السلطة » خلافات سياسية

أزمة قطر: زمن التحالفات السائلة في الشرق الأوسط

في 2017/07/08

ميدل إيست آي- ترجمة أسامة محمد -

ظهر خلاف دول الخليج كاصطفاف نظام إقليمي جديد مع أو ضد قطر. ولكن لا ينبغي أن نندهش إذا تحولت التحالفات بنفس السرعة ويقول عالم الاجتماع والفيلسوف البولندي «زيغمونت باومان» إننا نعيش في أوقات سائلة. وهو يشير إلى عصر من عدم اليقين، يتميز بحالة مستمرة من التغيير في المؤسسات الاجتماعية التي تذوب بسرعة أكبر مما يشكل خوفا وقلقا .

هناك الكثير من الأدلة على أن السيولة في التحالفات أصبحت واحدة من السمات الرئيسية من الشرق الأوسط على نحو متزايد وغالبا ما تكون هذه العملية متناقضة، ونفس التفكير ينطبق على الجغرافيا السياسية في المنطقة اليوم.

إن الكتل الصلبة نادرة. التحالفات قصيرة الأجل وتعزز الخوف. حيث تتغير النظرة إلى «ما الذي يمثل تهديدا»، في ذات القضية. وهذا هو الحال مع الائتلاف الحالي المعادي للدولة الإسلامية وأكثر وضوحا في القوى التي تعمل معا ضد التنظيم في الموصل.

تتكيف هذه التحالفات السائلة باستمرار مع المشهد: من المفترض أن يكون الحلفاء في نفس المعسكر لكن المنافسات سائلة جدا. الجهات الفاعلة هي تقليديا على خلاف تتحد لمواجهة عدو واحد دون إدراك محدد لبعضها البعض كحلفاء. وعلى سبيل المثال المقاطعة ضد قطر جعلت تركيا وإيران أقرب لبعضهما البعض، بنفس الطريقة دفع تقدم قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا تركيا للتصالح مع روسيا.

التحالف ضد قطر

إن الحالة الأكثر وضوحا في سيولة المنطقة تتعلق بتماسك الكتلة المعادية لقطر. على سبيل المثال، كم هي صلبة أسس التحالف السعودي المصري؟ من الجدير أن نذكر أنه في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2016، علق السعوديون إمدادات النفط إلى مصر ردا على قرار القاهرة مع روسيا في التصويت بخصوص سوريا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وبحلول نهاية العام الماضي، كان التوتر الشديد لا يزال موجودا كما اتضح في الزيارة التي قام بها وفد المملكة العربية السعودية إلى إثيوبيا والإعلان عن بناء قاعدة عسكرية سعودية في جيبوتي. وقد ينظر المصريون إلى هذه التحركات على أنها خيانة.

والسبب وراء تلك التوترات ذو شقين. من جهة، أن تصورات التهديد تختلف من جهة لأخرى. ففي حين أن النظام السعودي يدرك أن صعود إيران يمثل تهديدا وجوديا، فمصر أكثر قلقا حول جماعة الإخوان المسلمين. من جهة أخرى، يوجد لدى الجهات الفاعلة توقعات مختلفة لطبيعة وغرض تحالفهما.

وماذا عن التحالف السعودي الإماراتي؟ لم نلحظ أي اشتباك خطير في السنوات الأخيرة بينهما، لكنهما ليسا منسجمين تماما.

في ليبيا، يدعم الإماراتيون «خليفة حفتر» وفي اليمن، فإن الإمارات العربية المتحدة هي معنية أقل بالحوثيين، وتركز على الأمن في الجنوب. إن صعود اثنين من أولياء العهد - محمد بن سلمان ومحمد بن زايد - يغذي التكهنات لتعاون أوثق بين البلدين. وهل سيقوى التحالف بينهما هذا هو السؤال الجوهري، وكيف سيترجم هذا في المناطق التي يوجد لهم فيها خطوط متوازية مختلفة. وكانت قطر هي فقط أول اختبار.

أصدقاء قطر القدامى والجدد

التحالف مع الجهات الموالية لقطر سائل أيضا. وأفضل مثال على ذلك هو التقارب الحالي بين إيران وتركيا، وهما متنافسين.

وقال الرئيس «رجب طيب أردوغان» منذ وقت ليس بالبعيد أن تركيا لا يمكن أن تتسامح مع خطط إيران للهيمنة على الشرق الأوسط. وكان من المفهوم أن تدفع طموحات مواجهة إيران في العراق وسوريا أنقرة إلى إعادة بناء الجسور مع المملكة العربية السعودية.

وقد حولت أزمة الخليج الحالية الوضع رأسا على عقب. حيث أن تركيا تخشى من أن تكون معزولة تماما إذا استسلمت قطر. وهكذا، وققت مع الجانب القطري، وقدمت الإمدادات الغذائية والوجود العسكري المكثف في المنطقة.

