السلطة » خلافات سياسية

«ترامب» ومجلس التعاون الخليجي وإيران: كيف يمكن لهذا المثلث إعادة تشكيل الشرق الأوسط؟

في 2017/02/18

بينما كان الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» في جولة خليجية إلى ثلاث من دول مجلس التعاون الخليجي، وهي البحرين والسعودية وقطر، بدأ الرئيس الإيراني «حسن روحاني» زيارة قصيرة إلى دولتين أخريين من دول المجلس، وهي عمان والكويت.

لقد حمل الرئيسان رسالتين مختلفتين. كان «أردوغان» حريصاً على إيصال مجمل النتائج التي حصل عليها من المقابلة عالية المستوى مع إدارة «ترامب» من خلال الزيارة القصيرة لمدير المخابرات الأمريكية «مايك بومبيو» إلى أنقرة، والذي يعتقد بأنّه قد سلّم بعض الأفكار الجديدة بصدد نوع ترتيبات التي تحرص عليها واشنطن في سوريا والمنطقة.

وعلى الجانب الآخر، كان «روحاني» مهتمّاً بالتحذير الناعم لدول مجلس التعاون الخليجي ألّا تنضمّ إلى المعسكر الأمريكي. وهي الرسالة التي يرسلها المسؤولون في إيران من خلال عدّة بيانات محدّدة، وهي أنّ سياسة الولايات المتّحدة في منطقة الخليج لم تكن متّسقة أبداً، وأنّه في حين تبقى إيران قوّة لا يستهان بها في المنطقة يمكن الاعتماد عليها، فواشنطن على العكس من ذلك، هي أكثر حليف لا يمكن الاعتماد عليه ولم يعد ملتزماً بشيء. وتعني هذه الكلمات ببساطة، احذر من الانحياز إلى جانب الولايات المتّحدة في المواجهة التي تلوح في الأفق مع إيران.

وأصدر البلاط السلطاني العماني بياناً قبل وصول «روحاني» واصفاً جدول أعمال الزيارة بالبروتوكول الطبيعي، لكنّه أضاف أنّ الزعيمين سيتباحثان حول «التطوّرات الهامة التي تجري في المنطقة والعالم الآن». وكانت تلك نتيجة واضحة لزيارة «بومبيو» لتركيا والسعودية. وتشير الزيارة إلى قطبي سياسة الولايات المتّحدة القادمة في المنطقة.

ومن جانبه، نشر «أردوغان» تغريدة على موقع تويتر بعد ترحيب الملك «سلمان» به في المطار، قال فيها أنّ على الجميع أن يفهم أنّ الأمور تتغيّر. وجاء في نص التغريدة: «حان الوقت لنضع أيدينا معاً لصالح المنطقة والعالم الإسلامي، بل وكل الإنسانية». وقد دعا القوى الإقليمية لتوحيد القوى من أجل محاربة الإرهاب، وبالطبع لم يغفل ذكر حزب العمال الكردستاني وجماعة فتح الله كولن، بجانب تنظيم الدولة والقاعدة.

وتأتي الزيارتان في وقت يتغيّر فيه المزاج العام للشرق الأوسط. وتوجد ديناميكية معيّنة تندفع للأمام، منذ عدّة أشهر، باتّجاه إعادة بناء الجسور بين السعودية ومجلس التعاون الخليجي من جهة وإيران من جهة أخرى، في محاولة لتهدئة الأزمات الإقليمية وبناء تحالف حقيقي لوقف تدخّلات إيران والمنظّمات الإرهابية. ودفع فوز «ترامب» بالانتخابات الرئاسية الأمريكية بالمزيد في اتجاه هذه الديناميكية، حتّى بالتأثير عليها نفسياً فقط، حيث أعطى دفعة قوية للتغيير. والسؤال الآن، إلى أيّ مدى يمكن لواشنطن تسريع هذه الديناميكية حتّى تبلغ ذروتها في بنية الأمن الإقليمي، وبالتّالي إنهاء حقبة من الحروب والاضطرابات.

