السلطة » خلافات سياسية

قـبل أن يحـترق الخـليـج

في 2017/06/14

حالة الصدمة التي عاشها ويعيشها الشعب العربي في الخليج العربي، منذ التصعيد الأخير وقرار حصار قطر، لا يُمكن أن تختزلها الكلمات، فمعاقبة دولة وشعب من داخل النسيج الاجتماعي لشعوب المنطقة، وعزل أواصر القربة، فضلاً عن الديمغرافية والجغرافيا والساحل المشترك.

وعقيدة الإسلام الواحدة والعروبة، واندماج المجتمع الحضري والبدوي، منذ مئات السنين صعب جداً تصوره كخبر، فكيف بواقع، يجري أمام أعين الناس والأهالي والآباء والأمهات، المنتشر ذووهم بين أطراف الخليج العربي، وفي البيت الواحد، بغض النظر عن الجنسيات التي يحملونها.

وكل الصراعات السياسية بل وحتى الحربية، في العالم المعاصر بعد الحرب العالمية الثانية، لا يُذكر أنها تصاحبت مع هذه الإجراءات وإن جرت بينها حروب.

لكن مهمتنا في هذا المقال، أن نُقدم رأياً سياسيا للتمهيد للحل، لعله يساعد في حركة الفكر، لدى أصحاب القرار في الدول المعنية، ويُساعد جهود المصالحة التي يقودها الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت، وآمل أن يساعدني في ذلك موقعي كباحث عربي مستقل، وإن استقر في المهجر نهائياً، لكنّه ممتدةٌ جذوره وقومه في ساحله لمئات السنين، ويعصره واقع الحال للخليج العربي، كما هو أي إنسان عربي، تنتمي أصوله وتاريخه لهذا الساحل، ومشاعر قلق وحَزَن لكل عربي ومسلم وكل إنسان محب للسلام.

وروّع الجميع من صوت طبول الحرب العسكرية، والسياسية القائمة، التي تدفع لاحتراق كامل الخليج العربي، واستدعاء ذاكرة الثاني من أغسطس المفجعة في الكويت، وما جرّته على المنطقة، ونحن نشهد بأنفسنا دفع تصريحات الرئيس ترامب فعليا لمثل هذا السيناريو الخطير، الذي يخشاه ويخشى تـأثيره المدمّر، برلين وباريس ومؤسسات سياسية أميركية، فكيف بنا كعرب ومسلمين، وأبناء الخليج العربي؟

ونحن هنا حين نستدعي الذاكرة يتوضح لنا بجلاء، أن جزءا من الكارثة التي تعيشها الأمة العربية، ونحن جزءٌ من هذه الأمة، وجزءٌ من الشرق المسلم، هي ضمن تداعيات ضخمة، لعب فيها الدور الغربي الاستعماري، وغياب الحريات والشراكة الشعبية، فكانا مركز الأزمة وأبرز مسببات السقوط لجغرافيا الدول والشعوب، التي تنزف من أقصى العرب إلى أقصاهم، وبالتالي لا منتصر اليوم في هذه المواجهة، ومن سيَسلم من حربها الصغيرة بحسب رأيه، لن يسلم قطعاً من السيناريو الكبير.

ولتحديد رؤية منظمة، تؤسس التحليل السياسي على قاعدة الصالح العربي، والواجب الإسلامي والإنساني، ومستقبل شعوب المنطقة في منع أي تداعيات مستقبلية، وتحويل الموقف إلى منهجية معالجة لا تصعيد،

نُدرج أفكار المقترح هنا:

1 - إرث الخلاف وخاصة في ملف التغطيات الإعلامية قديم، وفي الموقف من السياسة الخارجية، بين قطر وبين المملكة العربية السعودية، وسأركز على الموقف بين قطر والسعودية وشخصيتها الاعتبارية الكبيرة، لأنه وكما يعلم كل المراقبين، أن أي تفاهم ومعالجة للأزمة سيكون عبرها، وبقية شركاء المملكة سيتعاملون مع رؤيتها.

2 - الاضطراب في الموقف الأميركي يضر الجميع، ويقدم نموذجا خطيراً، في أن هذه القواعد الأميركية في كل الخليج العربي، لا تضمن أمناً ولا تقدم توازناً استراتيجياً، لأي من دوله، ولا حتّى حقيبة شركائه.

3 - وستبقى لكل دولة حساباتها في التعامل مع الاتفاقيات العسكرية، والتواجد العسكري التركي ليس مطلوباً لذاته، لكننا نضع هنا القاعدة العسكرية التركية، وأمام التواجد العسكري المتعدد، في دائرة المساهمة الإيجابية في دفع الأطراف نحو الحل السياسي، ومنع أي اشتباك مسلح يكون شرارة الحرب الكبرى لا سمح الله، وبقاء التواصل والجسور بين الرياض وبين أنقرة ضرورة لهما جميعا، كما هو ضرورة ومصلحة لدولة قطر.

