السلطة » خلافات سياسية

لا تقتصر القواسم المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية على مجرد المصالح

في 2017/07/13

فهد نيزر- معهد واشنطن-

فهد نيزر هو عضو دولي في المجلس الوطني للعلاقات الأميركية العربية ومستشار سياسي لسفارة المملكة العربية السعودية في واشنطن. وهو ليس ممثلا للسفارة الملكية السعودية بأي شكل من الأشكال ولا يتكلم نيابة عنهم.

طالما كان الاعتقاد السائد في واشنطن هو أنه بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية مصالح مشتركة مهمة تدعم علاقاتهما الثنائية، لكن هذين البلدين لا يلتزمان بالقيم الأساسية نفسها. لكن لا بد من إعادة النظر في هذا الافتراض. ففي خلال العقدين الماضيين، شهدت السعودية تغييرًا تدريجيًا إنما مهمًا في الثقافة السياسية وأنشأت مؤسسات جديدة جعلت المملكة أكثر انفتاحًا وشمولًا وتسامحًا. وما سرّع هذا التغيير هو قيام ولي العهد محمد بن سلمان السنة الماضية بإدراج مجموعة طموحة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، معروفة بـ "رؤية 2030". ويبشّر ذلك بالخير بالنسبة إلى المضي قدمًا في العلاقات الأمريكية-السعودية وهو أمرٌ أساسي لاستمرار هذه العلاقات.

ما دفع الكثيرين إلى البحث عن أجوبة هو صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" ("داعش") والاعتداءات التي ترتبت عنه في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ودول غربية أخرى. فيُزعم أنه يجب إلقاء اللوم على السعودية لأنها "صدّرت" نسخة غير متسامحة من الإسلام إلى بلدانٍ طالما مارست الإسلام بشكلٍ معتدل. غير أن في ذلك مبالغة شديدة في تبسيط عملية معقدة وطويلة غالبًا يمر بها الفرد أو المجموعة لبلوغ التطرف.

يُجمع علماء الإرهاب منذ زمنٍ طويل على أن التطرف نادرًا ما يتسبب به عاملٌ واحد، كالإيديولوجيا. ويؤكدون على أنه ينتج عادةً عن تداخل عدة عوامل وعلى أن السبل المؤدية إليه مختلفة. وتكثر الأدلة التي تُظهر أن عددًا كبيرًا من الإرهابيين الذين نفّذوا الهجمات في فرنسا مثلًا لم يكونوا متدينين على نحوٍ مميز أو ملمين بالعقائد الإسلامية من أي نوعٍ كانت. وما يثير الاهتمام هو أن تونس، التي طالما اعتُبرت أحد البلدان العربية الأكثر علمانية، شهدت انضمام عددٍ من مواطنيها إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا يفوق عدد مواطني السعودية أو أي بلد أجنبي آخر.

في سنة 2015، أجرى "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" دراسة استقصائية لتقدير الدعم الذي يلقاه تنظيم "الدولة الإسلامية" في عددٍ من البلدان العربية. وكانت النتيجة أن 95% من المجيبين في السعودية كانوا ينظرون إلى المجموعة بشكلٍ سلبي. ويثير ذلك الشك إلى حد كبير حول فكرة أن العقائد التي تعلّمها المؤسسات التربوية والدينية السعودية هي السبب الأساسي خلف التطرف.

بالإضافة إلى ذلك، نادرة هي الأمثلة المحددة التي يقدّمها النقّاد الذين يزعمون أن السعودية تدعم المؤسسات التربوية والدينية التي تنشر في الخارج فهمًا غير متسامح للإسلام. وغالبًا ما يقدّمون أمثلة عن مؤسسات في البلدان النامية التي لها أصلًا تاريخ من الصراع المدني والاثني والديني مثل باكستان والبوسنة والهرسك. في حالاتٍ أخرى، يشير النقّاد إلى مؤسسات في المجتمعات المسلمة التي تشكّل أقلية في الدول الغربية مثل فرنسا، والتي يؤكّد عدة علماء على أنها طالما واجهت صعوبات جمة في الاندماج في موطنها الذي تبنته، أو أنها واجهت تهميشًا مؤسسيًا أو عانت من الحالتيْن معًا. كما لا يقرّ النقّاد بالإصلاحات والتغييرات الإيجابية الكثيرة التي شهدتها المملكة العربية السعودية على مر السنين، وبما تنشره فعلًا المؤسسات التربوية والدينية السعودية في المملكة اليوم.