والدخول المتعمّد من واشنطن هو الحاسم في تشكيل هذه العملية. فقد تزيد الولايات المتّحدة الضغط على إيران بدون هدفٍ واضح لنهاية اللعبة، أو قد تستطيع بدلاً من ذلك استهداف تحركات يومية لتسريع التقدّم باتّجاه هدفٍ محدّد. بعبارةٍ أخرى، فإنّ المثلث الذي يضمّ الولايات المتّحدة ودول مجلس التعاون الخليجي وإيران يشهد الآن تحوّلات عميقة ومفاجئة في الأوزان النسبية للأطراف الثلاثة. ولا يمكن لأيّ شخص تخمين اتّجاه هذا التحوّل.

وكان المتحدّث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، «بهرام قاسمي»، سريعاً في ردّه على العرض العربي، الذي سلّمه وزير الخارجية الكويتي إلى إيران خلال زيارته أول فبراير/شباط إلى طهران، بالتّفاوض مباشرةً حول جميع القضايا التي تفصل ضفّتي الخليج وفق القوانين الدولية كمرجع.

ومع ذلك، كان «قاسمي» لا يزال يتحدّث بنبرة تحدّ في تصريحاته، «قد نصل إلى نتيجة بالتحدّث مع السعوديين، لكن فقط في حالة شعرنا بأنّ السعوديين يحتاجون إلى الحوار والتعاون. وإذا أرادوا علاقات ودّية، عليهم تصحيح أخطاء الماضي». وهو يلقى باللوم في التوتّرات الحالية على الأخطاء السعودية في تشويه التصوّر عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية. «لكن إذا شرعوا في مسارٍ بنّاء، سنستجيب أيضاً بإيجابية».

تطالب السعودية إيران بسحب قوّاتها وجميع ميليشياتها من الدول العربية، والتزام سياسة عدم التدخّل، والتوقّف عن إرهاب جيرانها بالصواريخ والقوّة العسكرية.

وبينما تطلق إيران من وقتٍ لآخر بعض حمائم السلام المصنوعة من الكلمات اللطيفة، لابد أن تفهم أنّ الدول لا تتغذّى على الكلمات. وإذا كانت تفعل ذلك، لكان العالم كلّه الآن يعاني من السّمنة بعد 8 أعوام من خطابات «أوباما» البليغة. يمكن لـ«روحاني» أن يطلق تصريحاته تارةً مبتسماً وتارةً بلهجة الوعيد. لكن حتّى الآن، لا تزال صواريخ إيران موجودة، والحوثيون موجودون، ولا تزال محاولة السيطرة على وسط العراق نشطة ورفض أي حل عقلاني في سوريا أيضاً. فكيف تشرع السعودية أو الإمارات أو أيّ بلدٍ عربيٍ آخر في مسارٍ بنّاء في الوقت الذي تلتف عليها إيران من الشمال والجنوب والشرق؟

وكما قالت رئيسة وزراء المملكة المتّحدة «تريزا ماي» إلى قادة دول الخليج في قمّتهم السنوية بالمنامة شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، العالم يعرف من يحرّض على الاضطرابات في المنطقة. وقالت: «يشعل النفوذ الإيراني عدم الاستقرار بالمنطقة. وأنا أرى بوضوح التهديد الذي تشكّله إيران على الخليج والشرق الأوسط الكبير».

ينبغي أن يتوازن ضغط الولايات المتّحدة بحرص لتخفيف تحرّكات إيران، إذا كان ذلك ممكناً، من أجل التوصّل إلى بنية أمنية إقليمية خالية من التدخّل والترهيب الإيراني. وإذا ثبت أنّ الإيرانيين عنيدون جدّاً للتصالح مع الواقع الجديد الذي تحدّث عنه العمانيون، ينبغي زيادة مستوى الضغط. فالهدف النهائي هو السلام الإقليمي والتعاون واحترام القوانين والأعراف الدولية والكفاح الجماعي ضدّ الإرهاب والتطرّف.

سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينغ- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-