السلطة » خلافات سياسية

لعبة العروش السعودية: أي مستقبل ينتظر المنطقة على يد «بن سلمان»؟

في 2017/06/24

روبن رايت - ذا نيويوركر - ترجمة فتحي التريكي-

في عالم السياسة الشرق أوسطية، ينظر إلى «محمد بن سلمان» إما على أنه مصلح شاب طال انتظاره يهز المجتمع الأكثر استبدادا في العالم، أو بوصفه متهور عديم الخبرة يمكن أن يؤدي صعوده السريع إلى تقويض استقرار المملكة الغنية بالطاقة. في كلتا الحالتين، يقف الأمير البالغ من العمر 31 عاما اليوم على أبواب الحكم المملكة، ربما لمدة أكثر من نصف قرن بعد هزة مفاجئة في العائلة المالكة.

وكان الملك «سلمان»، الضعيف البالغ من العمر 81 عاما، قد أطاح بابن أخيه البالغ من العمر 57 عاما الذي سحق خلايا القاعدة في المملكة العربية السعودية قبل عقد لصالح الأمير «محمد»، ابن الملك السابع والمفضل. وكانت العائلة المالكة المترامية الأطراف تتقاسم السلطة بشكل تقليدي بين الجيل الأول من أبناء «عبد العزيز بن سعود»، المؤسس للمملكة العربية السعودية الحديثة. وعندما توفي ابن سعود عام 1953 فإنه ترك 43 ابنا وعددا أكبر من البنات. ومنذ ذلك الحين، تم توزيع السلطة والنفوذ والاستحقاقات المالية بشكل متوازن ودقيق بين الأفرع المختلفة للعائلة المالكة.

والآن، في مرسوم ملكي، تجاوز الملك أخوته الأحياء ومئات من أمراء الجيل الثاني الذين يتطلعون إلى الملك وحتى أبنائه الأكبر سنا. يعد الأمير «محمد» أصغر وريث واضح في التاريخ السعودي على مدى عقود. في بلد يحكمه الرجال الذين نشئوا دون مكيفات هواء أو اتصالات هاتفية، فإن ولي العهد اليوم نشأ على ألعاب الفيديو ويحمل آيفون ويتحدث عن إعجابه بـ«ستيف جوبز».

وقت مضطرب

ولكن ليس الجميع سعداء بذلك. تأتي لعبة العروش السعودية في وقت مضطرب تتورط فيه المملكة في حرب مفتوحة ومكلفة في اليمن، وقد أجبرها انخفاض أسعار النفط على حرق أكثر من مائة مليار دولار من احتياطاتها الأجنبية، وأيضا في خضم تحول مجتمعي مشوب بالتوتر، في بلاد يقع 60 من سكانها تحت سن الثلاثين، ومعظم طلاب الجامعات فيها من الإناث. ومع كل مظاهر الثراء في البلاد، يبقى ثلث الشباب عاطلون عن العمل في حين لم تمنح المرأة بعد حق قيادة السيارة.

السؤال الكبير هو: لماذا تم اتخاذ هذا القرار الآن؟ وهل كانت زيارة الرئيس «ترامب» الشهر الماضي، التي نظمها الأمير «محمد»، نقطة التحول؟ هل كان القرار متأثرا بعمر الملك الذي يقال إنه يعاني من الخرف؟ هل كان ذلك مدفوعا بالحاجة إلى استيضاح مستقبل المملكة في الوقت الذي يواجه فيه الشرق الأوسط تحديات وجيهة لدوله وحدوده والملايين من سكانه؟ هل كان هناك تأثير لأم الأمير «محمد» المؤثرة، زوجة الملك الثالثة؟ ربما، كان كل ما سبق.

وقال «علي الشهابي»، المدير التنفيذي لمؤسسة أرابيا في واشنطن: «ربما شعر الملك، مع كل التحديات المطروحة على الطاولة، أن مسألة القيادة والخلافة صارت أمرا بالغ الأهمية». وأضاف: «بعد أن قادها رجال مسنون على مدى الخمسين عاما الماضية، تحتاج المملكة العربية السعودية إلى أن يقودها شاب أصغر منفتح على أفكار جديدة وعلى استعداد لتحمل المخاطر».

وكان ولي العهد الجديد مجهولا تماما قبل أن يصل والده إلى العرش في يناير/كانون الثاني عام 2015. وكان ثلاثة من إخوته الأكبر سنا -من زوجة الملك الأولى- أكثر شهرة واعتبروا أكثر إنجازا. وكان الأول أول رائد فضاء عربي يطير على متن مكوك فضائي عام 1985. وأصبح الثاني نائب وزير النفط في البلاد، في حين أن الثالث هو عالم سياسي درس في أكسفورد. على النقيض، فإن «محمد بن سلمان» تلقى تعليمه في المملكة وكان مجرد مستشار لأبيه.

