بعد مرور أسبوع على جولة الاستجوابات النيابية "الصاخبة" التي كان محورها وزير الإعلام ووزير الدولة لشؤون الشباب الكويتي، الشيخ سلمان صباح سالم الحمود الصباح، بتاريخ 31 يناير/كانون الثاني الماضي، والتي استمرت يوماً كاملاً، وجدت الحكومة الكويتية نفسها في مواجهة "فاصلة" مع مجلس النواب الجديد، أحد أقدم الديمقراطيات الخليجية.
"كرة الثلج" المتدحرجة من مجلس النواب الكويتي بدأت مع تقديم ثلاثة نواب طلباً (هم: وليد الطبطبائي، والحميدي السبيعي، وعبد الوهاب البابطين) لاستجواب وزير الإعلام ووزير الدولة لشؤون الشباب، الشيخ سلمان الصباح. ما لبثت أن "كبرت" مع تقديم عشرة نواب طلباً لطرح الثقة عن الوزير.
ثم "ضيّقت" الكرة على الحكومة خياراتها بعد ارتفاع عدد النواب المؤيدين لطرح الثقة، مع وصول العدد إلى 25 نائباً من إجمالي 50، إثر متابعة صدى تصريحات النواب في مواقع التواصل الاجتماعي.
قبل يومين من جلسة مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي، التي كانت مقررة الأربعاء 8 فبراير/شباط، للتصويت على طلب طرح الثقة بوزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب، حسمت الحكومة الكويتية أمرها، وفضلت القبول "بأهون الشرين"، فاستبق الوزير سلمان الحمود الصباح جلسة طرح الثقة معلناً استقالته من الحكومة.
-قبول الاستقالة
رئيس مجلس الأمة الكويتي، مرزوق علي الغانم، أعلن، الثلاثاء، أنه أُبلغ رسمياً بقبول استقالة وزير الإعلام ووزير الدولة لشؤون الشباب، الشيخ سلمان صباح سالم الحمود الصباح.
ووفقاً لوكالة الأنباء الكويتية، قال الغانم في تصريح مقتضب أدلى به للصحفيين في مجلس الأمة، إنه لا جلسة لمجلس الأمة غداً (الأربعاء) بعد استقالة الشيخ سلمان الحمود.
- محاور الاستجواب
يحمل الوزير سلمان الصباح مسؤولية حقيبتين "حساستين" في الوقت الراهن بالنسبة للكويت؛ إذ إن كلاً من ملف الإعلام وملف الرياضة لا يشكلان "هماً" محلياً بالنسبة للكويتيين فحسب، بل تحول الملفان إلى "شأن دولي" (بالنسبة للرياضة)، وآخر "شعبي" مع تزايد الانتقادات الموجهة لوزارة الإعلام بالتضييق على الحريات، في بلد يتمتع بهامش مقبول من الحريات، مقارنة بالعديد من دول المنطقة، واختبر الممارسة الديمقراطية مرات عدة في الانتخابات النيابية.
تضمن الاستجواب أربعة محاور هي: "إيقاف النشاط الرياضي في دولة الكويت"، و"التفريط بالأموال العامة وهدرها"، و"التجاوزات المالية والإدارية التي وقعت تحت مسؤولية الوزير في وزارة الإعلام والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب"، و"تجاوز الوزير على حرية الصحافة وملاحقة المغردين والناشرين، عبر السعي إلى إصدار قرارات وتشريعات مقيدة لحرية الرأي والنشر".
الوزير المستقيل نفى التهم، وعرض "وثائق" تكشف الإجراءات الحكومية لرفع الحظر عن الرياضة الكويتية، وأخرى تكشف إجراءات قانونية اتخذها بحق مرتكبي المخالفات المالية والإدارية.
وأكد الشيخ سلمان احترامه للحريات، مشدداً على أنه كان ينفذ قوانين أقرها مجلس الأمة.
- سيناريوهات ما قبل الاستقالة
لم تشأ الحكومة الكويتية افتتاح عهدها مع مجلس الأمة بالمواجهة أو الوصول إلى مرحلة "كسر العظم" مبكراً، إذ تحدثت تسريبات لوسائل إعلام محلية نقلتها وكالة "الأناضول"، عن أن الحكومة كان أمامها خياران: فإما التوجه إلى تقديم استقالة جماعية تضامناً مع الوزير، مع تضييق هامش المناورة أمامها، أو القبول باستقالة الوزير منفرداً.
ورأى مراقبون أن "التضامن" بهذا الشكل سيفرض على الحكومة مبدأ جديداً لا يحقق لها ولا للساحة السياسية الاستقرار. وأن استقالة الحكومة برئيسها من شأنها أن تمهد لعودة الوزير سلمان الصباح في الحكومة الجديدة، وهو ما سيمثل أزمة جديدة.
أما الخيار الثاني؛ فهو قبول استقالة وزير الإعلام والاستجابة لمطالب النواب والانسجام مع مواقفهم، بما يعنيه ذلك من "خسارة" الجولة الأولى من المواجهة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وظهور المجلس بأنه أقوى من الحكومة ويمكنه إجبارها على إقالة أي من وزرائها. وهو ما يبدو أن الحكومة اختارته للاعتبارات المتقدمة.
