السلطة » خلافات سياسية

واشنطن فقدت قدرتها على لعب دور «الوسيط» في الأزمة الخليجية

في 2017/06/24

بروكينغز-

في يوم الاثنين 5 يونيو/حزيران، قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع دولة قطر، زاعمةً أنّ سياسات الدوحة الإقليمية تغذي التطرف والإرهاب. وفي غضون أيام، انضمت دولٌ أخرى للمقاطعة أو خفضت العلاقات، ويبدو أنّ الصدع آخذٌ في الاتساع.

وقبل ذلك بأسبوع، انفجرت وسائل الإعلام الخليجية، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، وسط أنباء عن أنّ أمير قطر «تميم بن حمد آل ثاني» أدلى بتصريحاتٍ ضد أمريكا في خطابٍ له، كما قدم الدعم لإيران وحماس والإخوان المسلمين. ونفى المسؤولون القطريون هذه التقارير، وأفادوا باختراق وسائل الإعلام الحكومية. ومع تحول تلك الأزمة سريعًا إلى خلافٍ مع الدول الخليجية والعربية المجاورة، أصبح من الواضح الحاجة إلى وساطة جدية لتفادي المزيد من المشاكل.

تكرار أزمة 2014؟

وشهد مجلس التعاون الخليجي، شأنه في ذلك شأن المنظمات الإقليمية الأخرى، حصته من الانقسامات والخلافات. وقد تفجرت الخلافات في الماضي حول ترسيم الحدود، واستغلال الطاقة، ونهج السياسة الخارجية. بيد أنّ الأزمة الحالية هي الأسوأ والأكثر تهديدًا من حيث السياسة والأمن والاقتصاد.

وفي عام 2014، اندلع خلافٌ دبلوماسيٌ بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى. وعلى غرار النزاع الحالي، تركز أيضًا على الادعاءات المتعلقة بالسياسة الخارجية القطرية، مع بيان من مجلس التعاون الخليجي يتهم قطر بعدم تنفيذ «اتفاق نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013 بعدم دعم أي جهة تهدد أمن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي، سواءً جماعات أو أفراد، من خلال العمل الأمني ​​أو النفوذ السياسي، وعدم دعم وسائل الإعلام العدائية». وفي ربيع عام 2014، سحبت دول مجلس التعاون الخليجي الثلاث سفراءها من الدوحة.

واستمر هذا الصدع نحو 9 أشهر، وفي الوقت نفسه، نشأت مخاوف بشأن مستقبل مجلس التعاون الخليجي والعلاقات الدبلوماسية على نطاقٍ أوسع. وكان أحد أسباب عدم حدوث المزيد من التدهور هو أنّ الجهات الفاعلة المحلية غير المنحازة قد لعبت دورًا وسيطًا لحل المشكلة. وقد لعبت الكويت على وجه الخصوص دورًا رئيسيًا في إدارة وحل نزاع عام 2014، وهي تلعب هذا الدور مرة أخرى في الأزمة الحالية.

معنى الوساطة

ولا تكون الوساطة في صراعٍ ما سهلة أبدًا. ومع ذلك، يمكن العمل في إطار الوساطات التقليدية بالتفاوض مع أطراف الأزمة بطريقة لا تهدد مصلحة الوسيط. وقد دعا بالتأكيد وزير الخارجية الأمريكي إلى الوساطة للخروج من المأزق الحالي.

ومع ظهور الانقسامات بين الشباب والشيوخ في أسر الحكم الخليجية، نجد أنّ الخلاف الدبلوماسي الذي نراه اليوم ينطوي على هياكل للسلطة تعتمد على العوائل الأسرية والقبلية التي تجاوزت الحدود الحديثة. وتقوم هياكل السلطة هذه أيضًا على مفاهيم ثقافية جامدة للسلطة والمساومة والوساطة والفخر.

وقد يلعب الدين والتوقيت دورًا أيضًا، حيث يعتبر الغفران والمصالحة أصيلان في شهر رمضان المبارك. ويمكن للقادة العرب والمسلمين التذرع بهذه الأمور من أجل البحث عن طريق للخروج من النزاع الحالي بطرقٍ لا يستطيع الآخرون المطالبة بها بصورة مشروعة.