التحول

حدث التحول بين عشية وضحاها. وبعد صعود الملك «سلمان»، عين الأمير «محمد»، الذي  كان لا يزال في العشرينات من عمره، ليكون صانع القرار الأول في البلاد في مجالات الدفاع والنفط والتنمية الاقتصادية، مع سيطرة كاملة على الديوان الملكي وجدول أعمال الملك. أصبح الأمير الشاب أصغر وزير دفاع في تاريخ البلاد وأصغر حامل لهذا المنصب في العالم مع كونه لا يحمل أي خبرة عسكرية. كما تم اختياره لرئاسة مجلس جديد للشؤون الاقتصادية والإنمائية ورئاسة مجلس أعلى جديد لشركة أرامكو السعودية، وهي الهيئة التي تشرف على أكبر شركة منتجة للنفط في العالم. ويوفر المنصب الأخير وحده نفوذا يتجاوز الحدود السعودية حيث تضخ شركة أرامكو نحو عشرة ملايين برميل من النفط يوميا، أو نحو واحد من كل تسعة براميل تستهلك يوميا في جميع أنحاء العالم، وفقا لما ذكرته صحيفة «فاينانشيال تايمز».

وسرعان ما أصبح «بن سلمان» مبعوثا دبلوماسيا واجتمع مع جميع زعماء العالم من «باراك أوباما» إلى «فلاديمير بوتين». وبعد الاجتماع الذي عقده في عام 2015، قال الرئيس أوباما لشبكة العربية السعودية أن الأمير «كان حكيما أكثر مما يبدو من عمره». وبعد محادثاتهما في موسكو الشهر الماضي، قال بوتين للأمير محمد: «نحن نقدر أفكارك».

وأثبت ولي العهد الجديد أنه جريء. وقد وضع رؤية 2030، وهي خطة لإصلاح وتنويع الاقتصاد السعودي الذي يركز على النفط، تشمل خطة لبيع أسهم في شركة أرامكو، المملوكة للدولة، من أجل جلب الأموال لتطوير القطاع غير النفطي. وقال الأمير لصحيفة إيكونوميست إنه يتبنى «ثوة خصخصة تاتشرية» تشمل مجالات الرعاية الصحية والتعليم، والعديد من الصناعات المملوكة للدولة.

وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، رسم الأمير الشاب مسارا عدائيا في شرق أوسط متقلب بالفعل. وكان الأمير هو الصوت المهيمن في إقناع الملك للذهاب إلى الحرب في اليمن، في عام 2015. كما اتخذ موقفا أشد ضد إيران، حيث اتهمها بأنها تسعى الى السيطرة على الأماكن المقدسة الإسلامية في مكة والمدينة ملوحا بنقل المعركة إلى داخل إيران. وهو الذي يقف بشكل رئيسي وراء الأزمة الأخيرة مع قطر.

هل كان يستحق؟

ربما يكون لدى الأمير الصغير دائرة داخلية تدعمه. يقول «والتر كوتلر»، وهو سفير أمريكي سابق في المملكة العربية السعودية: «يبدو لي أن وجود شاب صغير بدلا من ملك قديم سيكون أمرا له شعبية». وقام «بن سلمان» بتقديم أشكال جديدة من الترفيه بما يشمل الحفلات ومدن الملاهي. يقول «بروس ريدل: «إن الحشد الثلاثيني في البلاد شش بالملل ويبحثون عن شيء يقومون به. ويؤكد: «لديهم أموال أقل في جيوبهم، لذلك لا يمكنهم الذهاب إلى لندن أو دبي لفترة أطول».

وبالنسبة لجميع الأفكار الكبيرة التي قدمها ولي العهد، فإنها لم تخرج حتى الآن سوى القليل من النتائج الكبيرة. يضيف «ريدل»: «كانت حربه في اليمن كارثية على بلاده، وثبت أن حكمه كان متهورا في قطر. ولا تزال رؤية 2030 قيد العمل إلا أنها لم تفرز بعد أي نتائج حقيقية».

ويؤكد «ريدل»: «في مرحلة ما سوف يتساءل رجال الدين والعائلة المالكة عما إذا كان هذا الشاب يستحق الحصول على هذا المنصب».

وفي الوقت الذي يتطلع فيه لمستقبل مختلف، فإن الأمير «محمد» محاصر من قبل ثقافة الماضي. وحول حقوق المرأة، اعترف بأن «بعض الأشياء، حتى لو أردنا التغيير، لا يمكننا أن نغيرها». وتشكل النساء 18 في المئة فقط من القوة العاملة السعودية، وهي واحدة من أدنى المعدلات في العالم.

في غضون ساعات، اصطفت المؤسسة السعودية لاحتضان التغيير القيادي. وقد تعهد ولي العهد المبعد «محمد بن نايف» الذي جرد من منصبه كوزير للداخلية، بالولاء لولي العهد الجديد. وصوتت هيئة البيعة أيضا بالموافقة باستثناء 3 أشخاص لم يتم تحديد هويتهم.

يقف «ترامب» أيضا في صف ولي العهد الجديد، وقد قام بالاتصال بالأمير «محمد بن سلمان» في غضون ساعات من تعيينه. وقال البيت الأبيض إنه «تعهد بالتعاون الوثيق من اجل تحقيق أهدافنا المشتركة المتعلقة بالأمن والاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط وخارجه».