السلطة » خلافات سياسية

دول الخليج بين حتمية الإصلاح الاقتصادي ومخاوف التمدد الإيراني

في 2017/01/25

تحاول الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي مواكبة الزمن. وقد أصبحت بعض هذه الدول التي تعتمد على الطاقة، بسبب انخفاض عائدات النفط، على شفا أزمة اقتصادية. وانخفضت عائدات السعودية بأكثر من النصف خلال الثلاثة أعوامٍ الأخيرة، من 302 مليار دولار عام 2013 إلى 147 مليار دولار فقط في 2016، وتآكلت احتياطياتها من النقد الأجنبي بقيمة 200 مليار دولار منذ منتصف عام 2014. وحتّى الكويت، التي قد تكون الدولة الأكثر استقرارًا ماليًا في المجلس، ستشهد عجزًا في الموازنة هذا العام المالي، وهو الأول لها خلال العقد الأخير. وفي الوقت نفسه، تتعرض كل دول الكتلة إلى ضغوط ديموغرافية متزايدة وتحولات أجيال القيادة.

وللتعامل مع ظروفها المكتشفة حديثًا وتجاوز آثار الفترة الطويلة من انخفاض عائدات النفط والتي من المرجّح أن تستمر، تسعى دول المجلس للعمل على مبادرات غير مسبوقة للإصلاح الهيكلي. وتهدف الإجراءات، التي تشمل التحرك باتّجاه خفض دعم الوقود والخصخصة وتنويع الاقتصاد، إلى التخفيف من حدّة المشاكل الاقتصادية في هذه البلاد، على المدى القصير على الأقل. ومع ذلك، فعلى المدى الطويل، تسعى تلك الدول إلى عقد اجتماعي جديد بين الحكومات وشعوبها للحفاظ على الإصلاحات. وعلى سبيل المثال، فإنّ جهود السعودة ودمج النساء في سوق العمل في السعودية، سيغيّر الهيكلين الاجتماعي والسياسي للمملكة، وإن كان ببطء. لكنّ التغيير لن يكون سهلًا، وسيواجه قادة دول المجلس عددًا من التعقيدات بطول الطريق.

وبالنسبة للدول ذات العدد الكبير من السكّان الشيعة، مثل البحرين والكويت والسعودية، فقد تكون الإصلاحات سببًا في تفاقم التوتّرات بين السنّة والشيعة في هذه البلاد، الأمر الذي يعطي لإيران الفرصة لكسب نفوذ جديد في المنطقة.

جهود تاريخية

لم تكن الحملات الإصلاحية الحالية، وإن كانت على نطاق واسع غير معتاد، هي المحاولات الأولى التي تقوم بها دول مجلس التعاون الخليجي. وحتّى الآن، مع ذلك، لم يظهر قادة الخليج استعجالهم حصول التغيير الاقتصادي المنشود. بعد أن انهارت أسعار النفط في بداية الثمانينات، اعتمدت المملكة العربية السعودية على احتياطياتها المالية لتغطية عجز الموازنة بأكثر من 10 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي لأكثر من عقد من الزمن، لتجنّب تنفيذ الإصلاحات. وتوقّف ذلك في نهاية التسعينات حين تجاوزت ديون المملكة 100 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي، وهنا أطلقت المملكة الرصاصة واقترحت القيام بإصلاحات اقتصادية.

وفي عام 1998، صرّح الملك الراحل عبد الله (وكان وليًا للعهد في ذلك الوقت) محذرًا رجال الدولة، أنّ الوقت قد حان للتكيّف مع نمط حياةٍ جديد لا يعتمد كلّيًا على الدولة. لكنّ أسعار النفط التي ارتفعت بشدّة عام 1999، أجّلت الحاجة لإجراءات التقشّف. وخلال 15 عامًا، انشغلت المملكة عن الإصلاحات الاقتصادية بمشاكل داخلية أخرى، مثل الإدانة المحلية لغزو الولايات المتّحدة للعراق، والزحف المستمر للتطرّف الديني.

لم يعد خيارًا

واليوم، لم تعد السعودية أو باقي دول مجلس التعاون الخليجي في وضعٍ يسمح لها بتأجيل الإصلاح الاقتصادي. ومع قليل من التوقّعات بتعافٍ سريع لأسعار النفط، يتعيّن على دول المجلس الاستعداد لفترة ممتدة من عائدات النفط المنخفضة. وعلى حكومات دول المجلس أيضًا أن تجد سريعًا طريقة لاستيعاب الشباب في سوق العمل، والذين يمثّلون جزءًا كبيرًا من الكثافة السكانية، 60 بالمائة من السعوديين على سبيل المثال أعمارهم أقل من 15 عامًا. وفي الوقت نفسه، تدعو جماعات مختلفة في دول المجلس للتغيير على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. ولم يعد الإصلاح خيارًا لدى دول المجلس، لكنّه أمرٌ حتمي. وسيعمل قادة دول المجلس، مثل ولي ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» وولي العهد الإماراتي الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان»، على تنفيذ البرامج المعدّة للإصلاح.