4 - يقوم التفاهم الأولي، على أن تَخلّي أي دولة عن سيادتها، أو مؤسساتها الإعلامية وسياستها الخارجية، لا يُمكن تحقيقه فلن تغلق قطر شبكة الجزيرة، ولن تغلق السعودية شبكة الأم بي سي، ولكن ذلك لا يعني أن التفاهم، وتسوية الملفات في التغطيات الإعلامية ولغتها، منتف، بل ممكن جداً تحقيقه.

5 - موقف أُسرتي الحكم والقيادات الحالية، يُثبت بوضوح في الاحترام وعدم التدخل أو التأثير في مستقبل تسلسل النظم السياسية، والابتعاد الكامل عن أي استقطاب سياسي أو عاطفي، وترك هذا الشأن كلياً لكل دولة تنظم ملف مستقبلها السياسي. 

6 - فك الاشتباك السلبي بين قطر والسعودية، في الحالة الدينية والمذهبية، فنحن جميعاً في الخليج العربي عرب مسلمون، هناك طوائف مسلمة ومدارس قديمة للمذاهب الأربعة جمعتنا، وهناك مدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحم الله الجميع، الذي تُمثل السعودية مركز تاريخه ودعوته وارتبطت دون غيرها به، وليس لدى قطر الدولة، أشكال في معالجة أي التباس في هذا الشأن، وللناس انتماءاتهم الخاصة، وحرية تمذهبهم، دون أي تسييس لذلك، ولا أعتقد أن قضية تغيير اسم جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب، إلى جامع الإمام قاسم آل ثاني رحمه الله، مشكلة أبدا.

7 - في هذه الحالة ذاتها، نشأ اليوم جيل سلفي من ذات أبناء قطر، فضلا عن الإرث الفقهي السني القديم، الذي كان سائدا في قطر، هؤلاء الشباب والمشايخ قادرين على تغطية حاجة المجتمع المحلي للخطاب الروحي، الذي نأمل أن يكون في السعودية وقطر، معززاً نحو الاعتدال والأخلاق واحترام حقوق الإنسان، وتعزيز قيم التعايش، التي أمر بها الشرع مع الطوائف وكل الأسرة الإنسانية.

8 - نسيجنا الاجتماعي الحضري والعشائري، لا يُمكن فصله وخاصة أن المنطقة جرت بها تقسيمات تاريخية، ويراد لها تقسيم أسوء وحروب أشنع، وهذا التنوع في المواطنة، لا يمنع من توحد أرحام الناس، وتواصل شمل جذورهم في علاقاتهم الاجتماعية وأواصر القربى.

وهي أعراف عاشتها المنطقة العربية لمئات السنين، مع تشجيع ثقافة الود ولسان الأدب ومروءات العرب، والفضل بينهم، لا هجاء بعضهم لبعض والعودة إلى الجاهلية الكبرى.

9 - المجتمع القطري اليوم، لديه فريقه الوطني وإعلاميّيه، وأنتج وعياً وسلوكا وتضامنا متقدما مع أميره في هذه الأزمة، وسيتحول ذلك إلى منهج سلوكي وثقافي إيجابي، لكل الخليج العربي ولقيادة المؤسسات الاعلامية، للمرحلة القادمة بعد المصالحة المرجوة.

10 - هناك أساسيات لن تغادرها قطر، أولها أن فلسطين دولة عربية محتلة، العدو هو المحتل الإسرائيلي الذي يسعى لتهويد القدس ويُطارد شعبها، والمحور العربي الفلسطيني هو المقاومة التي تقودها حماس، فدعمها الإعلامي والسياسي والإنساني، عقيدة مشتركة للشعوب العربية مع قطر. كما أن روح مشروع قطر الجديدة، في الانفتاح بين الحداثة والانتماء الإسلامي مستمر، كما هو الدعم الإنساني الخيري للشعوب الممتحنة، وهي لا تمثل أي إشكال أو استفزاز للمملكة العربية السعودية، بل العكس قد تكون تجربة مفيدة للتحول المدني مع القيم الإسلامية.

11 - ستبقى هنا ملفات التغطيات الإعلامية وخاصة عن مصر، وهذه قضايا يمكن التفاهم عليها وتسويتها، فالمشروع الوطني المصري مسؤولية أبنائه، وليس مسؤولية قطر، ولم تقل الدوحة أنه مسؤوليتها يوماً، والمعارضة بكل أطيافها، مسؤولة عن إنتاج مشروعها الوطني السياسي، والحكم المصري مسؤول عن وقف الأزمة، التي تضرب مصر منذ انقلاب يوليو، وبالتالي يتم التفاهم عن هذه التغطيات بلغة الحوار، ومساحة التوافق ممكنة جداً.

12 - إذا نجحت المصالحة الخليجية، فهناك فرصة كبيرة لمصالحة نسبية مهمة، ترعاها تركيا والسعودية في مصر، بدعم وتفاهم بين الرياض والدوحة، لن تتفق الأطراف المصرية على كل ملفاتها، وسيبقى صوت المعارضة والتلاسن مع النظام، ولكن المهم إنقاذ مصر من سيطرة العنف الرسمي وعنف داعش، وتحويل الصراع إلى سياسي.

