السلطة » خلافات سياسية

إلى متى وقطر في قفص الاتهام؟!

في 2017/07/01

خالد بن حمد المالك- الجزيرة السعودية-

منذ زمن، نحو عقدين من الزمان على الأقل، وقطر تمارس ألعاباً خطيرة، غير آبهة بما يلحقه عملها من تعد صارخ، وإساءة بالغة، على غيرها من الدول، ومن دون أن تعرف أن العلاقات الدولية بمفهومها وأدبياتها، والمصالح المشتركة مع الغير، تقتضي منها أن تتعامل برقي ومسؤولية واحترام، وأن تعي بأن ما تفعله يمكن أن يرتد عليها، فضلاً عن أن لصبر الحكيم حدوداً، وأن تسامحه لا يمكن أن يكون مفتوحاً، ومستمراً إلى الأبد.

وهذا ما لا تدركه قطر، أو أنها تدركه، ولكنها وجدت في صمت الأشقاء، وعدم محاسبتها على جرائمها مشجعاً لها للمضي بما جعلها في قفص الاتهام، لا تبرحه، ولا تحاول، بينما الدول الأخرى وصلت إلى مرحلة الغليان، وعدم الاستعداء لإعطاء الدوحة المزيد من الوقت، والكثير من الفرص، كما كان ذلك من قبل، بعد أن وصل تماديها وعدوانها حداً لا يمكن السكوت عليه، أو القبول به، أو التساهل فيه.

فماذا تريد قطر، أكثر من مرونة الأشقاء بقصر مطالبهم على ثلاثة عشر مطلباً لو استجابت لها والتزمت بها لكانت بذلك قد ساعدت نفسها على خروجها من قفص الاتهام، ولو فعل شيوخها ما طُلب منهم بالتنفيذ والاستجابة لشروط دول مجلس التعاون، لكان ذلك إيذاناً بأن قطر لم تعد دولة إرهابية، أو بلداً متطرفاً، أو مكاناً لإيواء الإرهابيين ودعمهم بالمال والسلاح والإعلام، وهي مطالب أيضاً للمواطن القطري الشقيق المغلوب على أمره، غير القادر (إلى اليوم!) في التأثير على حكامه بأن يغيروا من سياساتهم.

غير أن على قطر أن تدرك أن استمرارها في تسخين الوضع في منطقتنا، وجعل دولنا فوهة بركان قابل للانفجار في أية لحظة، وبالتالي التأثير على الاستقرار والأمن، وخلق جو من الفوضى والحروب على غرار ما هو موجود في ليبيا وسوريا واليمن والعراق وغيرها أمر لا يمكن قبوله، أو السكوت عليه، أو تمريره تحت غطاء المفهوم القطري بمصطلحاته ومفاهيمه التي تروج لها وسائل إعلامها وأبواق المستفيدين منها، بينما يصل أبلغ الضرر إلى دول مجلس التعاون، فيمس مصالح المواطنين، ويعرضهم للأخطار والتقلبات، يبدو أن قطر كانت تحتاج إلى قرار قطع العلاقات معها لتصحو على حقيقة أن لا خيارات لديها للمقاومة، فيما عدا القبول بشروط الدول التي قطعت علاقاتها.

سؤالنا: إلى متى وقطر تقبل بأن تظل مطاردة على جرائمها، مسؤولة عن كل ما فعلته على مدى سنوات خلت وإلى اليوم، وهل يريحها أن تبقى في قفص الاتهام على ممارسات تدينها، دون أن تستجيب للقبول بخريطة طريق تنقذها من سجن هذا الاتهام الموثق بالدليل، هذه وغيرها أسئلة نوجهها للعقلاء في قطر، للراشدين، ولمن تهمه مصلحة قطر، لأولئك الذين يسوؤهم أن يصل الحال بالدوحة إلى ما وصلت إليه، بينما لا يصغي مسؤولوها إلى النداء الأخير الذي يفك رقبة الدولة من المحاسبة والإدانة والحكم المتوقع.

