السابق، جابر الأحمد الصباح، بالفصل بين صفة ولي العهد ووظيفة رئيس الوزراء، وبالتالي لم تعد مهاجمة الأخير بمثابة مسّ مباشر بسلالة آل الصباح وإنما بالوظيفة البيروقراطية ذاتها.

وهذا يعطي مصداقية للرأي القائل بأنّ الخلافات داخل العائلة الحاكمة، حول تقاسم النفوذ عموماً واستغلال موقع رئيس الحكومة خصوصاً، ليست بعيدة عن تغذية الصراعات داخل البرلمان وتحريك بعض النوّاب من خلف الكواليس.

ولعلّه من غير الصحيح، أيضاً، الجزم بأنّ مآزق البرلمان الكويتي ناجمة في معظمها عن رغبة «الإسلاميين» في مضايقة الحكومة؛ مقابل حرص النوّاب الشيعة على نقل معارك «الصفّ الشيعي الإقليمي»، إذا جاز القول، من ميادينها الخارجية، في العراق وسوريا ولبنان واليمن، لكي تُدار تحت قبّة المجلس. ذلك لأنه بات جلياً أنّ معظم التيارات غير المقرّبة من آل الصباح ليست سعيدة باحتكار أمير البلاد، وبطانته للقسط الأعظم من آليات اتخاذ القرارات الكبرى، خاصة في طرائق استخدام عوائد النفط.

ويُشار عادة، في التقديرات الغربية بخاصة، إلى أنّ نظام الكويت السياسي هو أحد أنجح نماذج التطبيقات الديمقراطية في المنطقة؛ بالنظر إلى توفّر برلمان منتخَب، أياً كانت الاعتراضات على طبيعة الولاءات الطائفية أو المذهبية أو القبائلية خلف صندوق الاقتراع؛ وصحافة حرّة نسبياً، ومثلها حقوق التعبير، مع قيود وتحديدات تخصّ المسّ بالأسرة الحاكمة؛ ودستور مكتوب، يُعتبر متقدماً بالقياس إلى دساتير عربية أخرى.

بيد أنّ الحياة السياسية ذاتها، ضمن منظورات عمل الأحزاب والنقابات وحقوق المواطنة وسواها، تُعدّ فقيرة، فضلاً عن بقائها خاضعة لقبضة آل الصباح في كثير من الاعتبارات، على نحو صريح أو مبطن.

ذلك، كله، لا يجعل «النموذج الكويتي» سائراً إلى مزيد من التأزّم، فحسب؛ بل إلى مزيج من الجمود التدريجي، المرشح لانهيار أو انفجار.

صبحي حديدي- القدس العربي-