السلطة » خلافات سياسية

السيسي يخوض معركته الثالثة حول «تيران وصنافير».. والسعودية: لا تعليق

في 2017/01/16

السيسي يخسر معركة تيران وصنافير قضائيًا بحكم نهائي

قررت المحكمة الإدارية العليا المصرية، رفض طعن هيئة قضايا الدولة (محامي الحكومة) حول تنازل الحكومة المصرية عن جزيرتي تيران وصنافير. وتعد أحكام الإدارية العليا في مصر نهائية باتة، لا طعن فيها؛ ليكون القرار الحالي وفقًا لحكم المحكمة باستمرار السيادة المصرية على الجزرتين، وبطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية.

وحاصرت قوات الأمن مبنى مجلس الدولة -مقر انعقاد المحكمة-. وفور النطق بالحكم تجمع المئات من المواطنين أمام المجلس لتأييد الحكم.

وتُعد تلك المعركة الرابعة التي يخسرها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، منذ إعلان توقيع اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية. وتتمثل المعارك الثلاث السابقة، فيما خاضه السيسي منذ أبريل (نيسان) 2016، لإثبات صحة قراره حول «حق السعودية في جزيرتي تيران وصنافير». وتعد تلك المعارك الأكثر تشابكًا وتداخلًا خلال الفترة التي تولى فيها السيسي رئاسة الجمهورية بشكل رسمي، منذ يوليو (حزيران) 2014.

ثلاث معارك منذ أبريل (نيسان) الماضي، خاضها الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي»؛ لإثبات صحة قراره حول حق المملكة العربية السعودية في جزيرتي تيران وصنافير. وتعد تلك المعارك الأكثر تشابكًا وتداخلًا خلال الفترة التي تولى فيها السيسي رئاسة الجمهورية بشكل رسمي، منذ يوليو (حزيران) 2014.

أولى تلك المعارك حول تيران وصنافير كانت مع بداية إعلان التوقيع على الاتفاقية بين الجانب المصري والجانب السعودي، خلال زيارة العاهل السعودي، الملك «سلمان بن عبد العزيز آل سعود» للقاهرة في أبريل (نيسان) 2016.

وشهد إعلان توقيع اتفاقية »إعادة ترسيم الحدود البحرية«، هجومًا شعبيًا كبيرًا، تبعه خروج تظاهرات رافضة لما وصفه المتظاهرون بـ«بيع تيران وصنافير»، غير أن السيسي استطاع السيطرة على الهجوم الإعلامي في بدايته، ومع انتقال الرفض إلى الشارع في تظاهرات ـ وُصفت بالأضخم في مصر بعد فترة صمت شعبي أعقبت القوانين والإجراءات التي قررها النظام للحد من التظاهرات والاحتجاجات ـ اعتقلت قوات الأمن مئات من المتظاهرين الذين أعلنوا رفضهم لـ«بيع تيران وصنافير».

واقتحمت القوات الأمنية نقابة الصحافيين المصرية، وأحيل «يحيي قلاش» نقيب الصحافيين، و«جمال عبد الرحيم»، سكرتير عام النقابة، و«خالد البلشي» مقرر لجنة الحريات، للمحاكمة؛ بتهمة «إيواء مجرمين مطلوبين للعدالة»، وحكم عليهم بالسجن عامين.

بعد ذلك هدأت الأوضاع قليلًا، فيما يشبه الحل الوسط المتفق عليه ضمنيًا من جميع الأطراف، بعد أن صدر في البداية حكم برفض الاتفاقية من محكمة القضاء الإداري، وكان الجميع ينتظر في منتصف يناير (كانون الثاني) القادم موعد صدور حكم المحكمة الإدارية العليا النهائي فيما يخص القضية، غير أن الحكومة المصرية، برئاسة «شريف إسماعيل»، اتخذت قرارًا مفاجئًا ـ خلال الساعات الماضية ـ بالتوقيع على الاتفاقية وإحالتها للبرلمان المصري؛ للبت فيها؛ لتعود من جديد تيران وصنافير مثارًا للجدل في الشارع المصري.

المعركة الأخيرة: مجلس الدولة

قبل أقل من 20 يومًا من الحكم المنتظر للمحكمة الإدارية العليا في مصر ـ والتي تمثل السلطة الأعلى للبت في القضايا الإدارية والنزاعات الدولية في مصر ـ حول قانونية توقيع الجانب المصري اتفاقية مع الجانب السعودي، لإعادة ترسيم الحدود البحرية، تُعطى بموجبها جزيرتي تيران وصنافير للسعودية؛ قررت الحكومة المصرية الموافقة على الاتفاقية، وعرضها على البرلمان المصري. ووفقًا لبيان من مجلس الوزراء المصري فإن إحالة الاتفاقية سيكون بموجب الدستور المصري »المادة 151 من الدستور«.

