السلطة » خلافات سياسية

أزمة قطر تعزز نفوذ تركيا و«بن سلمان» يثبت ملكه بالتصعيد ضد إيران

في 2017/07/01

ستراتفور- ترجمة وتحرير شادي خليفة -

يقدم ستراتفور تحليلًا عامًا للأوضاع المختلفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للربع الثاني من عام 2017، يبدأها في هذا الجزء بأزمة مجلس التعاون الخليجي والعلاقات السعودية الإيرانية، ونستكمل في جزء لاحق التوقعات بشأن الحروب في ليبيا وسوريا ومعركة الموصل، وكذلك تحضيرات (إسرائيل) في المنطقة.

أزمة بين الحلفاء

مع اقتراب الربع الثاني من العام من نهايته، أثار النزاع بين قطر وعدد قليل من أقرانها في مجلس التعاون الخليجي قلق بقية المجتمع الدولي. لكنّ هذه الخلافات ستبقى دون حل في الربع المقبل، حيث يرتبط النزاع بالخطوط العريضة التي وضعها تحالف مكافحة الإرهاب لاسيما الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، الزعيم الفعلي لمجلس التعاون الخليجي، حيث يأملان في إدارة الصراعات العديدة في الشرق الأوسط مع محاولة المملكة تأكيد سلطتها بين الدول الخليجية من خلال إخضاعها، بينما تستمر قطر في المحاربة من أجل الحفاظ على مكانتها السياسية الخارجية الفريدة التي منحتها لنفسها خارج حدود الظل السعودي.

وسيؤدي دور الولايات المتحدة في المنطقة دورًا كبيرًا في تشكيل نتيجة المواجهة. فمن جهة، تثق السعودية وحليفتها الإمارات في دعم البيت الأبيض لأجندتها لاحتواء أنشطة الإسلاميين السياسيين والمسلحين وكذلك إيران. ومن ناحيةٍ أخرى، يتمتع الجيش الأمريكي ببصمة عميقة ودائمة في قطر، ولن يسمح للمسار الدبلوماسي الأخير أن يمحو ذلك. لذلك، طالما أنّ كلا الجانبين يمكنه الاعتماد على دعم واشنطن، فسيصر كلًا منهما على موقفه، مما يؤكد عدم جدوى محاولات البيت الأبيض بتشكيل «الناتو العربي» من بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي المنقسم، ليكون قادرًا على إدارة المواجهة ضد إيران وتحييد التهديد الجهادي.

وستقف تركيا، التي تتشارك مع قطر في دعمهما للمجموعات الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة، إلى جانب صديقتها في هذه المشاجرة بين دول مجلس التعاون الخليجي. وبذلك ستنكشف الهوة العميقة بين القوى السنية التي تعتبر الإسلاميين تهديدًا وجوديًا وتلك التي ترى هذه الجماعات جزءًا لا يتجزأ من مجتمع الشرق الأوسط. وبالنسبة إلى أنقرة، تعد الفرصة سانحة لكي تقوم تركيا بتوسيع نفوذها في الخليج مع تنامي التنافس الهادئ مع إيران في سوريا والعراق.

غير أنّ المواجهة الأكثر وضوحًا لأنقرة مع نظرائها السنة ستحفز السعودية والإمارات على تعزيز مشاركتهما في الصراعين السوري والعراقي على أمل تحقيق التوازن بين تركيا وإيران. وبينما تتحول قطر إلى تركيا وإيران وروسيا للمساعدة الدبلوماسية واللوجيستية في نزاعها مع دول مجلس التعاون الخليجي، ستصبح السعودية أكثر اقتناعًا بالحاجة إلى التشدد أكثر في علاقتها بالدوحة.

