السلطة » خلافات سياسية

معركة «النفاق» وسوء التقدير.. لماذا تعثرت السعودية والإمارات على أعتاب الدوحة؟

في 2017/07/13

موقع زنيث- ترجمة شادي خليفة -

عندما بدأت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة حظرًا اقتصاديًا على قطر في 5 يونيو/حزيران، وأغلقت حدودها البرية وحظرت عليها المجال الجوي، بدا أنّ قطر الصغيرة سوف تنهار بسرعة تحت الضغط. وكان أكثر الظن أنّ اتهام أكبر قوتين في مجلس التعاون الخليجي لقطر بدعم الإرهاب ماليًا من شأنه أن يثير التعاطف والدعم الدوليين.

لكنّ الأمور لم تذهب إلى ما خططت له المملكة والإمارات. وأعلنت قطر رفضها لهذا الضغط. وهناك أخطاء هامة أخرى من قبل الكتلة التي تقودها السعودية. وكان لزيارة «ترامب» للرياض في أوائل شهر مايو/أيار مفعولها، حيث نظرت السعودية والإمارات إلى تبني «ترامب» لأجندتها السياسية كضوء أخضر للمضي قدمًا في معاقبة قطر.

وقال «كارين يونغ»، الباحث البارز في معهد دول الخليج العربي في واشنطن: «يمكن القول أنّ الإماراتيين والسعوديين  تلاعبوا بترامب. وقد رأوا أنّ هناك فرصة للدفع باتجاه أجندتهم في السياسة الخارجية».

وقد استغلوا الحرب العالمية ضد الإرهاب في محاولة تدويل صراعاتهم الشخصية مع قطر، التي تمتد إلى ربع قرن. ويقول «يونغ»: «لقد كان هذا الأمر يختمر منذ وصول الأمير السابق حمد بن خليفة آل ثاني إلى السلطة عام 1995. وكانت هناك توقعات بأنّ الأمير الجديد (الذي جاء إلى السلطة عام 2013) سيكون أكثر طاعة، لكنّه أثبت حقًا أنّه لم يكن كذلك، وذلك بعد اندلاع نفس النوع من التوترات عام 2014».

ومنذ قدوم «حمد بن خليفة» إلى السلطة، نظر إلى ما حدث للكويت، وقرر ألّا تظل قطر ظلًا تابعًا لسياسات شقيقتها الكبرى، السعودية، وبدأ باستغلال الثروة الكبيرة من الغاز في بسط النفوذ من خلال كسب العلاقات التجارية مع الكثير من الأطراف من المملكة المتحدة إلى اليابان والصين. ولم يكن الغاز فقط، فقد استطاع إنشاء شبكة إعلامية متميزة تمتعت باحترام العالم، وأصبحت صوتًا مؤثرًا في الشعوب العربية.

ودعا «حمد آل ثاني» القوات الأمريكية لاستضافتهم في قطر، بعد إنهاء وجودهم العسكري في السعودية عام 2003، وبذلك انتقلت عملياتها الرئيسية إلى قاعدة العديد الجوية، جنوب غرب الدوحة، العاصمة القطرية. واليوم، تعد قطر موطنًا لأكبر قاعدة للقوات الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط، وهي الوحيدة القادرة على استقبال قاذفاتها الضخمة من طراز ب-52، فضلًا عن العمليات الأمامية للقوات المسلحة المركزية، وهي القوة المقاتلة المسؤولة عن مكافحة الإرهاب في العراق وأفغانستان، والآن العمليات ضد تنظيم الدولة. ويوجد في قطر ما يزيد عن 11 ألفًا من الجنود الأمريكيين، إلى جانب البنية التحتية الأساسية في مجال النقل والإمداد والاتصالات، ومن المرجح أن يكون هذا الوجود، إلى جانب بعض الكلمات القوية من واشنطن، أكبر رادعٍ للدبابات السعودية المتجهة عبر الحدود لـ «حل» الأزمة الحالية.

كما قدمت قطر الدعم للحكومات والجماعات عبر المنطقة، بما في ذلك الإخوان المسلمين وحماس، التي تعتبرها الإمارات والسعودية تقف ضد مصالحها الخاصة. ولدى الإمارات، على وجه الخصوص، عداءٌ شديد لـ «الإسلام السياسي»، والتهديد المحتمل الذي يشكله على الأنظمة الاستبدادية في الخليج.

