السلطة » خلافات سياسية

صمود قطر يعني سيادتها.. وتراجع دول الحصار هل يفشل صفقة القرن؟

في 2017/07/11

أحمد إبراهيم- الشرق القطرية-

مر أكثر من 35 يوماً على حصار قطر، كشفت فيها الأوراق وسقطت الأقنعة ونزعت عن السياسات بروتوكولاتها وبريقها الجذاب، لتغدو الساحة الخليجية ميدانا لصراعات الأرض، ومرتعاً لرمي التهم جزافاً بالإرهاب حيناً والفبركة حيناً آخر، والتدخل في شؤون الدول لتغيير سياستها أحياناً كثيرة، حتى وصل الأمر نهاية إلى حد التفكير بتغيير أنظمة بكليتها، فالقضية على مايبدو ليست قضية استبدال علبة حليب بأخرى ولا إغلاق مجال جوي والبحث عن أجواء بديلة، فما يحدث في صيف الخليج الحار أكبر وأعمق من أن يدركه تقرير صحفي أو بحث سياسي علمي أو ماشابه، فالصورة ملونة بألوان الحصار والإرهاب والمقاطعة والمليارات، ولكن يبدو أن ماتخفيه الصورة هي صفقة يُراد بها أن تُرسم المنطقة وتعاد هيكلتها من جديد بداية بتركيا مروراً بقطر نهاية بالقدس وغزة...

هي صفة القرن إذاً....

وصفقة القرن كما تشير التقارير الصحفية تتمثل في حل القضية الفلسطينية بشكل نهائي دون تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني ويكون عنوانها مزيد من التنازلات وتضييع الحقوق لصالح الجانب الإسرائيلي حتى الوصول لإقامة دولة فلسطينية بديلة في سيناء... فأين قطر من ذلك؟؟

تشير تقارير صحفية غربية بأن حصار قطر سبقه عدة أسئلة خرجت من البيت البيض باتجاه منطقة الشرق الوسط، ليتم طرحها ودراستها والعمل على تطبيقها، فلحق بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليصادق عليها في قمة الرياض ويعلن غض البص من أرض الحرمين عما سيحدث في الخليج والمنطقة...

ما رايكم بوطن بديل للفلسطنيين؟ تجيب دول الحصار لا بأس...

ما رأيكم بإفراغ غزة من أهلها ونقلهم لمكان جغرافي ما يقال له سيناء... تجيب دول الحصار لا بأس

ما رأيكم بأن نمحو مبدأ المقاومة من فلسطين... تجيب دول الحصار لا بأس

مارايكم بعلاقات طيبة بإسرائيل على شكل تطبيع للعلاقات... تجيب دول الحصار لا بأس

ما رايكم بان تخرجوا من جيوبكم المليارات لتكون فاتحة خير لكل ما سلف... لا تجيب دول الحصار وتدفع وهي باسمة...

دول الحصار تشير "بنقطة نظام"... توقفوا.. كيف يمكن تنفيذ كل ذلك بوجود قطر شوكة في عمق هذه الصفقة.... فيأتي الرد حاضراً..

لأباس.. حاصروها واتهموها بالإرهاب، فأن انصاعت فيا أهلا ومرحباً وإن صمدت فسيتم تغيير اللعبة ولكن لن نعيد لكم مالكم...

إبدأوا ولنرى ما يمكنكم فعله...

يعود ترامب إلى بيته الأبيض ويتفرغ لصراعاته الداخلية ومواجهة الفضائح والاتهامات الموجهة له بالتعاون مع روسيا والتنسيق معها في الانتخابات الأمريكية، إضافة لأزمة شبه الجزيرة الكورية وأزمة المناخ وغيرها من الملفات، في هذا الوقت كانت أذرع ترامب في منطقة الشرق الأوسط والخليج تحيك لتنفذ ما تم الاتفاق عليه في قمة الرياض، حيث تشير الدلائل إلى أن ضرب قطر وتنحيتها من المشهد السياسي في المنطقة هو الأولوية بالنسبة للسعودية بقيادتها الجديدة، وأبو ظبي، والقاهرة التي ترى في ما يحدث للبيت الخليجي انتصاراً لمصالحها، ولتحقيق مايسمى بصفقة القرن كان لابد من إحداث شرخ في هذا البيت والعمل على أن تكون مركزيته الدوحة.

لماذا قطر شوكة في عمق صفقة القرن...

الوقائع تشير إلى أن قطر ليست دولة عظمى ولا هي قادرة على مواجهة مخطط يهدف لتغير معالم الشرق الأوسط، وبالتالي لا تمتلك الدوحة قوة خارقة تمكنها من مقارعة منظومة عالمية تريد فرض اجندتها... إذاً لما ينظر لقطر كقوة فاعلة ومؤثرة في المنطقة، ولما تشير التقارير الاستخباراتية بأن أي مخطط تريد قوة إقليمية ودولية فرضه في الشرق الأوسط يجب أن يمر بقطر أولاً....

تؤكد التقارير الاستخباراتية بأن قطر تمتلك مزايا وعناصر تميزها عن أي دولة شرق اوسطية أخرى، وهذه الميزات والعناصر في حال تفعيلها يمكن ان تغير مسار أي أجندة أو مخطط يراد له أن ينفذ، ويمكن اختصار ما تملكة قطر من تأثير وفاعلية "بالقوة الناعمة" وهي قوة تتفوق في أحيان كثيرة على قوة صواريخ التوماهوك وطائرات الـ اف 16.

قوة قطر الإعلامية..