بعد ضمان إطلاق كافة المعتقلين السياسيين وأمنهم الاجتماعي والوطني، كجزء من النسيج الوطني المصري، ويبقى لكل تيار كما هو حكومة نظام السيسي، صراعاتهم السياسية واختلافاتهم، دون إقحام السعودية أو قطر فيها.

13 - فيما يتعلق بإيران، فإن من المعروف، أن هناك سياسات خاصة للدول، تنتهجها في الأزمات، والظروف القهرية، كما هو الحال في وضع قطر، التي اضطرت لذلك، وما يتم من سياسات وجسور دبلوماسية للظروف الجغرافية الحتمية، أمرٌ مختلف عن الموقف من سياسات إيران الطائفية والعدوانية، والتي كانت طوال سنوات محل تعرية، ونقد شرس من الاعلام القطري بما فيه الجزيرة.

واليوم تَستثمر إيران الأزمة، وستتوسع مصالحها مع الغرب ومع روسيا بسبب الحصار، فالغرب يتعامل اليوم بحيوية، رغم كل ملاسنات ترامب مع طهران، وستستمر الاتفاقية الأميركية الإيرانية واستثماراتها، فلماذا يدفع الخليج العربي حسابات فواتير ليست له، بل مضرة به، وبالتالي رفع هذا الحصار أول خطوات تحييد إيران.

الأمر الثاني هناك تداعيات كبرى، وسوريا اليوم تحت السقوط الكامل لصالح إيران، بعد أن انهارت الثورة السورية جراء التآمر الدولي، لكنه تآمر اعتمد على توظيفات اخترقت الثورة السورية، من السلفية الجهادية وغيرها، وأخطاء كبرى من داخل النسيج الثوري السوري، الذي حالة تشظّيه لم تُسبق في تاريخ المقاومات في العالم، والأزمة الأخيرة في الخليج، تؤثر على إمكانية إعادة تنظيم ملف الثورة لصالح الشعب السوري.

وعليه فإن مقاومة التمدد الإيراني، تحتاج إلى معارك سياسية ذكية، في اليمن وغيره، حتّى لو كان الأمر يتطلب تفاهماً معها في بعض الملفات، لتحقيق انسحاب لصالح الشعوب العربية، بدلاً من حرب موسمية لن تُسقط إيران ولكن ستُسقط الخليج العربي.

فالتفاهم الخليجي بين الكويت وعمان وقطر، وبين السعودية والإمارات والبحرين مهم جدا، بعد المصالحة، على الأقل لتنظيم خلافاتهم، وفي أن يدعموا معاً حل سياسي في اليمن، يخرجها من هذه الحرب ومن تغول إيران، التي لم تتمكن منه، كما فعلت في سوريا والعراق حتى اليوم، وقضيتنا كعرب ومسلمين ليست حرب على الفرس، ولا على الشيعة المسلمين، هذه مصطلحات تخدم المشروع الغربي الكارثي الكبير، وإنما مع سياسات إيران التوسعية.

كل ما ذكرته هو منظومة فكرية سياسية مقدمة لأصحاب القرار، أما الاجتماع المركزي فالمرشح الأول له هو الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت، الذي حظي بتضامن وتقدير الشعب العربي في الخليج.

وبإسناد مباشر من أشقائه في سلطنة عمان، فتُوقع برعايته وثيقة الصلح، التي لا يمكن أن تحل كل الملفات، ولكن تَسحب فتيل الحريق، وتبدأ بتفاهمات أساسية، بدعم دولي واقليمي من برلين وباريس ومن أنقرة، ولواشنطن مساحة للدعم، إن قررت أن تَخرج من لعبة الحرب الكارثية على العالم.

كلمة أخيرة مع الصلوات المبذولة لله عز وجل، في رمضان المبارك بتفريج هذه الأزمة، أن يدرك الجميع أن قضية التقسيم الحالي ليست جغرافيا سياسية وحسب، ولكنها حرب دماء تتسلسل، لا تُبقي ولا تذر، ومسألة الخلاف الأول عما جرى من أحاديث خلال أزمة الصراع الأولى بين قطر والسعودية بعد 1995، وعن الخرائط الجديدة فيها، تم تسويتها في اتفاق جدة بين الدوحة والرياض.

واليوم من يتربص بهذا الأمر ليست الدوحة مطلقاً، ولكن خصم خطير لديه ضوء أخضر دولي، وهذه المصالحة التي نرجو أن تتم سريعا، الرياض هي الكاسب الأكبر منها، كما هي أشقاؤها، ولعل الله يُبقي بعض هذا التماسك لأهل الخليج العربي، قبل أن يدون التاريخ ما قبل محرقة الخليج وما بعدها، اللهم هل بلغت.. اللهم فاشهد.

مهنا الحبيل- الوطن القطرية-