السلطة » خلافات سياسية

موقع إلكتروني محسوب على «بن سلمان» يحتفي بذكرى تهميش «هيئة الأمر بالمعروف»

في 2017/04/06

بعد عام من إقرار تنظيم جديد لـ«هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» همش من دورها في المجتمع السعودي.. نشر موقع إلكتروني محسوب على ولي ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» تقريرا كان بمثابة احتفاءً بتلك الخطوة.

يأتي ذلك - على ما يبدو - متناغماً مع توجهات الأمير الشاب الطامح في اعتلاء العرش، والذي يقول مراقبون إنه يسعى إلى الحد من نفوذ التيار الديني، ضمن ما يسميها بـ«إصلاحات» تدفع المجتمع السعودي المحافظ بطبعه نحو مزيد من التغريب، ظنا من أن ذلك التوجه سيجلب له رضا الغرب ودعمه لخطوة تنصيبه ملكاً.

التقرير نشره موقع «عرب نيوز»، الذي يتبع «الشركة السعودية للأبحاث والنشر» (يملك بن سلمان أكثر من نصف أسمهما)، وتحدث عن حملة انتقادات وصفها بـ«غير المسبوقة» على مواقع التواصل الاجتماعي للسلوكيات السابقة لرجال «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» بالتزامن مع احتفال المملكة بالذّكرى السنويّة الأولى للقيود التي فُرضت على الهيئة.

إذ زعم التقرير أن التعليقات على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» تظهر أن السعوديين باتوا مقتنعين أن حياتهم «صارت أفضل» بدون سلطة رجال «الشّرطة الدينيّة» (متبنيا التسمية الغربية لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عكس المواقع الرسمية السعودية).

ومبالغاً في الحديث عن حالة الاحتفاء تلك، والتي ربما لن يلحظها الناشطون على مواقع التواصل، قال التقرير إنها امتزجت بـ«السّخرية والفكاهة والمناقشة الجادّة حول الدور السّلطوي» للهئية.

وركز التقرير على تعليقات ترى أن السعودية باتت أفضل مع تقييد صلاحيات الهيئة.

فـ«عمرو بن طلال»، يتحدث عن تقييمه للمجتمع دون وجود الهيئة، قائلًا: «لقد ملئوا العالم بصراخهم أنّ الأطفال غير الشرعيين سيملئون الطّرق، وأنّ الشوارع ستحكمها مافيا المخدّرات (إذا تم تقليص صلاحيات الهيئة) ... ولم يحدث ذلك».

و«حمّاد الشمري» يعلق على ذكرى تقليص صلاحيات الهيئة، قائلاً: «عامٌ من الهدوء والسّلام بعد سنواتٍ من المآسي والأحداث والهيمنة».

تقرير غير متوازن

لكن التقرير لم يكن متوازنا؛ إذ أن موقع «تويتر» يغص هذه الأيام بانتقادات واسعة لقرار تهميش دور الهيئة في المجتمع، وما أسفر عنه ذلك من تزايد نسبة الجرائم الأخلاقية والسلوكيات الشاذة، التي لم تكن معتادة على مجتمع محافظ مثل المجتمع السعودي.

وترافق ذلك مع انتقادات حادة من ناشطين للأنشطة التي تقيمها وتشرف عليها «الهيئة العامة للترفيه» في السعودية، التي تم إنشائها بتاريخ 7 مايو/أيار 2016، وشمل ذلك العديد من الحفلات الغنائية والراقصة.

ومن هؤلاء حساب «شامخ» الذي يقول: «تخبطات في تخبطات. من ألغى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأتى بهيئة نشر الفساد (الترفيه) والله لن يفلح».

بينما أكد حساب «محتسب» أن «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي صمام أمان المملكة العربية السعودية».

وقال حساب «صفا»: «وجود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عظيم لأن في تحقيقه مصلحة للأمة ونجاة لها وإهماله خطر عظيم وفساد كبير».

وقال حساب «ابتسامة الدنيا»: «هذا ما جنيناه من وأد صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وولادة هيئة الترفيه..!!!».

هذه الانتقادات لهيئة «الترفية» المستحدثة، ولخطوة تهميش دور هيئة الأمر بالمعروف في المجتمع لم يراها – على ما يبدو – معد تقرير موقع «عرب نيوز».

فالتقرير استطرد في سرد الآراء التي تزعم خطأ وجهة نظر من حذر من تهميش دور الهيئة باعتبارها «حصن الفضيلة ونظام المناعة في المجتمع من الفساد الأخلاقي».

ومن هؤلاء «الغامدي» الذي يقول: «لقد مرّ عامٌ على التنظيم الجديد من قبل الحكومة لعمل الشّرطة الدينية، وتسير الأمور في البلاد بشكلٍ اعتيادي. تمّ الحفاظ على الأخلاق والفضيلة، وجميع الأجهزة في مكانها وتؤدّي واجباتها على أكمل وجه».

