قدمنا في مقال الأسبوع الماضي قراءة للمشهد السياسي في الكويت عشية انتخابات مجلس الأمة التي جرت في 26 نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، وذلك بعد استخدام أمير دولة الكويت حقه الدستوري في حل مجلس الأمة الذي انتخب عام 2013، وقبل 9 أشهر من إكمال مدته الدستورية، بسبب «الظروف الإقليمية الدقيقة والتحديات الأمنية وانعكاسات أخطارها ومحاذيرها على الكويت»، ما يتسبب في حالة من الاستقطاب والإحباط تعم المشهد السياسي الكويتي الذي يتطلع عادة مع كل انتخابات مجلس أمة جديد وتشكيل حكومة جديدة إلى أن يمثل ذلك بداية الخلاص من حالة الإحباط المستمرة.
وقد حلت مجالس الأمة عشر مرات خلال الأربعين عاما الماضية، ولم يكمل أي مجلس من المجالس السبعة السابقة مدته. كما ذهب الكويتيون لصناديق الاقتراع 4 مرات في أقل من 5 أعوام لانتخاب مجالس أمة بما فيها المجلس الجديد. ويدلل ذلك على الاحتقان السياسي الذي يقترب من انسداد الأفق بسبب الخلافات المستشرية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ولعل أكثر ما ميز الانتخابات الأخيرة هو مشاركة جميع القوى السياسية للمرة الأولى منذ عام 2012، وخاصة القوى التي قاطعت الانتخابات السابقة بسبب مرسوم الصوت الواحد. وهو ما يمثل إقرارا واضحا بشرعية وقبول قانون الصوت الواحد، ويمتحن النظام الذي أدى لإضعاف التحالفات السياسية.
كما جرت الانتخابات أيضا في ظل حالة من عدم الاستقرار والصراعات والحروب التي قدمت كمبرر لحل مجلس الأمة السابق في مرسوم الحل. وكذلك في ظل تراجع أسعار النفط، وعجز يقترب من 15 مليار دينار كويتي في الميزانية.
وكانت المشاركة كبيرة وتجاوزت النسب السابقة منذ منح المرأة حقوقها السياسية ترشيحا واقتراعا، فمن مجمل نحو نصف مليون ناخب ارتفعت نسبة المشاركة إلى نحو 68% بعدما كانت تراوح في مستويات منخفضة بسبب مشاركة المرأة المتدنية ومقاطعة كتل وتنظيمات سياسية للانتخابين السابقين بسبب مرسوم الصوت الواحد الذي قلص خيارات الناخب الكويتي في الدوائر الانتخابية الخمس من أربعة مرشحين إلى مرشح واحد من أصل عشرة نواب تفرزها كل دائرة انتخابية، ما يعني أن الناخب الكويتي يختار عشر عدد النواب في دائرته.
وارتفع أيضا عدد المرشحين إلى 293 بعد شطب وانسحاب أكثر من 150 مرشحا بينهم 15 امرأة، وقد فازت نائبة واحدة هي النائبة صفاء الهاشم التي استقالت من المجلس السابق وأعيد انتخابها مجددا.
وكان ملفتا في الحملة الانتخابية القصيرة التي لم تتجاوز الشهر، عدم نيل قضايا التهديدات الأمنية والوضع الإقليمي إلا تغطية عابرة ومتفرقة. ومن أبرز القضايا التي هيمنت على نقاشات المرشحين في ندواتهم بمقارهم الانتخابية وثيقة الإصلاح الاقتصادي، وعجز الميزانية، وخاصة مع تراجع دخل الكويت من تصدير النفط إلى 40.3 مليارات دولار في السنة المالية 2016/2015.
وتوقع تراجع العائد من النفط إلى 33.7 مليارات دولار في السنة المالية 2017/2016، وارتفاع العجز في ميزانية الدولة المتوقع أن يصل 29 مليار دولار هذا العام، والمطلوب زيادة الدخل وتخفيض الإنفاق. كما ستعتمد دول مجلس التعاون الخليجي بحلول عام 2018 ضريبة القيمة المضافة على المبيعات.
كما كان ملفتا أيضا حجم التغيير الذي أفرزته انتخابات مجلس الأمة الأخيرة، فمن 50 نائبا من المجلس السابق لم يعد منهم سوى 20 نائبا فقط، بتغيير بلغ 60% ما يعد من أعلى نسب التغيير في تاريخ مجالس الأمة في الكويت، حيث قرر 8 نواب من المجلس السابق عدم الترشيح أو خسروا تشاوريات قبائلهم وهو ما يمثل 16%، وخسر 22 نائبا الانتخابات بما يعادل 44%.
وكانت ملفتة أيضا الخسارة المدوية للوزراء النواب، فمن أصل ثلاثة وزراء، نواب منتخبين، خسر اثنان منهم بنسب محرجة وتراجع ترتيبهما في دائرتهما الانتخابية بشكل لافت.
وفي ذلك دلالة على حجم الغضب الشعبي من أداء مجلس الأمة السابق الذي وصف بأنه لم يستجب لمطالب الشعب، وتحالف مع الحكومة وخاصة في تشريع قوانين متصلة بالحقوق المدنية، والبصمة الوراثية، وتشريعات أخرى إجرائية واقتصادية، ورفع الدعم عن خدمات ينظر إليها الكويتيون منذ عقود ضمن الحقوق المكتسبة، بما فيها دعم استهلاك الماء والكهرباء والبنزين الذي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وتمثل ذلك في عقاب وسقوط النواب الذين دعموا وبرروا رفع الدعم وزيادة أسعار المحروقات.
وكانت وزارة المالية عرضت خطة في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2016 بخفض نسبة الدعم لمختلف القطاعات والخدمات التي بلغت 26% من ميزانية عام 2015/2014، والدعم المقدم للماء والكهرباء يعادل نصف ميزانية الدعم السنوية. ومع مطلع سبتمبر/أيلول 2016 رفع الدعم عن أسعار البنزين، بما يتراوح بين 40% إلى 80%.
والراهن أن نتائج الانتخابات شكلت انتصارا للتغيير وللشباب 14%، وشهدت عودة نواب السلفيين المستقلين والحركة الدستورية، مقابل خسارة نواب وممثلي التنظيم السلفي.
وكذلك خسارة الكتلة الشيعية لثلث مقاعدها بواقع 6 بدلا من 9، كما تراجع أيضا عدد نواب القبائل الكبيرة، حيث تراجع عدد نواب هذه القبائل كالعوازم والمطير والعجمان من 15 نائبا إلى 7 نواب.
وبانتظار تشكيل الحكومة الجديدة، بعد تكليف الأمير للشيخ جابر المبارك بتشكيل حكومته السادسة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وقراءة التشكيل الحكومي ومدى الاستجابة لرسالة التغيير وحجم الإصلاحات، نستطيع أن نتلمس إلى أين تذهب الكويت بعد نتائج الانتخابات، ومدى الاستجابة للمطالبة بالتهدئة والتعاون بين السلطتين وهو ما يتطلع إليه الكويتيون.
على أمل أن تعود الكويت لسابق عهدها من الديناميكية والنشاط والإنتاج والريادة، وخاصة بعد أن أتت رسالة التغيير في انتخابات مجلس الأمة معبرة وقوية للغاية.
د. عبد الله خليفة الشايجي- الاتحاد الاماراتية-