وسوف تستمر الآثار التجارية والدبلوماسية للخلاف في الربع الثالث أيضًا. ونظرًا لاعتماد قطر على مكانة الإمارات كمركز إقليمي للشحن، تواجه سلاسل التوريد التي تشمل المنتجات التي يتم شحنها برًا أو جوًا من قطر، مثل الهليوم، خطر حدوث اضطرابٍ حاد مع استمرار الخلاف. وستكون تجارة النفط والغاز الطبيعي المسال أقل تأثرًا، حيث تملك قطر مرافق مخصصة للتصدير المباشر ولديها القدرة على التكيف مع القيود المفروضة على الموانئ الإقليمية (وإن كان ذلك بتكلفة أكبر). لكن ستشهد قطر هزة في قطاعها المالي، وذلك بفضل الاعتماد الكبير لصناعتها على الاتصالات مع القطاعات المصرفية في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصةً في الإمارات. كما أنّ الضربة التي تتعرض لها الخطوط الجوية القطرية من خلال فرض الحظر على استخدام المجال الجوي السعودي والإماراتي والبحريني ستضيف أيضًا إلى الضغط الواقع على الدوحة للاستسلام لطلبات الكتلة.

ومن بين هذه المطالب، إيقاف التغطية من قبل وسائل الإعلام مثل قناة الجزيرة، وقطع العلاقات مع الجماعات الإسلامية، ومواءمة السياسة الخارجية للدوحة مع الرياض. وربما تبدي الدوحة استعدادا لمعالجة البندين الأولين، عبر تقييد بعض المنظمات الإخبارية مع التخفيف من وجود الجماعات الإسلامية داخل حدودها، كما فعلت في السابق. لكن قد تمضي السعودية والإمارات خطوةً أخرى إلى الأمام، بدفع قطر للانسحاب من علاقتها مع إيران وطرد الإسلاميين البارزين والحد من تعاونها العسكري مع تركيا، وهي شراكة تقف عقبة أمام السعودية في سعيها إلى أن تصبح الزعيم الأوحد للمنطقة وللكتلة السنية. وبطبيعة الحال، لا تنوي الدوحة أن تستجيب بسرعة إلى أي من هذه المطالب. (ناهيك عن حقيقة أنّ العلاقات مع إيران والجماعات الإسلامية ذات أهمية حاسمة لأجنداتها في الاقتصاد والسياسة الخارجية).

وعلى الرغم من أنّ الأطراف الخارجية مثل الولايات المتحدة وتركيا ستحاول التوصل إلى حلٍ للصراع، ستعمل السعودية والإمارات على الحفاظ على الوساطة داخل أسرة مجلس التعاون الخليجي، مع التركيز على المفاوضات التي تتوسط فيها الكويت وعمان.

الحرب بالوكالة

وفي الوقت الذي تستخدم فيه السعودية دعم البيت الأبيض لمحاولة دعم دورها القيادي في المنطقة، سيزداد التوتر بين المملكة وإيران. وقد وضحت بالفعل مخاطر التصعيد في منافساتهما في ساحات القتال عبر الشرق الأوسط في هذا الربع. ولا تزال قدرة إيران على تجهيز وكلاء إقليميين، مثل المتمردين الحوثيين الذين يقاتلون السعودية في اليمن، تسبب قلقًا في المملكة. وينطبق الشيء نفسه على تأثير طهران على العناصر الفاعلة المحلية في المناطق غير المستقرة القريبة، مثل المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية والبحرين، حيث قدمت الحكومة الإيرانية دعمًا شفويًا للحركات الانفصالية الشيعية، في حين تكافح قوات الأمن السعودية والبحرينية من أجل التعرف على المسلحين واعتقال الخلايا.

كما توفر العمليات الأمنية الجارية في المنطقة الفرصة للمتمردين الشيعة لمهاجمة القوات السعودية. وبناءً على ذلك، ستبقى إيران في وضع شبهة بشكل عميق دائمًا في السعودية، وتراقب الرياض بعناية أي محاولة من قبل طهران لإثارة الاضطرابات في أجزاء الأغلبية الشيعية في شبه الجزيرة العربية، وتستخدم مخاوفها لتبرير دعمها للمسلحين الذين يستهدفون المصالح الإيرانية.