ويعد قرار حكومة إسماعيل مفاجئًا؛ لأسباب، من بينها توتر العلاقات بين مصر والسعودية، فضلًا عن أن عمر الاتفاقية يصل إلى ثمانية أشهر تقريبًا، ومنذ حينها لم تعرض على البرلمان.

واعتبر البعض أن القرار بمثابة معركة بدأها النظام الحاكم مع مجلس الدولة الذي يعد أكثر الجهات القضائية المصرية، احتفاظًا لاستقلاليته، بتاريخه في الحكم على قضايا، بما يخالف رأي الدولة.

وكان يُتوقع أن يكون حكم مجلس الدولة بالرفض، خاصة بعد تقرير هيئة مفوضي الدولة في المحكمة الإدارية العليا، الذي أوصي في بداية ديسمبر (كانون الأول) الجاري، برفض الطعن المقدم من الحكومة ضد حكم محكمة القضاء الإداري برفض الاتفاقية، كما أوصى بتأييد الحكم الصادر من القضاء الإداري ببطلان الاتفاقية وما يترتب عليها. وبالرغم من أن تقرير هيئة مفوضي الدولة ليس ملزمًا للمحكمة، إلا أنه عادةً ما تأخذ به.

وأشار المحامي الحقوقي، والمرشح الرئاسي السابق، «خالد علي»، إلى الصراع بين النظام ومجلس الدولة، والضغط على الأخير من قبل النظام في تلك القضية، وذلك في تدوينة على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك».

ولفت علي إلى ما اعتبرها محاولات من النظام للتأثير على استقلال مجلس الدولة، عبر محاولة تغيير قانون العمل الخاص به. كما لفت إلى أنه ربما تستغل قضية موظف مجلس الدولة المرتشي الشهيرة التي تفجرت الأيام الماضية، للنيل من مجلس الدولة.

وقضت محكمة القضاء الإداري، في 21 يونيو (حزيران) 2016، ببطلان الاتفاق، واستمرار السيادة المصرية على جزيرتي تيران وصنافير، قبل أن تطعن هيئة قضايا الدولة، التي تمثل الدولة في النزاعات، على الحكم، مطالبة بإلغائه، بالوكالة عن كل من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس النواب، ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية.

قانونية القرار

»المعركة لن تكون سهلة، ونحن أمام خصم غير شريف«، هكذا اختار المحامي الحقوقي «مالك عادلي»، أن يصف المعركة بين رافضي الاتفاقية والنظام المصري، وقال عادلي في تصريحات لـ«ساسة بوست»: إن «مجرد مناقشة الاتفاقية بهذا الشكل في مثل هذا التوقيت، يعد جريمة، وكل خطواتنا التي سنتخذها ستعلن في حينها؛ لأننا أمام خصم غير شريف؛ يمكن أن يفعل أي شيء لوقف معارضيه«.

وعادلي ليس مجرد محام رافض للاتفاقية ودافع بعدم قانويتها، ولكنه أيضًا قضى في السجن نحو ثلاثة أشهر، بتهمة التحريض على التظاهر ضد الاتفاقية.

ويرى عادلي أن ما قام به النظام، هو «انتصارات حققها رافضي الاتفاقية، بشكل سياسي وقانوني»، مُشيرًا إلى أن النظام المصري يضع نفسه تحت طائلة القانون، والمادة رقم 123 من العقوبات، التي تعاقب بالعزل والسجن كل موظف عام امتنع عن تنفيذ حكم قضائي.

ولفهم أكثر للجانب القانوني، تواصل «ساسة بوست» مع «محمود كبيش»، عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة سابقًا، والذي قال: إن قرار مجلس الوزراء بتحويل الاتفاقية لمجلس النواب، «يعد هو والعدم سواء، فهو قرار غير دستوري، والقانون المصري يلزم الجهات المختلفة بتطبيق أحكام محكمة القضاء الإداري بمجرد إصدارها وقبل نظر المحكمة الإدارية العليا في الأحكام»، لذا فإن كبيش يؤكد على أن الاتفاقية أصبحت بموجب القانون «غير موجودة من الأساس».

