السلطة » خلافات سياسية

انقسام في البرلمان الكويتي حول توافق القوانين مع الشريعة الإسلامية

في 2017/02/21

يوما بعد آخر، يتزايد الانقسام ويتصاعد الجدل في الكويت بين فريقين، أحدهما إسلامي يدعو إلى توافق القوانين مع الشريعة الإسلامية، وآخر ليبرالي يخشى من احتمال تحويل الكويت من دولة مدنية إلى «دينية».

وكالة الأناضول التركية للأنباء عرضت تقريرا عن الانقسام، تناولت فيه ما استند إليه الفريقان، فمشفوعا بتوقيع 26 من أصل 50 نائبا في مجلس الأمة (البرلمان)، تقدم النائب «محمد هايف المطيري» (إسلامي)، الأربعاء الماضي، بطلب لتعديل المادة 79 من الدستور، لإضافة اشتراط توافق القوانين مع الشريعة الإسلامية.

وبينما تنص المادة 79 على أنه «لا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة وصدق عليه الأمير»، ينص التعديل المقترح على أنه «لا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة وصدق عليه الأمير وكان موافقا للشريعة الإسلامية».

التقرير لفت إلى أن حركات  دعوية وسياسية إسلامية دعما للنائب «المطيري»، أعلنت، عبر بيان مشترك صدر الجمعة الماضية، تأييدها لتعديل المادة 79 من الدستور، معتبرة إياه «واجبا شرعيا ومطلبا شعبيا».

وعن الحركات قال التقرير أنها «الحركة الدستورية الإسلامية (الإخوان المسلمون)، والتجمع السلفي، والكتلة السلفية، وتجمع ثوابت الأمة، والحركة السلفية، ورابطة دعاة الكويت».

وقالت الحركات سالفة الذكر، في بيانها، إن «هذا التعديل يتوافق مع الدستور كما جاء في المادة الثانية (دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع)، وغيرها من المواد، التي تثبت هوية المجتمع الكويتي والتزامه بمبادئ الشريعة الإسلامية».

واعتبرت الحركات أن «التعديل سيدفع عجلة التقدم للبلاد، ويجعلها في مصاف الدول المتقدمة»، داعية الشعب الكويتي بعلمائه ووجهائه ومسؤوليه إلى دعم هذا التعديل المقترح.

رفض الحركات الليبرالية

في المقابل، رفضت الحركات الليبرالية التعديل الدستوري المقترح، إذ رأى فيه «التيار التقدمي الكويتي» محاولة لإلهاء الناس عن قضاياها ومطالبها الرئيسية المتصلة بالإفراج عن المحكومين في قضايا الرأي والتجمعات، وإلغاء القرارات الجائرة بإسقاط الجنسية الكويتية أو سحبها من عدد من المواطنين لأسباب سياسية.، بحسب التقرير.

وأضاف التيار التقدمي أن «من شأن التعديل عمليا في حال إقراره إلغاء الطابع المدني للدولة، والعمل على تحويلها إلى دولة دينية».

بدوره، اعتبر «التحالف الوطني» أن «التعديل المقدم يمثل انتكاسه خطيرة للديمقراطية والدولة المدنية».

وقال أمين عام التحالف، «بشار الصايغ»، في تصريح صحفي إن التعديل «يستبدل التشريع القانوني بالفتاوى الدينية، ويفرغ مواد الدستور من محتواها، ويجعل الدولة رهينة الفتاوى والإسلاميين فقط، ويصادر آراء الآخرين وتنوعهم الديني والفكري وحقوق الأقليات».

مصدر رئيسي للتشريع

دستوريا، اعتبر أستاذ القانون الدستوري في جامعة الكويت، «إبراهيم الحمود»، أن «تعديل المادة 79 من الدستور يغني عنه ما هو موجود في المادة الثانية، التي تنص على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع».

ونقلت الأناضول عن «الحمود»، قوله إن «اقتراح تعديل المادة 79 غير دستوري، وليس في محله، والأمير رفض هذا المقترح في 2012، ولا يمكن إجراء أي تعديل بدون موافقة سموه».

وكان أمير الكويت قال عند رفضه تعديل تلك المادة، سابقاً، إنه «لا يجوز دستوريا»، وإن «التعديل يعارض نصوصا دستورية، ويؤدي إلى خلاف سياسي، وفتنة مذهبية».

وأضاف الأمير أن «الدستور الكويتي بطبيعته ذو توجه إسلامي بما تتضمنه مواده وألفاظه»، وأن «الشريعة الإسلامية بحر واسع عميق تتلاطم فيه الأمواج، وتتعدد الاتجاهات، وتتباعد فيه الآراء، وتختلف المرجعيات».

فوضى قانونية

التقرير تناول أيضا رأي الخبير الدستوري، «هشام الصالح»، والذي رأى أن «مقترح تعديل المادة 79 من الدستور يتعارض مع المادة الثانية من الدستور، التي أجازت الأخذ بالشريعة الإسلامية، وأيضا أجازت الأخذ بغير الشريعة الإسلامية».

«الصالح» تابع بقوله إنه «إذا جرى تعديل هذه المادة، وإضافة عبارة مع الأخذ بالشريعة الإسلامية، سنكون أمام نصين متعارضين، ومن المستحيل أن يتم التوافق بينهما، بل يؤديان إلى التناقض في أحكام هذا الدستور».

وأوضح أن «الدستور الكويتي في المادة 174 اشترط أن يكون التعديل لمزيد من الحريات والمساواة»، معتبرا أن «الحديث عن تعديل المادة 79 يتضمن تحويل الكويت من دولة مدنية إلى دولة دينية، وبالتالي ففيه اعتداء على الحريات ومحاولة فرض الوصاية على المجتمع».