غالبًا ما يُعتبر أن الدين يتخلل كافة أوجه الحياة في السعودية، على عكس الولايات المتحدة حيث يشكّل فصل الكنيسة عن الدولة ميزة أساسية في النظام السياسي. وهذا صحيح. لكن على عكس الرأي المبتذل الذي يعتبر أن الإسلام كما يُمارَس في السعودية – وهو يُدعى الوهابية – هو شكلُ متشدد وغير متسامح أدى إلى بروز متطرفين عنيفين كـ "الدولة الإسلامية"، يقول أهم القادة السياسيين والدينيين في المملكة – فضلًا عن المؤسسات التربوية والدينية في هذا البلد – إن الإسلام هو دين سلامٍ واعتدال وتسامح.

كذلك، دعمت السعودية عددًا من المبادرات العالمية التي تشجّع الحوار بين الأديان، بما فيها المؤتمر الذي رعته الأمم المتحدة في سنة 2008 و"مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات"، الذي يقع مقره في فيينا، النمسا، والذي افتُتح في العام 2012. كما تجدر الإشارة إلى أن الملك عبد الله الراحل التقى بالبابا بندكت في العام 2007، والتقى الملك سلمان الحالي ببابا الأقباط تواضروس عندما زار مصر السنة الماضية. ولا يجوز اعتبار هذه المبادرات مجرد بوادر فارغة.

على الصعيد المحلي، نظّم "مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني" عدة مناسبات تجمع الشباب السعوديين من مختلف المناطق والطوائف في جهدٍ لاحتواء التنوع في المملكة. وحضر الرئيس دونالد ترامب، في خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض، افتتاح "المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف"، وهو إحدى المؤسسات المتعددة التي أُنشئت لمكافحة تواجد المتطرفين العنيفين وتجنيدهم عبر الإنترنت.

بذلت الحكومة السعودية جهدًا فعليًا لإعادة تقويم ما تعلّمه مدارسها وما تروّج له مؤسساتها الدينية. فيجري حاليًا بذل جهدٍ لإصلاح النظام التعليمي في السعودية وتوشك إعادة النظر في منهجها المدرسي على الانتهاء. فضلًا عن ذلك، يلتحق ما يقارب مئتي ألف تلميذ سعودي من الجنسيْن بالكلّيات والجامعات حول العالَم. وقد أدّى الكثيرون منهم دورًا بنّاءً في ردم الهوة المتعلقة بالتفاهم بين الغرب والعالم الإسلامي، ليس فحسب من خلال الاندماج مع نظرائهم في المؤسسات الأكاديمية، إنما أيضًا من خلال الاندماج في المجتمع المحلي الأوسع، عبر الانضمام إلى برامج تطوعية متنوعة لمساعدة الأقل حظوظًا.

في الوقت نفسه، اطّلعت الحكومة السعودية أكثر على ما يُكرز به في جوامعها. فتتم مراقبة الأئمة في الجوامع تمامًا كالمعلمين، ويجرى فصل أو إعادة تشكيل أولئك الذين يعتنقون وجهات نظر متطرفة أو يتم صرفهم. وفي سنة 2008، أطلقت الحكومة برنامجًا لإعادة تشكيل حوالي 40,000 إمام. كذلك، أدانت السلطات الدينية في السعودية بانتظام كافة الاعتداءات الإرهابية بغض النظر عن الانتماء الديني أو السياسي للضحايا. كما تتحفظ هذه السلطات عن المجموعات الإرهابية على أساس ديني.

تتمتع المملكة العربية السعودية بمكانة مميزة لدى المسلمين بما أنها مكان ولادة الإسلام ومقر أقدس موقعين في هذا الدين. أما الحجة المتمثلة في أن منع إنشاء أماكن عبادة عامة لغير المسلمين أمرٌ مبرر لأنها مماثلة للفاتيكان، فتلقى أصداءً واسعة في أرجاء السعودية وفي بلدانٍ أخرى ذات أغلبية مسلمة. مع ذلك، يتمتع غير المسلمين بحرية ممارسة إيمانهم بصورة خصوصية. وشهدت المزاعم التي تعتبر أن غير المسلمين الذين يقيمون طقوسًا دينية خاصة يواجهون الترحيل تراجعًا كبيرًا. وتتوافر أدلة تبيّن أن غير المسلمين يقيمون بانتظام الطقوس الدينية، حتى أن بعضهم يقومون بذلك ضمن تجمعات كبيرة كفاية تكاد تتجاوز الحد الفاصل بين الخاص والعام.