وبالطبع، لن يكون إصلاح الهياكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدول الخليج بالأمر الهين. وسيقاوم العامّة محاولات خفض الإنفاق العام، كما فعلوا سابقًا. علاوة على ذلك، فإنّ عدم الوضوح في المنطقة سيمنح إيران الفرصة لمحاولة زيادة بسط نفوذها على السكّان الشيعة في دول الخليج. (الخريطة: الشيعة في دول الخليج)

إيران ومجلس التعاون الخليجي: تاريخ طويل ومتنوّع

بالرغم من التنافس الأيديولوجي بين أعضاء الكتلة، كانت إيران شريكًا تجاريًا لأعضاء مجلس التعاون الخليجي من قبل أن يتم إنشاء المجلس. وفي الواقع، شملت الاقتراحات الأولى بإنشاء المجلس وجود إيران عضوًا في المجموعة.

وكان لدى شاه إيران علاقات جيدة بدول المجلس، وحاول إبراز القضايا والمخاوف المشتركة مثل النظام البعثي وانتشار الشيوعية في المنطقة، حتّى قامت الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، والتي أطاحت به. وحتّى العلاقات بين السنّة والشيعة في دول الخليج كانت سلمية، ولم يكن قادة الدول الخليجية يرون الشيعة في بلادهم تقسيمًا طائفيًا يهدّد استقرار البلاد.

وكانت الشركة العربية الأمريكية للنفط، التي أصبحت فيما بعد (أرامكو السعودية)، قد وظّفت العديد من الشيعة قبل تأميمها عام 1980. إضافة إلى ذلك، كانت المملكة تسمح للشيعة في المنطقة الشرقية بممارسة معتقداتهم بشرط الخصوصية وليس في العلن. ووجد آل الصباح في الخليج المجتمع الشيعي كحليف ذو منفعة، واستغلّوا العلاقات مع التجار الشيعة لمواجهة مطلب نظرائهم السنّة.

لكنّ الثورة الإيرانية عام 1979 حطّمت هذا الانسجام النسبي في الخليج. ومع تقدّم الثورة، نشطت الجماعات الشيعية الناشطة ونزلت للشوارع تطالب بمزيد من الحرية الدينية والاقتصادية. وأطلقت الجماعات الشيعية في المنطقة الشرقية احتجاجات ضخمة ذلك العام، بعد استيلاء متطرفين سنّة على المسجد الحرام بمكة. وفي وسط الاضطرابات، صعّدت الحكومة في السعودية من إجراءات الاحتراز من الحركات الشيعية في الداخل، بينما وجّهت إيران جهودها لتصدير الثورة، وأدّت جهودها إلى صعود حركات شيعية متشدّدة مثل تنظيم الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية والجبهة الإسلامية لتحرير البحرين. وفي عام 1981، دبّرت الجماعة الأخيرة انقلابًا ضد أسرة آل خليفة الحاكمة في البحرين.

إسكات الثورة

تعاظم الحذر من قبل دول الخليج من تحركات إيران مع الكتل الشيعية. وفي عام 1981، تجمّعت دول الخليج معًا لإنشاء مجلس التعاون الخليجي. ومع الوقت، شدّدت الحكومات الخناق على الحركات الشيعية المتشدّدة، وانخفض التواصل بين إيران وبين تلك الحركات. وكانت الانتفاضة الشيعية في البحرين بمثابة جرس إنذار جديد لدول المجلس من خطر الجماعات الشيعية المسلّحة في البلاد. وعمدت حكومات الخليج لتفكيك تلك الحركات والأحزاب الشيعية، ووضح أنّ رهان العديد من الحركات الشيعية على إيران ودعمها كان خيارًا خاسرًا وبخاصةً للشيعة المحليين، الذين لم يحصدوا إلّا معاملةً أقسى وقدرا أقل من الحقوق.

والآن، في حين تسعى دول مجلس التعاون الخليجي للإصلاح، قد تستغل إيران الفرصة لتجديد روابطها بالشيعة في المنطقة. ولا تزال المجتمعات الشيعية الإيرانية تتشارك بروابط أيديولوجية مع نظرائها في دول الخليج. وبعد كل شيء، يمكن لصعود جيل جديد من القادة الشيعة في دول المجلس أن يسمح بتعزيز تلك الروابط. لكنّ إيران ستواجه عددًا غير قليل من العقبات في محاولتها لتعزيز نفوذها في الخليج. لسبب، أنّ الشيعة في دول الخليج يلتزمون بتعاليم العراقي «آية الله علي السيستاني» بدلًا من تعاليم الإيراني «آية الله روح الله الخميني»، الذي أشرف على تحوّل إيران إلى جمهوريةٍ إسلامية. ولسبب آخر، هو أنّ الشيعة في البحرين والسعودية والكويت يتفاخرون بمقاومتهم لحكوماتهم دول وصاية أو تدخّل من إيران. وحتّى مع ذلك، قد تكون الظروف سانحة لإيران لإعادة بسط نفوذها في الخليج، وعلى الأرجح سيحاول قادتها فعل ذلك.

ستراتفور - ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد