هذه الانتخابات الأولى في الكويت منذ انخفاض أسعار النفط، ومعها مداخيل الدولة التي وجدت نفسها مضطرة لمراجعة سياسات الإنفاق على دعم السلع الأساسية ومنها الوقود، فضلاً عن الخدمات ومنها الكهرباء والماء.
وهي الانتخابات الأولى أيضاً بعد تعقيدات إضافية طرأت على الإقليم تتفاعل معها مجتمعات الخليج كافة ومنها المجتمع الكويتي، الذي حافظ على هدوئه وتماسكه إزاء التهديدات الإرهابية، وعلى تعايش فئاته رغم التوترات الخارجية القريب منها والبعيد. وفي مثل هذه الظروف يتأكد للكويتيين، دولةً وشعباً، أن تجربتهم استطاعت على مدى عقود أن تتجاوز مختلف المطبّات سواء بلغت حدّ احتلال بلادهم أو حاولت تصدير الانقسامات الطائفية إليهم.
كانت هذه التحديات المتمثلة بالضغوط الاقتصادية والاضطرابات الإقليمية وراء القرار الأخير بحل مجلس الأمة السابق والدعوة إلى اقتراع جديد. أما الهدف فهو تجديد التشاور مع الشعب، «صاحب السلطة»، عشية مرحلة داخلية وإقليمية تتسم بالغموض وتستوجب استعادة أجواء التوافق إثر مرحلة خلافات ظهرت في الشارع عام 2011 ثم انعكست على مجلس الأمة الذي حُلّ مرتين خلال عام 2012 إلى أن اعتُمد قانون «الصوت الواحد» وأجريت انتخابات 2013 على أساسه وسط مقاطعة العديد من التجمعات السياسية.
ومرّت الأعوام الثلاثة الماضية بتعاون سلس بين المجلس والحكومة، ما مكّنهما من استئناف عملهما من دون أزمات، ولكن طرح «وثيقة الإصلاح الاقتصادي» وما تفترضه من إجراءات حُدّدت بالتشاور مع البنك الدولي راح يبدّل الأجواء منذ يونيو الماضي، ولعل رفع الدعم عن البنزين شكَّل العلامة الفارقة في العلاقة بين الجانبين، إذ استعد العديد من النواب لاستجواب وزير المال وسواه، ولكنهم لم يتمكّنوا من مباشرة هذه الخطوة بسبب الحلّ المفاجئ للمجلس.
صحيح أن الحملات الانتخابية السابقة حفلت بالمطالب التي تهدف عملياً إلى رفع درجة الرفاه في البلد، إلا أن الحملة الأخيرة كانت الأولى من نوعها بالنسبة إلى الناخبين الذين يستشعرون انتقالاً من دولة الرفاه إلى دولة الاقتصاد المفتوح الذي يدعو المواطنين إلى تحمّل أعباء كانوا متخفّفين منها طوال العقود الماضية، وبالتالي فإنهم يريدون إيصال نواب يدافعون عن «جيب المواطن».
الصحيح أيضاً أنه لم يكن واقعياً أن يرى الكويتيون المتغيّرات الاقتصادية نفسها في محيطهم الخليجي وأن يعتقدوا أنهم سيبقون بمنأىً عنها، وفي حالات كهذه لا يمكن لأي مجلس أن يُوقف إجراءات الترشيد والتقشّف لمجرّد أنه التزم ذلك علناً، فالضرورة الماثلة تملي الإصلاح الاقتصادي، وهو لا يعتبر هنا مصلحة للدولة وحدها بل للجميع.
لكن هناك مرشّحين أشاروا مثلاً إلى المساعدات والقروض التي تقدمها الكويت في إطار صندوق التنمية العربية، مطالبين بتقليصها بدلاً من التضييق على المواطن. غير أن هذه المساهمات تشكّل جزءاً من علاقات الكويت وصداقاتها ودبلوماسيتها المميّزة، وليست لديها مصلحة في قطعها إلا إذا اضطرّت إلى ذلك.
ينطلق الحكم في الكويت من رؤية مفادها أن التحدّيات سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو أمنية تتطلّب أولاً وأخيراً «وحدة الصف»، وأن نقطة الارتكاز هي الثوابت من «تعزيز الوحدة الوطنية» في ضوء الدستور إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار وكذلك التمسك بالعمق الخليجي كـ«صمّام أمان» ليس فقط للكويت بل لعموم الخليج والمنطقة العربية، وفقاً لتعبير وزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود الصباح، الذي يلاحظ أن العملية السياسية لم تكن سهلة دائماً، ولكنها كانت دائمة الحراك والنشاط.
وهو يضيف أن ثمة حاجة إلى مقاربة مختلفة وديناميكية للاقتصاد، لتكون مشتركة أولاً وثمرة توافق بين الحكومة ومجلس الأمة، ومهتمّة ثانياً بالشباب خصوصاً أن موقع الكويت في المؤشر العالمي للاهتمام بالشباب ارتقى من المرتبة 110 إلى الـ56، ومعنيّة ثالثاً بمشاريع تنموية كالصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة الذي يجب العمل على إنجاحه والأخذ بأهدافه المسقبلية.
واقعياً، لم تغب هذه الرؤية عما طرحه العديد من المرشحين، وإنْ كان معظمهم مال إلى ما يرغب الجمهور في سماعه ضد كل الإجراءات التي تعتزمها الحكومة، متأثّرين أيضاً بالنقاشات الحامية على «تويتر» الذي لعب دوراً نشطاً في الحملة الانتخابية.
لكن ما تكرر في خطابهم عن ضرورة ترشيد الإنفاق العام ومكافحة الفساد يستجيب في جانب كبير منه لانتقادات شعبية مزمنة وأصبح من واجب الحكومة أن توضّح فيها موقفها بوضوح وشفافية، فهذا جزء لا يتجزّأ من الإصلاح الاقتصادي الذي يتطلّع إلى مشاركة حيوية من القطاع الخاص وفئات المجتمع كافة.
عبد الوهاب بدرخان- الاتحاد الاماراتية-