السلطة » خلافات سياسية

بيع الجزر حطم شعبية «السيسي».. ومصر صارت دولة تابعة

في 2017/07/06

ستيفن كوك - مجلس العلاقات الخارجية- ترجمة وتحرير شادي خليفة -

هذا الأسبوع، تحتفل وسائل الإعلام المصرية وعدد من المسؤولين الحكوميين في مصر بالثورة الثانية المزعومة في البلاد. وفي مثل هذا اليوم قبل 4 أعوام، أطاح «عبد الفتاح السيسي» بأول رئيس مدني منتخب في انقلابٍ عسكري، وهو القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، «محمد مرسي». وفي هذا الوقت تم استقبال تحرك الجيش بفرحة شعبية كبيرة، وتحول «السيسي» إلى بطل، وهلل له المثقفون.

واليوم، يجد «السيسي» نفسه في مواجهة مع غضبٍ شعبي كبير، وتآكل خطير في شعبيته التي ملأت أرجاء البلاد يومًا ما. وحتى الآن، امتاز عهد «السيسي» بالقمع وتكميم الأفواه والاعتقالات والاختفاءات القسرية والإعدامات المشكوك في أدلتها، ناهيك عن مئات الحالات من الاختفاء القسري. وشهدت البلاد تزايدًا مستمرًا في الهجمات الإرهابية ضد أفراد ونقاط الجيش والشرطة، وتزايد الهجمات التي تستهدف المسيحيين. كل ذلك بالإضافة إلى تدهور شديد في الأوضاع الاقتصادية للبلاد للمؤسسات والأفراد.

وبدلًا من أن يسعى «السيسي» لتخفيف السخط الشعبي من تلك الأحوال، بادر بالتنازل عن جزيرتين بالبحر الأحمر، تيران وصنافير، لصالح السعودية، وهو ما حفز المعارضة، وضم إليها العديد من فئات الشعب في تخوفها وانتقاداتها للسيسي وحكومته، حيث يرتبط الشعب المصري بالأرض، ويرى أن التنازل عن الأرض أمرٌ معيبٌ وشائن.

وبدأت هذه المشكلة بتوقيع «السيسي» لاتفاقية جديدة مع السعودية لترسيم الحدود البحرية في أبريل/نيسان عام 2016. ومنذ ذلك الحين استمرت الاحتجاجات والاعتراضات وجهود المحامين المعارضين في المحاكم ضد هذا الاتفاق. وقبل 14 يومًا، صدق البرلمان على الاتفاقية رغم المعارضة الشعبية الكبيرة، وصدق «السيسي» على القرار بعدها بـ 10 أيام.

ويصر معارضو التنازل عن الجزيرتين على مصرية الأرض، استنادًا للعديد من الوثائق التاريخية والاتفاقات الدولية التي سبقت نشأة الدولة السعودية، غير أنّ آخرين يشيرون إلى ضعف هذه الوثائق، وأنّ الدبلوماسيين المصريين الذين أبلغوا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 1954 بأنّ الجزر أراضي مصرية، كان بموجب اتفاق ترسيم الحدود بين الدولة العثمانية والدولة المصرية بوساطة بريطانية عام 1906، وأنّ هذا الاتفاق الذي يرسم الحدود بين مصر الآن من جهة، و(إسرائيل) وقطاع غزة من جهة، لم يهتم إلا بإنشاء الحدود البرية، ولم يناقش مطلقًا المياه الإقليمية والمطالبة بالجزر في خليج العقبة، ولم يكن خليج العقبة ذا قيمة استراتيجية أو عسكرية أو تجارية للعثمانيين أو المصريين أو البريطانيين في ذلك الوقت.

خيانة غير مفهومة

ويعد التوتر بين حكومة «السيسي» التي تنازلت عن الأرض ومعارضيها متأصلٌ في قيم القومية الحديثة منذ مشاهد دفاع الفلاحين المصريين عن الأرض أثناء الاحتلال الإنجليزي، والتي ظهرت في العديد من الأفلام التي تؤرخ لتلك الأيام. وتعود شعبية جمال عبد الناصر كونه يرمز إلى ذلك الجندي والقائد العسكري الذي استعاد الأرض وأعاد الأراضي لأصحابها الأصليين، وهم الفلاحين.

لذا يعد مشهد التنازل عن الأرض هنا خيانة غير مفهومة ومحيرة لمواطن الشارع البسيط، الذي لا يصدق تفريط الجيش في ذرة واحدة من تراب وطنه. فالأرض، في المفهوم القومي المصري، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالشرف وفخر الأمة. وهكذا خان «السيسي الصورة التي قدم نفسه بها إلى الشعب كوريثٍ شرعيٍ لقيم الضباط الأحرار، لكنّه فعل عكس ما فعله «عبد الناصر» حين أمم قناة السويس عام 1956. وفي حين قاتل «ناصر» وأغلق المضيق أمام الشحنات الإسرائيلية عام 1956 و1967، وأعلنها صراحةً أنّ الجزيرتين أراضٍ مصرية لا يمكن التفريط فيها، ألقت السلطات المصرية القبض بشكل عشوائي على من خرجوا في الاحتجاجات في أنحاء البلاد للاعتراض على تسليم الجزيرتين للسعودية.

وأثناء فترة حكم «محمد مرسي»، أثيرت الشائعات حوله وحول جماعة الإخوان بالخروج عن قيم القومية وبيع الأرض، حيث أشيع بيعهم لحلايب في الجنوب وأجزاء من قناة السويس وسيناء. لكنّ «السيسي» في الواقع هو من باع. وقد أشير إلى «السيسي» في مقارنة بـ «عواد»، تلك الشخصية في الفلكلور المصري، لرجلٍ باع أرضه ليرضي زوجته الجديدة، لكنّه جلب العار إلى أهله. وكان «السيسي» قد وقع الاتفاق مع الملك سلمان في إطار اتفاقيات استثمارية بنحو 22 مليار دولار، وهو ما سهل تلك المقارنة.

وتعود تلك القضية بالذكريات لفقدان الأرض في يونيو/حزيران عام 1967 لصالح (إسرائيل)، قبل أن تخفف استعادة سيناء عام 1973 من تلك الصدمة. والآن، لا يقتصر الأمر على فقدان الأرض، فالأمر أكثر تعقيدًا. فقد أصبحت مصر دولة فقيرة تعتمد على المساعدات والإحسان من الجيران، وانكسرت صورة تلك الدولة العظيمة التاريخية ذات الحضارة القديمة والسيادة. ولم يعد لها أي نفوذٍ خارج حدودها.

كما يقال أشياء أخرى حول هذا الاتفاق يخص موافقة (إسرائيل) على نقل الجزيرتين وفق بنود اتفاقية كامب ديفيد. ويدور الحديث عن استفادة (إسرائيل) من وجود مضيق تيران كمضيق دولي. وتسبب الحديث عن موافقة (إسرائيل) في إهانة أخرى لسيادة مصر على أراضيها.