بينما قال «بن باني» متحدثاً عن غياب دور رجال الهيئة عن الشارع: «غيابهم غير ملموس، وخلافًا لبعض التوقّعات نحن بخير. نحن ما زلنا نفس الناس، نعيش في نفس المجتمع ونملك نفس الأخلاق، حيث تنبع أخلاقنا من داخلنا. إنّ الأخلاق والفضيلة موجودة في كلّ واحدٍ منّا، ولا تحتاج إلى هيئاتٍ حكومية لتعزيزها».

تمهيد لإلغاء الهيئة

تقرير «عرب نيوز» يبدو أنه يمهد لتوجهات «بن سلمان» نحو المزيد من التقييد لسلطة الهئية، بل وإلغائها.

فـ«بن باني» يرى أنه «حتّى لو تمّ إلغاء الشّرطة الدينيّة تمامًا، فلن يتغير شيء».

ويضيف أن البعض يقترح إنشاء هيئةٍ بديلةٍ للشّرطة الدينيّة، مثل الشّرطة الأخلاقيّة، وهذه فكرة ساذجة تمامًا ولا تعبّر حتّى عن مجتمعٍ يعيش في القرن الـ 21. واعتبر أنّ «صنع الأخلاق ليست مسؤوليّة الحكومة».

وأضاف «بن باني» أنّ السّعوديّين يتمتّعون بخيرٍ فطري، و«نحن لسنا بحاجة إلى النسخة المتطرّفة من الدين»، وفق قوله.

ونحو المزيد من توجيه الانتقادات لرجال الهيئة، حث «الغامدي» النّاس «على توخّي الحذر من دعاة التطرّف والمتطرّفين والراديكاليين الذين يجعلون الإسلام محدودًا في الهيمنة على المجتمع وقمعه ومراقبته»، وفق قوله.

وفي أبريل/نيسان 2016، أقر مجلس الوزراء السعودي بموافقة ملكية تنظيما جديدا لـ«هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، والذي بموجبه منع رؤساء المراكز أو أعضاء الهيئة من إيقاف الأشخاص أو التحفظ عليهم أو مطاردتهم أو طلب وثائقهم أو التثبت من هوياتهم أو متابعتهم والتي تعد من اختصاص الشرطة والإدارة العامة لمكافحة المخدرات. وأكد القرار على الهيئة بتقديم البلاغات في شأن ما يظهر لها من مخالفات أثناء مزاولتها لاختصاصها المنصوص عليه في المادة (السادسة) من هذا التنظيم بمذكرات إبلاغ رسمية إلى الشرطة أو الإدارة العامة لمكافحة المخدرات وهما وحدهما الجهتان المختصتان.

وكانت حسابات سعودية معارضة على موقع «تويتر» كشفت خلال الأشهر الأخيرة أن ولي ولي العهد السعودي يقف وراء اعتقال عدد من الدعاة في الفترة الأخيرة ومن بينهم «عبد العزيز الطريفي»، مشيرة إلى أن تلك الاعتقالات تأتي في سياق دفاعه عن طموحه الملكي.

وفي هذا الصدد، نشر المغرد الشهير «مجتهد» تغريدة لـ«الطريفي» قال فيها الأخير: «يظن بعض الحكام أن تنازله عن بعض دينه إرضاء للكفار سيوقف ضغوطهم، وكلما نزل درجة دفعوه أُخرى، الثبات واحد والضغط واحد فغايتهم (حتى تتبع ملتهم)».

واعتبر «مجتهد» أن تلك التغريدة كانت السبب في اعتقال «الطريفي».

وتأسسست «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في عام 1940، كجهة مكلفة تطبيق نظام الحسبة المستوحى من الشريعة الإسلامية.

لكن دورها تقلص إلى حد ما في عهد الملك الراحل «عبد الله عبدالعزيز»، بينما تم تهميشها بدرجة كبيرة في عهد الملك «سلمان عبد العزيز»، وبتوجيهات - كما يقول مراقبون - من «بن سلمان»، الابن المدلل للملك والطامح في خلافته.

وفي عهد الملك «سلمان» شهدت السعودية تغييرات حادة في طبعها المحافظ، وكان من أبرز مظاهرة إنشاء «هيئة الترفيه».

وخلال الأشهر الأخيرة، فجرت أنشطة تلك الهيئة في مدن سعودية بينها جدة (غرب) والرياض (وسط) والدمام (شرق)، والتي تضمنت حفلات راقصة وغنائية، صراعا محتدما بين التيارين المحافظ والليبرالي .

إذ يرى التيار المحافظ في تلك الأنشطة «تغريباً» و«مسخاً» لهوية المجتمع السعودي المحافظ بطبعه، بينما دافع عن الهيئة التيار الليبرالي بشدة.

ويعكس هذا الصراع جانبا مهما من التحديات التي تواجه ما تطلق عليه الدولة خطط الإصلاح؛ والتي - حسب مراقبين - ستصطدم بأنماط الثقافة والاجتماع السائدة في المملكة منذ عقود، خاصة أنها لا تقتصر على إصلاح الاقتصاد، بل تمس بصورة مباشرة دور رجال الدين الرسميين والمستقلين في المجال العام.

الخليج الجديد-