ولا يتذكر عميد كلية الحقوق السابق أية واقعة سابقة، وافقت فيها الحكومة على اتفاقية، وأحالتها للبرلمان، وهي منظورة أمام القضاء، أو بعد حكم القضاء عليها، مُعتبرًا أن ما أقدمت عليه الحكومة المصرية الحالية «سابقةً تاريخية في إهدار القانون وأحكام القضاء»، مُحذرًا من تجاوز البرلمان للدستور والقانون حال ناقش الاتفاقية، مُؤكدًا أن تلك ستكون سابقة في تاريخ البرلمان المصري.

ورفض كبيش توقع الوضع القانوني، حال ناقش البرلمان الاتفاقية ووافق عليها، موضحًا «مناقشة البرلمان خارج سياق القانون، ولا ينطبق عليها أية قواعد أو دستور أو توقعات».

من جانبه، اعتبر «عصام الإسلامبولي»، المحامي والخبير الدستوري، أن إحالة الاتفاقية للبرلمان، بمثابة التجاوز للدستور، والتعدي على أحكام القضاء، واصفًا ذلك بمحاولة التمرير لها، بالرغم من عدم قانونية ذلك.

وأفصح الإسلامبولي عن أنه يفكر في تقديم دعوى أمام القضاء الإداري ضد ما أقدمت عليه الحكومة المصرية، مُنتقدًا موافقة مجلس الوزراء على الاتفاقية بقوله «لا أعرف أين هي تلك الصلاحيات في الدستور المصري، التي تعطي لرئيس الوزراء حق التوقيع على الاتفاقية وإحالتها للبرلمان!»

على جانب آخر، اعتبر المستشار «رفيق عمر شريف»، المسؤول عن ملف تيران وصنافير في هيئة قضايا الدولة التي تمثل طرف الحكومة، أن قرار الحكومة بإحالة الاتفاقية جاء تطبيقًا للمادة 151 من الدستور، والتي تولي الاختصاص للبرلمان في الموافقة على الاتفاقية أولًا قبل رفعها لرئيس الجمهورية؛ للتصديق عليها، على حد قوله.

وأضاف شريف في تصريحات صحافية، أن «حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن المقدم إليها، لن يغير في الأمر شيئًا، حيث إن البرلمان سيتولى نظر الاتفاقية طبقًا للدستور، وهو ما يرفع يد القضاء عنها».

لكن الفقيه القانون، «نور فرحات»، قال عبر صفحته الشخصية على «فيسبوك»، إن «مجلس الوزراء ليس من حقه التوقيع على الاتفاقيات وفقًا للدستور المصري الحالي، والتوقيع حق للرئيس فقط».

السعودية: لا تعليق حتى الآن

حاول «ساسة بوست» الوصول إلى تعليق من الجانب السعودي، عبر كتاب ومثقفين مقربين من النظام الحاكم، إلا أن البعض رفض، طالبًا عدم ذكر اسمه، فيما لم يرد البعض الآخر، وذلك بالتوازي مع صمت عام من الجانب السعودي الرسمي، أو حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على قرار الحكومة المصرية بتحويل اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين إلى مجلس النواب.

من جهة أُخرى، رأى البعض أن قرار الحكومة المصرية، أتى نتيجة للضغوط السعودية على مصر، بعد فتور في العلاقات بين الطرفين، على خلفية اختلاف المواقف بينهما فيما يخص الحرب السورية، واستمرار التقارب السعودي التركي، ثم توقيف توريد مواد بترولية إلى مصر من قبل شركة أرامكو السعودية، وما تبعه ذلك من هجوم إعلامي مصر حاد على السعودية، إلى حد وصفها بـ«راعية الإرهاب».

ويرى آخرون أن قرار الحكومة المصرية، جاء نتيجة سريعة لزيارة سرية لوفد سعودي رفيع المستوى ضم أربعة أشخاص، برئاسة المستشار بالديوان الملكي السعودي، «تركي بن عبد المحسن آل الشيخ»، إلى مصر، في 25 ديسمبر (كانون الأول) 2016، وهي الزيارة التي كشف عنها عطل فني للطائرة التي أقلت الوفد؛ ما دفعها إلى العودة مرة أُخرى إلى مطار القاهرة، وفقًا لوكالة أنباء الأناضول.

ماذا حدث في المعركة الأولى؟

تقع جزيرتا تيران وصنافير عند مدخل خليج العقبة، بين الجهتين المصرية والسعودية، وهما في الأساس جزيرتان غير مأهولتين، وتصنعان معًا ثلاثة ممرات من وإلى خليج العقبة، الأول منها بين ساحل سيناء وجزيرة تيران، وهو الأصلح للملاحة بعمق 290 مترًا، ويُسمى ممر «إنتربرايز«، وتخلو الجزيرتان من أي مظاهر للحياة، عدا وجود مُعسكر لقوات المراقبة الدولية، وبعض من أفراد الشرطة المصرية، ولا توجد عليها أية قوات مُسلحة، كما تنص معاهدة «كامب ديفيد».