المزيد من الحسابات الخاطئة

لكن كان النداء الذي وجهه السعوديون والإماراتيون إلى المجتمع الدولي نفاقًا واضحًا. نعم، قد يكون لقطر سجل سيئ في تمويل المنظمات المسلحة، لاسيما في سوريا، لكن ماذا بشأن السعودية في هذا الأمر؟ تشتهر البلاد بأنّها مصدرٌ لتمويل المنظمات الإرهابية، من تنظيم القاعدة إلى تنظيم الدولة الإسلامية. وأعلنت سفارة الولايات المتحدة عام 2009 أنّ «الجهات المانحة في المملكة تشكل أهم مصدر لتمويل الجماعات الإرهابية السنية في جميع أنحاء العالم». وفي الآونة الأخيرة، خرجت تقارير عن محاولات للحكومة البريطانية بقمع التحقيق في تمويل الجماعات المتطرفة في المملكة المتحدة، لأنّها ستحرج السعوديين. في حين كان من بين المشاركين الـ 19 في هجوم 11 سبتمبر/أيلول، 15 سعودي وإماراتيين، بينما لم يكن منهم قطري واحد.

وفي الوقت نفسه، في حين ادعت الإمارات أنّ قطر تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بدعمها لجماعة الإخوان المسلمين، فللإمارات هنا أيضًا سجلٌ حافل. فلنا أن نعلم أنّ الإمارات قد تدخلت في الأعوام الأخيرة في كل بلدٍ في المنطقة تقريبًا، مثل اليمن وسوريا وليبيا ومصر وغيرها.

كما أخطأت كتلة دول الحصار في توقع رد فعل واشنطن. وفي حين ابتلع «ترامب» الطعم في البداية، و كتب تغريدات على حسابه الرسمي دعمًا للحصار على قطر، فإنّ المؤسسات الحكومية الأخرى، الخارجية والدفاع وأعضاء مجلس الشيوخ، نظروا بعقلانية لمصالح الولايات المتحدة، من خلال انتقاد الأعمال العدائية ضد حليفٍ رئيسي. ومنذ ذلك الحين، ذهب «ترامب» معهم أيضًا. وقد فات السعودية والإمارات أن تدرك مدى تأثير وزير الخارجية «ريكس تيلرسون» ووزير الدفاع «جيمس ماتيس»، وكلاهما لهما معرفة مباشرة وشخصية بالأهمية الاستراتيجية لدولة قطر. ولدى «تيلرسون»، الذي كان الرئيس التنفيذي لشركة إكسون موبيل التي عملت في قطر حتى العام الماضي، معرفة شخصية بالأمير الحالي «تميم بن حمد آل ثاني»، ووالده. وفي الوقت نفسه، تولى «ماتيس» سابقًا منصب الرئيس رئيس القيادة المركزية الأمريكية، التي تقوم بعملياتها في الشرق الأوسط من قاعدتها القطرية. ويعد هذان الشخصان العمود الفقري للشراكة الاستراتيجية التجارية والعسكرية التي تجمع قطر والولايات المتحدة معًا.

ومن جانبها، لعبت قطر لعبة العلاقات العامة، ورسمت نفسها كضحية لأزمة غير عادلة، ووجهت نداءً إلى الهيئات الدولية لتسليط الضوء على عدم قانونية بعض التدابير التي اتُخذت، مع اختيار عدم الرد بطريقة عقابية، والاستمرار في عرض الغاز الطبيعي من خلال خط أنابيب يمر عبر الإمارات وعمان. ويقول «أليسون وود»، وهو محلل في دبي في كونترول ريسكس، وهي شركة استشارية لإدارة المخاطر: «أعتقد أنّ (قطر) ستواصل متابعة هذه الاستراتيجية على مدى الأسابيع المقبلة، وستوجه حديثها إلى المجتمع الدولي، في محاولة لجذب الناس إلى جانبهم، وتعزيز موقفها بأنّها تتعرض للإرهاب من قبل السعودية والإمارات».

الانتكاسة الاقتصادية

ولكن ربما كان أكبر سوء تقدير من قبل الكتلة التي تقودها السعودية هو توقعها بأنّ قطر سوف تخضع سريعًا. لكن لم يكن للحصار الأثر الذي نشده الإماراتيون والسعوديون. وكان إغلاق الحدود البرية من قبل السعودية، التي تأتي منها غالبية الإمدادات الغذائية لقطر، قد أدى إلى التزاحم على محلات السوبر ماركت، مع وجود تقارير تلفزيونية تظهر الرفوف عارية بعد ذعر الشراء. لكن في اليوم التالي، أعيد تخزين الرفوف بالضروريات، الدجاج والحليب والبيض، لكنّها قدمت من تركيا بدلًا من المملكة العربية السعودية. ويقول أحد المغتربين الغربيين الذين يعيشون في قطر أنّه يعتقد أنّ لدى السلطات القطرية خطة طوارئ قائمة، ومع قدرة الشحن الكبيرة لشركاتها الجوية الوطنية، فإنها تمكّنت من المضي قدمًا.