وسوف تشتد لعبة اللوم هذه خلال الربع الثالث. وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، وجهت طهران اتهاماتٍ لم يسبق لها مثيل ضد السعودية بإثارة عدم الاستقرار داخل حدود إيران. وستواصل الحكومة الإيرانية توجيه أصابع الاتهام إلى السعودية بشأن أي تهديداتٍ للاستقرار الإيراني قد تنشأ بغض النظر عما إذا كان هناك أي دليلٍ موجود لدعم ادعاءاتها (كما حدث في هجوم داعش الأخير داخل إيران). وقد تؤدي الادعاءات التي يتم تبادلها بين الطرفين إلى زيادة في الهجمات ضد الجماعات المسلحة التي قد تؤدي بدورها إلى المزيد من الاضطرابات.

وتشمل النقاط الساخنة لرصد علامات هذه الدوامة المتقلبة الأماكن التي استهدفتها إيران بالفعل في غارات مكافحة الإرهاب، مثل المناطق الكردية الشمالية الغربية المتاخمة للعراق، والمناطق في جنوب البلاد التي يقطنها عددٌ كبيرٌ من السكان السنة، ومقاطعة بلوشستان الجنوبية الشرقية المضطربة. وفي الواقع، تزعم إيران بالفعل أنّ لديها دليلٌ على التدخل السعودي في المجتمعات المحلية المسلحة في هذه المناطق.

وسيؤثر صراع الجبابرة هذا على الساحة السياسية أيضًا. ومع اقتراب الفصل الثاني من الانتخابات، وافق المشرعون اللبنانيون على قانونٍ انتخابي جديد ومد فترة ولاية البرلمان إلى 20 مايو/أيار عام 2018. ويقلل التشريع من عدد الدوائر الانتخابية في البلاد من 26 إلى 15، وهي خطوة تسبب القلق للأحزاب الصغيرة في لبنان والمجموعات السكانية الصغيرة. وخلال الأشهر القليلة القادمة، سيعرض المشرعون تفاصيل إجراء الانتخابات البرلمانية، وسيعمل الزعماء الدروز والمسيحيون والسنة على ضمان عدم فقدان أصواتهم بين الأغلبية الشيعية في البلاد. ولعل أهم النتائج المترتبة على مشروع القانون الجديد هو أنّه سيحد من قدرة أي جهة خارجية، بما فيها إيران والسعودية، على فرض أجندتها على الحكومة اللبنانية.

وبطبيعة الحال، لم تنس المملكة التحديات التي تواجهها في الداخل وسط نضالها من أجل الهيمنة في الشرق الأوسط بشكلٍ عام. ومن المتوقع أن تعلن الرياض في الأشهر المقبلة عن طرحها الأولي الأول في الاكتتاب العام لشركة أرامكو، عملاق النفط السعودي، فضلًا عن نتائج المراجعة المستمرة لاحتياطيات النفط في البلاد.وقد دافع ولي العهد الجديد «محمد بن سلمان» عن جهود الاكتتاب العام.

وبعد أن قفز «بن سلمان» إلى الأمام في خط الخلافة في المملكة، مطيحًا بولي العهد السابق «محمد بن نايف» في هذه العملية، يتمتع «بن سلمان» بتفويضٍ جديدٍ لمضاعفة نهجه العدواني تجاه إيران والإصلاح الاقتصادي. ولدى ولي العهد الجديد الآن القدرة على ممارسة نفوذ أكبر على الأمن الوطني السعودي، ولن يضيع الكثير من الوقت قبل تحميل إيران المسؤولية عن التهديدات التي تواجهها.

ولا شك في أنّ «بن سلمان» سيستخدم نفوذه الجديد في محاولة تخويف القوى السنية في المنطقة لدفعها إلى مظلة القيادة السعودية وتوحيد موقفها ضد إيران. وعلى الرغم من أفضل الجهود التي يبذلها، ستعمل دولٌ مثل قطر ولبنان ومصر على تجنب التورط في مواجهة الرياض المتصاعدة مع طهران. ومع ذلك، لن يكون التوازن بين الاثنين سهلًا بالنسبة للبلدان ذات الكثافة السكانية الشيعية والسنية الكبيرة والعلاقات الإيجابية مع كلا القوتين، مثل باكستان والعراق.