ما من شكٍ في أن الملك السعودي يتمتع بسلطة سياسية كبيرة، لكن لم يسبق أبدًا أن حكم الملوك السعوديون في فراغٍ سياسي؛ فطالما كانوا حريصين على بناء الإجماع. وفي البداية، حدث ذلك ضمن مجموعة من بعض الأعيان نسبيًا، لكن تشمل اليوم عملية اتخاذ القرار السياسي شريحة واسعة من المجتمع السعودي. وثمة مجلس وزراء يتألف من بيروقراطيين متمرسين ومجلس شورى ازداد عدد أعضائه من 60 في البداية إلى 150 حاليًا، من بينهم 30 امرأة. كما يمثّل كافة مناطق البلد ويشمل أعضاؤه عدة أفراد من الأقلية الشيعية. وقد أصبح هيئة تداولية قوية تثير مسائل لم تكن تُناقَش إلا ضمن تجمعات خاصة. علاوةً على ذلك، نظّمت السعودية عدة انتخابات على الصعيد الوطني للمجالس البلدية. وفي السنة الماضية، لم تصوّت النساء فحسب، بل ترشّحن أيضًا للمقاعد، وفازت عشرون امرأة تقريبًا في المنافسة.

ما زال على المساواة بين الجنسين أن تقطع أشواطًا في السعودية. غير أن المعنيين أصبحوا يعون أكثر فأكثر أن مستقبل البلاد يعتمد على منح النساء الأدوات والفرص الضرورية لبلوغ أقصى إمكانياتهن. ويتألف حوالي ثلث الطلاب السعوديين في الخارج من النساء، كما يفوق حاليًا عدد النساء السعوديات اللواتي التحقن بالجامعات عدد الرجال. ومؤخرًا، تم تعيين امرأة لرئاسة مصرف مهم وتعيين أخرى لقيادة البورصة السعودية. وسيسمح المرسوم الملكي الحديث المتعلق بنظام وصاية الرجل على المرأة بتسهيل حصولهن على الخدمات الحكومية. ويثير واقع أن النساء لا يقدن السيارات في السعودية جدلًا كبيرًا بين السعوديين ووسائل الإعلام ومجلس الشورى. إلا أنه من غير العادل غض النظر عن كل التقدم الذي أحرزته النساء إلى أن تُحَل تلك المسألة.

في ما يتعلق بحقوق الإنسان، اتخذت المملكة خطوات ملموسة لنشر الوعي حول الحقوق المدنية المتعددة التي ترعاها القوانين والأنظمة السعودية. ولبلوغ تلك الغاية، تم تأسيس "لجنة حقوق الإنسان" في سنة 2005، وهي تحقق في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان إزاء المواطنين وغير المواطنين. كذلك، وقّعت المملكة عدة اتفاقيات متعلقة بحقوق الإنسان وسمحت لمقرري الأمم المتحدة بالزيارة وبكتابة تقارير حول عددٍ من المسائل.

أخيرًا، لا بد من ذكر التحول الملحوظ لوسائل الإعلام السعودية. فلم تشهد هذه الوسائل فحسب ازديادًا سريعًا جدًا على مدى العقدين الأخيرين، بل اتسع أيضًا نطاقها إلى حدٍ كبير ليشمل الآن مواضيع كانت تُعتبَر حساسة جدًا في الماضي. فمن عدم كفاءة الحكومة وفسادها، مرورًا بالعنف المنزلي وتعاطي المخدرات، ووصولًا إلى التطرف الديني، تُثار كل هذه المسائل في وسائل الإعلام التقليدية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.

تمحورت عدة نقاشات في القمم الثلاثة في الرياض حول الهواجس المشتركة. لكن في الاجتماع الأوسع الذي شمل قادةً من الولايات المتحدة ومن العالم العربي والعالم الإسلامي، شكّلت أهمية التفاهم بين الأديان والثقافات والتعايش السلمي الموضوع المحوري. وسلّطت زيارة الرئيس ترامب الضوء على حقيقةٍ سبق أن أدركها عدة زوار أتوا إلى المملكة، وهي أن للسعودية قواسم مشتركة مع معظم البلدان، بما فيها الولايات المتحدة، تفوق عددًا اختلافاتها مع هذه البلدان.