وفي أبريل (نيسان) وقع العاهل السعودي والرئيس المصري اتفاقية لإعادة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين؛ تصبح الجزيرتان بموجبها سعوديتين.

واندلعت عاصفة من الاحتجاجات على الاتفاقية، انقسمت إلى احتجاجات إعلامية استطاع النظام المصري السيطرة عليها سريعًا، واُخرى في الشارع عبر تظاهرات وُصفت بأنها الأضخم منذ فترة.

وخلال اجتماع بعدد من ممثلي البرلمان والنقابات والمجتمع المدني، في 13 أبريل (نيسان) 2016، قال السيسي: «لا يمكن أن أتنازل عن أرض مصر أو ذرة من ترابها»، مُستدركًا «المصريون لا يطمعون في أراضي الآخرين»، مُضيفًا «مصر لم تفرط في حقها، ولن تفرط في ذرة رمل، لكنها أعادت للسعودية ما تمتلكه، ولم نخرج عن القرار الجمهوري الصادر في عام 1990 أي منذ 26 عامًا، والذي تم إيداعه في الأمم المتحدة، فكافة الوثائق في وزارتي الخارجية والدفاع، إضافة إلى المخابرات العامة تؤكد أن الجزيرتين تتبعان السعودية»، مُؤكدًا أنه لم يوقع الاتفاقية «إلا بعد الاستفسار التام والكامل، ومشاورة كل أجهزة الدولة ولجانها المتخصصة».

وفي محاولة من السيسي لاستمالة المواطنين وتحييد الإعلام، قال «يعني مفيش في وزارة الخارجية ولا راجل واحد وطني؟ كلهم ناس مش كويسين عايزين يبيعوا بلدهم؟ مفيش في المخابرات العامة وطني؟ كلهم مستعدين يبيعوا بلدهم؟ طيب مفيش في الجيش حد وطني، وكلهم مستعدين يبيعوا بلدهم؟ ده انتم حاجة صعبة أوي، لما تشككوا في ناسكم بالطريقة دي، فاضل إيه تاني في بلدنا؟»

هل تتظاهر المعارضة من جديد؟

وبالرغم من محاولات النظام امتصاص الغضب الشعبي، وتحييد الإعلام، كان هناك على الطرف الآخر رافضون للاتفاقية، تظاهروا عقب الإعلان عنها، تحت شعار «عواد باع أرضه». ثم جددت مجموعات معارضة للاتفاقية، دعوات التظاهر بشكل عشوائي خلال احتفالات ذكرى تحرير كامل أراضي سيناء في 25 أبريل (نيسان) تحت شعار «يوم الأرض».

ووفقا لـ«جبهة الدفاع عن متظاهري مصر» فان حالات القبض خلال الفترة من 15 إلى 27 أبريل (نيسان) 2016،  بلغ نحو 1277 حالة في 22 محافظة مختلفة، عبر 91 دائرة قسم شرطة.

وامتد أثر تلك الأزمة إلى اقتحام قوات الأمن لنقابة الصحافيين المصرية للمرة الأولى في تاريخها، للقبض على الصحافيين «عمرو بدر» و«محمود السقا»، تطبيقًا لقرار النائب العام بضبطهم على خلفية اتهامات «بنشر إشاعات حول مصرية تيران وصنافير». وتسبب الاقتحام في مزيد من التظاهرات والاحتجاجات، كما طالبت النقابة بعزل وزير الداخلية، ولكن الدولة تدخلت ودفعت ببعض الصحافيين التابعين لها لإحداث انقسام.

وبعد أشهر من ذلك، حُوكم نقيب الصحافيين يحيى قلاش، وأعضاء مجلس النقابة جمال عبد الرحيم وخالد البلشي؛ وذلك بتهمة «التستر على الصحافيين بدر والسقا»، وحُكم على قلاش ورفيقيه بالسجن لمدة عامين في الدرجة الأولى للتقاضي.

وبعد قرار الحكومة الموافقة على الاتفاقية، وإحالتها للبرلمان المصري، توقع مراقبون أن تشهد البلاد حالة من الغليان، قد تدفع بخروج تظاهرات ضخمة، حال سُلّمت الجزيرتان إلى الجانب السعودي، مع ذلك يرى البعض أن السيسي سيستمر في الاتفاقية، خاصة مع تردي الوضع الاقتصادي، ومع ما يُشاع من أن الاتفاقية ينطوي عليها دفع السعودية بمساعدات مالية.

حسام الهندي- ساسة بوست-