الشيخ المكوكي

ومن بين الأفراد الجاهزين بشكلٍ واضح للقيام بدور الوساطة هو «صباح الصباح» أمير الكويت. وقد لعب هذا الزعيم المحلي الذي لا يعرف الكلل على ما يبدو دورًا حيويًا في الجهود الرامية إلى حل نزاع عام 2014. وفي الانقسام الأخير، أخذ يطوف عواصم الخليج مرةً أخرى. وهو يعتبر أكثر من مجرد وسيط، فيمكنه الاستفادة من معايير الحجج الثقافية والدينية والهوية القائمة على العروبة والقرابة الخليجية والتي يتجاوب معها جميع الأطراف.

ولا تهدد الكويت أيًا من الأطراف الرئيسية في الصراع الحالي. وتعكس الوساطة الكويتية نهجًا ثقافيًا هامًا تجاه النزاع، وهو أنّه في هذه المراحل المبكرة يمكن أن يسير الحوار بشكلٍ جيد. وبسبب دورها في حل النزاعات السابقة، تعد الكويت وسيطًا فعالًا. وتفهم قيادتها الفروق السياسية والقبلية والعائلية والدينية والثقافية في منطقة مجلس التعاون الخليجي، بعكس الجهات الفاعلة الخارجية الأخرى.

وفي عام 2014، سعى الأمير بنشاط وقاد جولات من المفاوضات التي توجت بعودة السفراء العرب إلى العاصمة القطرية، وإلى إشارة عامة في قمة مجلس التعاون الخليجي إلى أنّه تم التغلب على الخلافات. واليوم، يواجه «الصباح» العديد من المواضيع وقضايا الخلاف نفسها. ومع ذلك، فمن غير الواضح هذه المرة ما إذا كانت الجهات الفاعلة الدولية مثل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي تساعد في أو تعيق حل على الصراع.

جذور الصراع

وهناك إجماعٌ هام على أنّ أزمة مجلس التعاون الخليجي الحالية تضر بجميع الأطراف المعنية. وبالتالي، هناك ضرورة حتمية لحلها عاجلًا وليس آجلًا. وقد تتفاقم التكلفة الاقتصادية للنزاع بين قطر وجيرانها الخليجيين إلى مليارات الدولارات، مع تأثر عائدات التجارة والاستثمار. وقطر هي أغنى بلد في العالم من حيث دخل الفرد الواحد، لكن لا ينبغي لها ولا جيرانها الخليجيين أن يقللوا من شأن تأثير الصدع على اقتصاداتهم المحلية في الوقت الذي تنخفض فيه أسعار الطاقة.

ويمكن للقادة العرب المحليين أن يلعبوا دورًا وسيطًا حاسمًا في إنهاء دوامة الانهيار. وقد اعتمدت النزاعات السابقة، بما في ذلك عام 2014، على نهج الوساطة والنهج التقليدي للمفاوضة من قبل الجهات الفاعلة العربية مثل الكويت. ومن المرجح أن يكون هذا النهج ناجحًا، لأنّ الوسطاء العرب يمتلكون سلطة تتجاوب مع المعايير المحلية في حل النزاعات. فهم يفهمون قوة التدخلات الخاصة وفق أبعاد الهويات المحلية والخليجية، بما في ذلك الشبكات الأبوية ودور الإسلام.

ولن تكون الأطراف الخارجية هي الأفضل في حل هذا الصراع. وقد أعلن الرئيس «ترامب» في وقتٍ مبكر من الصراع، عبر سلسلة من التغريدات، انحيازه لمنافسي قطر. ثم حاول الرئيس «ترامب» التدخل من خلال المكالمات الهاتفية المباشرة معهم، بما في ذلك تقديم جهود استضافة حوار في البيت الأبيض. كما تأثر الموقف الأمريكي من الأزمة بسبب عدم الاتساق الواضح بين وزير الخارجية «تيلرسون» وتصريحات الرئيس «ترامب». ويبعد هذا الانحراف أي فعالية لأي دور وساطة محتمل للولايات المتحدة. علاوةً على ذلك، يقوض ذلك مبدأ التحكيم المحايد، وهو أمرٌ محوريٌ في الإدارة الفعالة للصراعات.

وحتى إذا قررت إدارة «ترامب» لعب دور في حل الأزمة الأسوأ تأثيرًا على مجلس التعاون الخليجي، لا تزال مشاركة الكويت أو أي جهة فاعلة محلية أخرى مفيدة. لكن عمومًا، أفضل نهجٍ هو أن تتراجع واشنطن وتتخذ موقفًا أكثر حيادًا، من أجل إعطاء الجهود الإقليمية لتسوية النزاع فرصةً حقيقية للعمل.