السلطة » خلافات سياسية

الجنسية سلاح محرّم

في 2017/02/15

تتميز الكويت بأمور كثيرة أهمها العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وهي خاصية استثنائية ومميزة فعلاً أساسها الاحترام المتبادل والتقدير والمحبة والصراحة وغياب الحواجز... وليس الاستبداد أو الطغيان أو الخوف أو التسلّط والتفرد.

ليست الكويت الدولة الفاضلة ولن تكون، ومشاكلنا وأخطاؤنا وانتهاكات القانون والدستور وتفشي الفساد وسوء الإدارة وغياب الوعي السياسي وغيرها أكثر من أن تحصى. عمليات التجاذب والمواجهات السياسية لم تتوقف ولن تتوقف إنما الإنصاف يقتضي الاعتراف (مع استثناءات) بأن الحكم في الكويت «غير» وأن السلطة تتسع للجميع وأن سقف الحريات والديموقراطية أعلى من أي سقف في المنطقة وتحديداً في الدول التي يتشدّق معارضون كويتيون بمدحها والتغزل بها ليل نهار وهم لا يجرؤون إن عاشوا فيها أن يقولوا في أنظمتها واحداً في المئة مما يقولونه عن نظامهم.

كانت الكويت الأسرع تطوراً بين دول المنطقة بالنسبة لقيام دولة مؤسسات مرتكزة على دستور صاغه أهلها بالتوافق مع الحاكم، وهذا النظام الذي ولد من رحم هذه التجربة التوافقية شهد الكثير من الخلافات بين السلطتين منذ المجلس التأسيسي وحتى اليوم وقيام تيارات معارضة وحصول مواجهات سياسية استخدمت فيها مختلف الأوراق والأسلحة المشروعة تحت سقف الصيغة والميثاق...

إنما، وتاريخياً، لم تكن الجنسية الكويتية ورقة في يد أحد من النظام... ولا يجب مستقبلاً أن تكون ورقة في يد أحد من النظام.

لنكن صريحين، مع كل التقدير والاحترام والمحبة لهم، فجميع من هم في السلطة بشر وليسوا معصومين من الخطأ، ولذلك فالمشرعون عندما وضعوا الدساتير والقوانين إنما كان في صلب أهدافهم تنزيه جملة من القضايا عن الأهواء الشخصية سواء كانت في الاتجاه الإيجابي أو السلبي، وفي طليعتها الهوية والانتماء.

بمعنى آخر، فإن الجنسية الكويتية تخضع للقانون وهي حق بدهي لحاملها لا يجوز لأي حكومة أن تحرمه منها بما يخالف القانون في لحظة غضب، كما لا يجوز لأي حكومة أن تمنحها مسايرة في لحظة رضا.

وللحق، فإن الجميع صار يتاجر سياسياً وانتخابياً في قضية الجنسية، فمن يرفعون الصوت اليوم إنما يفعلون ذلك لأهداف خاصة ومصالح شخصية ومن باب تصفية الحسابات. والدليل أنهم في مجالس الأسود والصقور والنمور والأحرار والفهود (وما إلى غير ذلك من تسميات) لم يعترضوا على سحب الحكومة قبل سنوات جنسيتي سليمان بو غيث وياسر الحبيب بتهم عدة بينها الإضرار بمصالح الدولة وتهديد الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية، بينما بقيت مثلاً جنسية علاء حسين وهو في كل التفاسير والوقائع ارتكب جرماً أكبر من جرمهما.

هذا مثال على الانتقائية التي تستخدم في قضية سحب الجنسية من قبل الحكومة، وعلى المتاجرة السياسية بهذه القضية من قبل بعض السياسيين.

هل تريدون مثالاً آخر؟ بالأمس القريب جداً وتحديداً في 12 فبراير 2017، صدر حكم محكمة التمييز ضد شقيقين كويتيين، متضمناً إدانات بتهم أقلها «هدم النظم الأساسية بطرق غير مشروعة والانتقاض بالقوة على النظام الاجتماعي والاقتصادي القائم في البلاد» و«القيام بعمل عدائي ضد دولة شقيقة» والانضمام إلى تنظيمات إرهابية مثل «النصرة وجند الأقصى والهيئة الشرعية» والمشاركة في «تمويل الإرهاب» وحمل سلاح واستخدام ذخيرة ومشاركة في قتال... الخ، أما الحكم فقضى بسجنهما عشر سنوات وليس بسحب الجنسية، وهي الإدانات التي كان واحدها سابقا كفيلاً بسحب جنسية بو غيث مثلاً.

حتى في الجانب الإيجابي، بدأت قضية منح الجنسية تخضع أيضاً لاعتبارات سياسية. أصحاب حق وفق القانون لا يحصلون عليها، وواسطة من هنا أو هناك تحوّل الوافد حديثاً إلى مواطن، أما بند الخدمات الجليلة فهو قطعة قماش مطاطة يمكنها أن تكبر كما تشاء الحكومة لتغطية أي قرار، أضف إلى ذلك أن هناك من يتعامل مع موضوع الجنسية وكأنها قصة مماثلة للعلاج في الخارج أو منح قسائم زراعية، نسمع عن 2000 سيتجنّسون هذا العام و4000 العام المقبل وهلم جرا.

باختصار، لا ندافع عن أحد إنما ندافع عن حق القانون - والقانون فقط - في مقاضاة الناس وتقرير الأحكام. لا علاقة لكلامنا هنا لا بالحاصل على الجنسية من دون وجه حق ولا بالمزوّر ولا بالمزدوج ولا بالمخالف. نتكلم عن وجوب توقف الحكومة عن سحب جنسية شخص ولدت معه ومع والده وجدّه لسبب جنائي أو جرمي أو سياسي. الجنسية يجب أن تبعد تماماً عن لعبة التجاوزات السياسية فهذه اللعبة هي العلة الأساس التي ضخّمت الملف وجعلته كرة ثلج تكبر وكرة نار تحرق. الحق أحق أن يتّبع... فارفعوا أياديكم عن الجنسية.

الراي الكويتية-