تعلم دول الحصار بأن الدوحة تمتلك ترسانة إعلامية قادرة على توجيه الرأي العام العربي والعالمي، وهذه الترسانة التي تعتبر قناة الجزيرة ثقلها وجوهرها، ربما تٌفشل صفقة القرن أو على أقل تقدير لن ترسم لها صورة جميلة وتقنع الشارع العربي بها... فكان القرار أغلاق القناة أو تنحيتها عن أحداث المنطقة على أقل تقدير، وبالتالي يتم تغيب الرأي العام العربي عن بنود صفقة القرن وإيجاد وطن بديل لأهالي غزة بعد عملية عسكرية إسرائيلية شرسة على القطاع ربما ستؤدي إلى سفك دماء أطفال ونساء وشيوخ، وذلك بحسب ما تضمنته صفقة القرن ذاتها، هذا في الوقت الذي يفرض على الإعلام العربي اعتبار ما يحدث في غزة هو محاربة للإرهاب الذي تقوده حماس.

المواقف القطرية وتغطية الجزيرة لأحداث ومجازر غزة في السنوات السابقة تؤكد بأن قطر كدولة والجزيرة كوسيلة إعلامية لن تقبلا بغربلة القضية الفلسطينية ولن تتغاضى عن حق أهالي غزة في أرضهم، وفي حال حدوث عملية عسكرية على القطاع، فستعلن قطر رفضها واستنكارها لقتل الفلسطنيين، وستعمل على تحريك المواقف الدولية والمنظمات الحقوقية والإنسانية، لوقف آلة القتل كما فعلت في حرب غزة 2008 و2012 و 2014.

هذا في الوقت الذي ستوثق كاميرات الجزيرة المجازر هناك، وسيرافق التغطية الإعلامية للجزيرة تحليل شامل لما يحدث، وستعمل القناة على إظهار الأهداف الحقيقية لهذه العملية، وهنا سيتم فضح من تآمر ومن خطط ومن رسم، وإثارة الرأي العام العربي والعالمي عليه، وهذا ما لا تريده دول الحصار، فرأت وبحسب التقارير بأن "الباب الذي يأتيك منه الريح سده واستريح" لكي تنجح في تحقيق صفقاتك وأجنداتك فكان حصار قطر وكانت من أهم المطالب لفك الحصار إغلاق قناة الجزيرة والإنصياع للأجندات السعودية والإماراتية ومن خلفهم الإسرائيلية.

ضغط قطر على حماس وإجبارها على التسليم..

ترى دول الحصار بأن وجود قيادات لحركة حماس في قطر يعني بأن الدوحة تمتلك قرار الحركة وتوجه تحركاتها وقراراتها، بيد أن حماس نفسها أكدت في أكثر من منبر بأنها لا تأخذ أوامر من أحد وهي حرة في قرارها السيادي، وان الدعم القطري والتركي لها هو دعم للشعب الفلسطيني المحاصر في غزة وحاجز صد سياسي في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية.

وأكد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية أن صفقة القرن ستفشل ولن يسمح الشعب الفلسطيني بتمريرها على حساب قضية فلسطين وشعبها، لأنها صفقة مشبوهة ولا تمثل الفلسطينيين.

دول الحصار وعلى لسان مسؤوليها تريد فرض ضغط سياسي على قطر، وذلك لإجبار حركة حماس لقبول بنود صفقة القرن وعقد اتفاق ضمني مع تل أبيب بمنح أهل غزة وطن بديل لهم في سيناء، الأمر الذي رفضته قطر بشكل علني وقاطع، بداية برفض تصنيف حماس منظمة إرهابية ومساواتها بتنظيم داعش وحزب الله اللبناني، ورفض الضغط عليها لتغير مبادئها في المقاومة ومواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

الرفض القطري على محاولة دول الحصار السيطرة على القرار السيادي والإنصياع لتنفيذ أوامر ترى فيها الدوحة تدخلاً في شؤونها الداخلية، جعل شماعة الإرهاب حجة، فحماس إرهاباً، ودعم الشعب الفلسطيني إرهاباً، وتقديم الجمعيات الخيرية القطرية مساعدات إنسانية لأهل غزة إرهاباً، ورفض صفقات سياسية مشبوهة إرهاباً... ولرفع صفة الإرهاب فعلى قطر الانصياع وعدم التغريد خارج السرب... تقول دول الحصار، ولكن أليس هذا إرهاباً تتساءل قطر؟

لا يمكن الجزم بأن قطر هي من أفشلت أو عرقلت المباشرة في تنفيذ صفقة القرن، ولكن المؤكد بأن الدوحة ومن خلال صمودها وعدم انصياعها تحت الحصار أربك المنطقة ودولها الكبرى، فالولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها المجتمع الدولي انتقلوا الآن لمنطقة التذمر من هذا الحصار بل والخوف من إطالة عمره، فاللعبة اليوم بين دول الحصار وقطر اصبحت لعبة النفس الطويل والعض على الأصابع..

فشل الإنقلاب في تركيا فخرجت من دائرة تهديد وجودها، وهنا تشير المعطيات إلى أن صمود قطر يعني سيادتها وخروجها من الدائرة نفسها، بينما تراجع دول الحصار عن حصارهم فذلك ينذر بأن المستقبل سيشهد سيناريوهات غامضة مختلفة للمنطقة بعيدا عن قطر وتركيا.. ويبقى مصير صفقة القرن غامضاً إلى أن يحدث ما هو قادر على تغيير موازين اللعبة...

لينفك الحصار وبعدها لكل حادث حديث..