علينا أن نستمر في الحوار مع قطر، بلا يأس أو ملل، أو شعور بأن لا أمل في الوصول إلى حل ينقذ الشقيقة من ويلاتها، وإن كانت كل المبادرات لم تجد القبول من شيوخ الدوحة حتى الآن، وأن جميع المحاولات واجهت طريقاً مسدوداً، وكان نصيبها من التجاوب صفراً، فمسؤولية العقلاء أن يبقوا على الأمل، وألاّ يفقدوه، ففي الشعب القطري بأكثريته الساحقة، من لا يرضيهم موقف شيوخهم وتصرفاتهم وتعنتهم في موضوع علاقة بلادهم بالدول الخليجية الشقيقة، وما ترتب عليها من ضرر كبير على قطر ومواطنيها، وأن إصلاح الحال القطري يجب أن يبدأ وينتهي من القبول بالشروط التي تقدمت بها الدول التي قطعت علاقاتها بقطر، فما الذي يتوقع أن يكون لقطر إذا استمرت الدوحة تتآمر وتمارس الإرهاب ضد دول الخليج؟

لا يخامرني أدنى شك، بأن المواطن القطري يمثل الورقة الرابحة والمطلوبة في تعديل الوضع في قطر، برأيه وموقفه وإحساسه بمسؤوليته، وعلى شيوخ قطر أن يعتمدوا عليه، لا على عزمي بشارة والقرضاوي وخالد مشعل وغيرهم ممن أوصولوا قطر إلى هذا الوضع الذي جعل الدوحة تمر بأسوأ مرحلة منذ استقلالها، وإلى اليوم، وبما يؤذن بما هو أسوأ وأخطر، وربما تكون قطر في المستقبل غير قادرة على السيطرة لما يحدث من تطورات خطيرة، بعد أن تتوسع رقعة الحريق، ومسارات المؤامرات الأجنبية، التي لا حيلة أمام البلاد في مقاومتها، فضلا عن السيطرة عليها.

دعوني أكرر السؤال مرة بعد أخرى، إلى متى وقطر تقبل بأن تكون موضع اتهام، فلا تبرح قفصه، ولا تقدم من الأدلة ما يبرئها مما يقال عنها من اتهامات، وإلى متى تستمر في عنادها، فلا تسمح بتنظيف البلاد من الإرهابيين والمرتزقة، من الممارسات الإعلامية القذرة، ومن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة والجارة، ومن إغداق المال بسخاء، والسلاح بلا حساب على كل من يتآمر علينا، إلى متى يحدث هذا، ومعه يستمر الموقف القطري على ما هو عليه، دون بارقة أمل في الرجوع إلى الحق، والقبول بالتسويات التي تنقذ الدوحة من مصيرها المجهول، إلى متى هذا الانتظار الطويل لدول مجلس التعاون ومصر على أمل أن تكون هناك في الطريق قطر مسالمة ومتعاونة، لا دولة تقود الإرهاب وتشجعه بالتمويل والإيواء؟

تتكاثر الأسئلة، تتنوع، وجميعها أسئلة صادمة، أمام موقف شيوخ قطر، أمام تغريد الدوحة خارج سرب المجموعة الخليجية، معرضة مصالحها ومصالحهم إلى الخطر، وفي ذلك خدمة للعدو المشترك، ونافذة واسعة للتدخل الأجنبي، وعلاقات مشبوهة مع كل من يعادي دولنا، فكيف والأمر كذلك يأتي من لا يرى أن يتم التعامل مع قطر بهذه القسوة بعد سنوات من تحمل أذيتها ومؤامراتها وتآمرها على نحو لا تقبل به أية دولة، أو يسمح بمروره أي نظام، وكيف به يكون مقبولاً من دولة شقيقة، من جار أقرب من القريب، كما هي قطر التي لم تترك مجالاً أو فرصة إلا واستثمرتها في التأثير على أمن واستقرار دول الخليج تحديداً ومن دون استثناء.

لم يبق متسع من الوقت أمام قطر، كي تنقذ نفسها بعد انقضاء مهلة الأيام العشرة، وإلا واجهت ما هو أشد من العقوبات، فهل تستفيد من الساعات القليلة المتبقية، أم تأخذ بنصائح إسرائيل وإيران وتركيا والمنظمات والأفراد الذين يصنفون كإرهابيين في التمسك بمواقفها، وبالتالي لا يبقي للعقلاء فرصة لمساعدتها على تجاوز أزمتها الطاحنة، لا أدري، لكننا سوف نواصل الحوار مع قطر حتى وإن انقضت المهلة دون حل أو استجابة من شيوخ قطر ومسؤوليها، فنحن مع مواطني قطر، ولن نتخلى عنهم، خصوصاً مع تكالب المشكلات والصعوبات في حياتهم التي هم أبرياء من أسبابها.