وبحسب الأناضول، حذر «الصالح» من أن «تعديل المادة 79 سيؤدي إلى إشكاليات دستورية وفوضى قانونية؛ بحيث سيتم الطعن في جميع القوانين القائمة حاليا، باعتبارها تتعارض مع نص المادة 79 إذا تم تعديلها، وبالتالي ستكون عرضة للبطلان والإبطال باعتبارها غير دستورية وتخالف النص الجديد، فبعض القوانين الراهنة لا تتفق مع الشريعة الإسلامية».

وفي حديث للوكالة التركية، أوضح أستاذ القانون الدستوري في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب (حكومية)، «غازي العياش»، أن «إجراءات تعديل الدستور ليست كإجراءات تعديل القوانين، وإنما هي إجراءات معقدة وتحتاج إلى موافقة وتصديق سمو الأمير، وموافقة البرلمان، وبالتالي لابد أن يكون هناك توافق بين السلطة والبرلمان بشأن تعديل مواد الدستور».

وتابع «إذا كانت هناك فكرة لتعديل الدستور، فلابد أن يكون هناك مشروع كامل، بحيث يتم تعديل جميع النصوص الدستورية التي تحتاج إلى تعديل، أما أن يدور الحديث عن تعديل مادة واحدة، فأعتقد أن الرفض سيكون حليف هذا الموضوع، خصوصا وأن السوابق تشهد على ذلك».

لن يجد طريقا للنور

التقرير تطرق أيضا إلى رأي الكاتب في صحيفة «الجريدة» الكويتية (خاصة)، «حسن العيسى»، والمتوافق مع رأي «العياش»، والذي توقع «ألا يجد مشروع تعديل المادة 79 من الدستور طريقا إلى النور في هذا المجلس (البرلمان)، أو أي مجلس قادم في المستقبل القريب».

ثم استدرك «العيسى»، في مقال له بالصحيفة، قائلا إن هذا التعديل المقترح «لن يجد أرضا يقف عليها في الوقت الحاضر، لكن في المستقبل، ومع خواء الطرح الجدي المعارض لقضايا إنسانية من علمانيي وليبراليي حفلات هلا فبراير، وعيد فلانتين (عيد الحب)، مثل سحب الجنسية وملاحقات أصحاب الرأي وغيرها من قضايا إنسانية غائبة عن مفرداتهم سيكون الأمر مختلفا... سيكون هناك فراغ، وسيكون هناك من يملؤه».

ومنتقدا، تابع الكاتب الكويتي بقوله إن "انسحاب الدولة وتقلص دورها الاجتماعي بالتبعية من توفير الوظيفة المريحة والخدمات للمواطن من المهد إلى اللحد يحدث فراغا في المكان، سارعت الجماعات والأحزاب الدينية إلى ملئه، فتلك الجماعات كانت لها أفضلية على غيرها في الزمن الماضي، حين كانت تعمل بحرية لنشر أفكارها القروسطية حين شجعتها أنظمة الحكم السلطوية لكسب الشرعية الدينية، التي كانت تسد نقصا في الشرعية السياسية للنظام الحاكم".

ليست دولة مدنية

من جانبه، قال الناطق باسم التجمع السلفي، النائب والوزير السابق، «أحمد باقر»، إن «التجمع يؤيد كل تعديل دستوري أو قانوني يؤدي إلى استكمال تطبيق الشريعة الإسلامية، شريطة أن يكون مدروسا لتحقيق الغرض منه».

وتابع «باقر»، في تصريح صحفي، أنه «لا يوجد في الدستور بأكمله وصف للكويت بأنها مدنية، وإنما جاء في الدستور أن دينها الإسلام، والشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع.. إذا كانوا يقصدون أن الكويت دولة علمانية، فنقول إنه لا يوجد دولة علمانية واحدة في العالم ينص دستورها على أن الدين مصدر رئيسي للتشريع».

وتابع بقوله إن المذكرة التفسيرية للدستور نصت على أنه «يوجه المشرع وجهة إسلامية أساسية»، كما نصت على أن هذا النص «إنما يُحمل المشرع أمانة الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية ما وسعه ذلك، ويدعوه إلى هذا النهج دعوة صريحة واضحة».

وتساءل «باقر» مستنكرا: «فهل يعقل بعد هذه النصوص الواضحة والملزمة بإجماع الفقه الدستوري الكويتي أن يقول بعض النواب ما قالوه بشأن تعارض الأخذ بالشريعة مع المذاهب أو الأديان في البلاد (؟!»

وختم الناطق باسم التجمع السلفي حديثه بأن اعتبار الأخذ بالشريعة ينافي الحريات أمر «مضحك»، مشددا على أن «جميع نصوص الحريات التي وردت في الدستور جاءت مقيدة بأنها وفقا للقانون».

دولة مدنية

وردا على تصريح «باقر»، شدد النائب الكويتي، «راكان النصف»، على «الهوية المدنية للنظام الكويتي».

وأضاف، في تصريح صحفي، أن «المادة السادسة من الدستور أكدت أن نظام الحكم في الدولة ديمقراطي السيادة فيه للأمة"، معتبرا أن "هذا النص يؤكد على مدنية الدولة».

ومضى النائب الكويتي قائلا إن «المذكرة التفسيرية للدستور بينت أن النظام الديمقراطي الذي تبناه الدستور وسطا بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف أكبر نحو أولهما»، مشددا على أن «تلك الأنظمة لا وجود لها في الشريعة الإسلامية، بل هي أنظمة مدنية».

وكالات-