وعلى نطاقٍ أوسع، في حين أنّ هذه التدابير قد أدت إلى الضغط على اقتصاد قطر، فإنّها لم تخلق نوعًا من الضغوط الاقتصادية التي كان الائتلاف يأمل أن تحدث. ولم تتأثر صادرات الغاز الطبيعي المسال بشكلٍ ملموس بهذه التدابير، وبالتالي قدرة قطر على توليد الإيرادات، وخاصةً العملة الأجنبية.

والآن بعد أن رفضت قطر المطالب المتشددة من قبل السعودية والإمارات أصبح الوضع في مأزق. واشتعلت معركة الخطابات على كلا الجانبين، وأصبح من الصعب رؤية حل وسط قد يرضي كلا الطرفين، ويسمح للسعوديين والإماراتيين بحفظ ماء الوجه. أما بالنسبة لإعلانهم نيتهم فرض تدابير جديدة، فيبدو أنّ تلك النوايا قد تبخرت. وسيكون من الصعب على الكتلة التي تقودها السعودية إيجاد سبلٍ لزيادة الضغط الاقتصادي على قطر والتي تكون فعالة ولا تنتهك القوانين أو الاتفاقيات الدولية، وفي الوقت نفسه لا يكون لها تأثير كبير على اقتصاداتها.

ويأتي كل هذا في الوقت الذي تتصارع فيه دول الخليج العربي مع القيود المالية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط، والمنحنى الديموغرافي الذي يتطلب من اقتصاداتها خلق عددٍ كبيرٍ من الوظائف في الأعوام المقبلة. كما أنّ النزاع الحالي قد يعرض العديد من البرامج التي يعمل عليها مجلس التعاون الخليجي للخطر، بما في ذلك الدفاع، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وأنظمة الدفاع الصاروخي، والتنقل الاقتصادي للمواطنين، والبنية التحتية مثل السكك الحديدية المخطط لها. كما أنّ الفرص المفقودة للتماسك الاقتصادي ستؤثر أيضًا على اقتصاداتها.

رأس المال السياسي

لكنّ الضرر الأكبر قد لحق بالمكانة السياسية لكل من السعودية والإمارات. ويتصاعد نفاد الصبر داخل وزارة الخارجية الأمريكية، حيث يُنظر إلى النزاع على أنّه تحولٌ غير ضروري تمامًا بعيدًا عن أهداف الولايات المتحدة الحقيقية في الشرق الأوسط، وهي محاربة تنظيم الدولة ومكافحة إيران. وذلك في الوقت الذي تطال فيه المملكة انتقاداتٍ كبيرة من المجتمع الدولي بشأن حربها الوحشية في اليمن والتي قتلت وشردت وجوعت الملايين من المدنيين.

وأثارت حملة اليمن الأسئلة حول حكم «محمد بن سلمان»، الذي أُعلن الشهر الماضي كولي عهد جديد للسعودية، والذي كان مهندس تلك الحرب بصفته وزير الدفاع. ويعتبر «بن سلمان»، البالغ من العمر 32 عامًا، على نطاقٍ واسع، شابًا متهورًا وغير ناضج. وقد وصفته وكالة المخابرات الألمانية الخارجية بالمندفع. وقد طرحت المزيد من الأسئلة حول ما إذا كان الأمير الشاب مستعدًا لحكم المملكة العربية السعودية. ولمساعدة «بن سلمان» في الوصول إلى هذا الموقع في خط الخلافة، أزال الملك «سلمان» ولي العهد السابق «محمد بن نايف»، وهو شخصية تحظى بشعبية كبيرة في واشنطن، وحاز احترامًا كبيرًا لجهوده في مكافحة الإرهاب على مدى الأعوام الـ 15 الماضية.

ويترك كل هذا السعودية والإمارات في موقفٍ صعب، فمن ناحية قد يكونوا قد أدركوا حساباتهم الخاطئة. لكن إن تراجعوا الآن، سيبدون في مظهر الطرف الضعيف والمخطئ. أو قد يشددوا من الحصار مع محاولة كسب حرب العلاقات العامة، وهي الخطوة التي تنطوي على الكثير من المخاطر السياسية والمزيد من السخط من قبل حلفائهم، وتضر بالرفاهية الاقتصادية الخاصة بهم.

ومع ما يبدو من اتجاه النزاع إلى طريقٍ مسدود، يتوجه وزير الخارجية الأمريكي إلى الكويت، وسيط النزاع، في محاولة لكسر الجمود. ويقول «يونغ»: «في حين تمكنت السعودية والإمارات والبحرين ومصر من الاستفادة من ترامب لبدء النزاع مع قطر، ستكون الحكومة الأمريكية، ولا سيما تيلرسون ووزارة الخارجية، هي التي تحتاج إلى تنظيف تلك الفوضى الدبلوماسية».