وثمة جانب آخر يستحق المراقبة وهو حقيقة أن حماس الآن تريد أن تكون أقرب إلى إيران. من حيث المبدأ، فإن التقارب بين كل من تركيا وحماس مع إيران ليست أنباء طيبة بالنسبة لـ(إسرائيل). لكن البعض في (إسرائيل) على استعداد أيضا لاستغلال هذا الوضع لمواصلة تكثيف الاتصالات مع السعودية.

عدم الانحياز

ولكن الأكثر إثارة للاهتمام هو تقييم لماذا لم تنضم بعض البلدان إلى المقاطعة التي تقودها السعودية ضد قطر، ومنها باكستان التي لها مصالح استراتيجية قوية في الحفاظ على العلاقات مع قطر، أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال (LNG). لكن الأمر يذهب أبعد من ذلك. فليست هذه هي المرة الأولى التي تقول فيها إسلام أباد «لا» في وجه السعودية. في عام 2015، عارض برلمان البلاد إرسال قوات إلى عملية عاصفة الحزم في اليمن. وفي محاولة لإصلاح العلاقات وافقت باكستان على أن تكون جزءا من التحالف العسكري الإسلامي ووضع قائد الجيش الجنرال المتقاعد «رحيل شريف» باعتباره القائد العام لهذا التحالف المكون من البلدان السنية.

ونتيجة لأزمة قطر، فإن السعودية ترى أنه لم يعد بالإمكان الاعتماد على باكستان في الأمن، وهذا له عواقب طويلة الأمد لإعادة تخطيط الجيوسياسية في الشرق الأوسط وما وراءه.

كما أن حليفا تقليديا آخر للسعودية هو المغرب الذي لم يقف مع أي من الجانبين. في حين لم ينضم أيضا لعاصفة الحزم في اليمن، رفض المغرب خلال الأزمة الأخيرة فرض عقوبات على قطر و أكد على دعم جهود وساطة الكويت.

كما أن الجزائر، البلد الذي يميل إلى أن يختلف في كل شيء تقريبا مع المغرب، كان بشكل استثنائي مع خط المغرب بشأن هذه المسألة بالذات.

العامل العالمي

وأخيرا، هناك لاعبين عالميين هم أيضا جزء من الصورة. فقد كان استقبال انتخاب «دونالد ترامب» حافلا في العديد من العواصم الشرق أوسطية ويمكن للمرء أن يجادل زيارة الأخير للرياض كانت واحدة من مسببات الأزمة الحالية.

وفي حين أن «تأثير ترامب» قد يعتبر مؤشرا على أن الولايات المتحدة سوف تصلب تحالفاتها التقليدية، فإنها يمكن أيضا قراءتها كتحذير أن رسائل «ترامب» يمكن أن تزيد من التدهور في المنطقة. وفي هذا الصدد، فإن سياسات الإدارة الأمريكية حول وضع قطر ليست مطمئنة.

موقف روسيا هنا أيضا هو عرضي. روسيا مرة أخرى في الشرق الأوسط. وتتكرر هذه الفكرة باعتبارها تعويذة من قبل أي مراقب للجغرافيا السياسية العالمية. ومع ذلك، فأن موسكو تجنبت اتخاذ موقف مع أحد الجانبين حول قضية قطر وقد اختارت التواري عن الأنظار في هذه الأزمة بالذات.

ليست هذه هي المرة الأولى التي فعلت فيها روسيا ذلك لأنها رفضت أيضا دعوة الرئيس السابق «علي عبد الله صالح» للمشاركة في الحرب في اليمن. ويبدو أن روسيا تحتفظ بميزة اختيار التزاماتها في تكوين تحالف في الشرق الأوسط.

أما بالنسبة للأوروبيين، فهم لاعب ثانوي. في هذه المنطقة، ولا ينظر لأوروبا كحليف محتمل ولكن كشريك تجاري، يدفع نحو الإصلاحات. وهذه ليست أخبار سيئة في ظل الظروف الراهنة.

عند محاولة التنبؤ كيف ستسير الأمور في المستقبل القريب، فهناك نوعان من المحددات يمكن أن تؤخذ في الاعتبار. أولا، يمكن حدوث أزمات جديدة تهز الوضع مرة أخرى، وهذا يمكن أن يؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات. وهذا ربما يبدأ مع اختلاف الكتلة المناهضة لقطر على تصورات التهديد من جديد.

ثانيا، إذا أصبح التوتر بين حكومة قطر وقوات التحالف السعودي الإماراتي سمة دائمة من سمات الجغرافيا السياسية الإقليمية، فمن المرجح أن يرى آثاره في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط. فهذا يمكنه إضافة المزيد من العقبات التي تحول دون أي محاولة لتحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وسوف يزيد من تفتيت المعارضة السورية، وسوف يؤجج الصراع في ليبيا. مرحبا بكم في مزيد من السيولة في الشرق الأوسط.