- مجلس الأمة واستقالة الوزير
الحركة الدستورية الإسلامية، والتي يمثلها أربعة نواب في المجلس، أرسلت "رسالة تهدئة" عبر النائب محمد الدلال، تلمح فيها إلى القبول بخيار "تدوير الوزير"، مع تشكيل لجنة تحقيق نيابية في التجاوزات التي تضمنها الاستجواب.
وقال الدلال، في تصريح صحفي: "بعد انتهاء استجواب وزير الشباب والإعلام، سلمان الصباح، الذي غالباً يسير في طريق استقالة الوزير أو تدويره أو طرح الثقة به، مطلوب منا أن نبذل جهوداً من أجل تقديم توصيات واتخاذ خطوات عملية لرفع الإيقاف الدولي عن الرياضة الكويتية، وطلب التحقيق البرلماني في المخالفات التي وردت في الاستجواب".
من جهته اعتبر النائب صالح عاشور أن "استقالة الحكومة فرصة لتعديل وزاري يتوافق مع نتائج الانتخابات الأخيرة بحكومة متضامنة وقوية؛ لإنجاز خطة إنقاذ البلد من تراجع مؤشرات تقدم الكويت".
أما النائبة صفاء الهاشم فقالت: "لو كانت فعلاً الحكومة جادةً، لما أعادت وزراء ظلوا لسنوات يمثلون العربة التي وقفت أمام الحصان، وفي كل مرة تعيد ذات المشهد".
وأضافت في تصريح صحفي: إنه "إذا كان الحق تأزيماً، فأنا أول المؤزمين، وإذا كان الفساد نهراً، فأنا أول السدود التي ستوقفه مع بعض الزملاء الذين أقسموا على الذود عن مصالح الشعب".
ودعا النائب عبد الله الرومي الحكومة إلى تقبل نتيجة استجواب وزير الإعلام بروح رياضية انسجاماً مع أحكام الدستور.
-تشكيلة مجلس الأمة الحالي
شهدت نهاية عام 2016 الانتخابات النيابية السابعة عشرة في تاريخ الكويت، والتي جرت يوم السبت 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وأسفرت عن دخول تيارات معارضة فضّلت نهج "المقاطعة" لسنوات.
الانتخابات الأخيرة جاءت "مبكرة" بعد حل أمير الكويت، صباح الأحمد الصباح، مجلس الأمة المنتخب عام 2013 بمرسوم أصدره في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
نجحت المعارضة، التي يهيمن عليها الإسلاميون، في الفوز بـ24 مقعداً من إجمالي 50 مقعداً تشكل المجلس.
وعرفت الانتخابات وصول الشباب إلى المجلس بقوة، إذ يعد ثلث الفائزين في هذه الانتخابات من شريحة الشباب، في حين كانت صفاء الهاشم المرأة الوحيدة التي فازت بمقعد.
وتراجع عدد نواب الأقلية الشيعية إلى ستة مقابل تسعة في المجلس السابق.
كما شهدت هذه الانتخابات عودة المعارضة التي سبق أن قاطعت الانتخابات الماضية عام 2013 والسابقة لها في ديسمبر/كانون الأول عام 2012، اعتراضاً على تغيير نظام التصويت بمرسوم أصدره أمير الكويت عام 2012، واستخدام ما عرف "بقانون الصوت الواحد".
- سيناريوهات المستقبل
يبدو مجلس الأمة الكويتي الحالي أكثر "نضوجاً" و"تماسكاً" في تركيبته وتعبيره عن شرائح المجتمع الكويتي المطالبة بالإصلاح، وإخراج البلاد من مأزق "الإيقاف الدولي" الذي جمد النشاطات الرياضية الكويتية دولياً، وحرمها من المشاركة من أولمبياد ريو دي جانيرو عام 2016 وتصفيات كأس العالم في روسيا عام 2018، كما يقول لسان حال المعارضة.
وإذا كانت الحكومة قد نجحت، في السابق، باتباع أسلوب "تدوير الوزراء" لتجنب المواجهة مع المجالس السابقة، قبل أن تصل إلى طريق مسدود لاحقاً وتقدم استقالتها إلى أمير البلاد، الذي بدوره يقوم بحل مجلس الأمة غالباً، وتفرض على الجميع الاحتكام إلى صندوق الانتخاب، للخروج من أي انسداد سياسي تواجهه؛ فإن طبيعة تركيبة المجلس الحالي تشي بمواجهات "ساخنة" و"مبكرة" قد لا تنفع معها الحلول التقليدية، وربما تضطر الحكومة إلى "استمهال" المجلس الحالي لإجراء تغيير حقيقي في بنيتها وسياساتها، وما استقالة وزير الإعلام سوى "الثمن" الذي قبلت بدفعه "مؤقتاً" لإعادة حساباتها السياسية مع مجلس الأمة.
هشام منوّر- الخليج أونلاين-