السلطة » خلافات سياسية

من ينقذ دولة قطر من تآمر حكامها؟!

في 2017/07/14

خالد بن حمد المالك- الجزيرة السعودية-

هناك من يعتقد أو يرى أن قطر لا تملك قرارها، وأنها عاجزة عن أخذ الموقف الصحيح الذي يحميها وينقذها من التورط الذي غرقت فيه! ودليلهم على ذلك أن أميرها يوقع على وثائق ثم لا يلتزم بها، ويوافق على قرارات ثم ينكث وعده بتنفيذها، ويضيف هؤلاء بأن قطر في حاجة إلى من يمسك بيد من يسير الأمور فيها، ويدله على الطريق الصحيح للخروج من المأزق الذي كرس انطباع العالم نحو قطر على أنها دولة تدعم الإرهاب بالتمويل المالي والدعم الإعلامي والإيواء للإرهابيين.

يقول هؤلاء ضمن قراءاتهم للمشهد القطري، بما في ذلك التخبط الذي تتسم به السياسة القطرية، إننا أمام دولة عاجزة عن التعامل مع الاتهامات بمواقف تظهر جديتها ومصداقيتها في التخلي عن أعمالها الشيطانية، وتآمرها على جيرانها، وأن الإرهاب والتطرف لن يكونا أسلحتها بعد اليوم في إيذاء غيرها، بما يمكن القول إننا أمام حالة شاذة، ودولة تعاني من ارتباك وتخبط وضياع في كل سياساتها.

هل ما يقوله هؤلاء صحيحاً، وإلى أي مدى يمكن اعتبار قطر دولة فاشلة، ومهيأة للضياع أكثر، وهل لدى الدول الشقيقة القدرة على تحمل مشاكل الدوحة وإلى متى، وما هو البديل في مواجهة وضع كهذا، يقلق الجار والشقيق، ويعرض قطر في المستقبل لما هو أسوأ من حاضرها، كلها تساؤلات تثير الشعور بأننا أمام وضع قطري متردي، وتضعنا أمام أجواء قطرية ملبدة بالغيوم والظلام والمساس بأمن المنطقة واستقلالها، فيما أن جميع الوساطات لا تحدث تأثيراً في لجوء قطر إلى رشدها وعقلها، وبالتالي إلى الحذر من المستقبل الغامض.

فنحن منذ عشرين عاماً مضت وإلى اليوم أمام مجموعة من الاتهامات ضد قطر، ضد شيوخ قطر، كلها موثقة، وكلها مثبتة بالدليل القاطع، ولا تستطيع الدوحة أن تنفيها، أو تتبرأ منها، أو تدعي بأنها مؤامرة عليها، وأنه يقصد منها تشويه صورة دولة قطر وشيوخها، وهذا ما جعل الموقف القطري ضعيفاً ومتهالكاً أمام توالي ضربات دول الخليج التي تدينها بالتخطيط لاغتيال القادة، وتقسيم الدول، والتحريض على الفوضى، والتدخل في شؤون هذه الدول الداخلية، وكلها مثبتة بأصوات شيوخ قطر وتواقيعهم على الوثائق التي تدينهم.

فالشيخ تميم -هو لا غيره!- يبصم على وثائق تدينه، ويوقع بإرادته على ما اعتبر اعترافاً منه بالأضرار التي مست المملكة وشقيقاتها، ولا يجد حرجاً بالموافقة على ما طُلب منه ضمن مجموعة من الطلبات بينها أن يوقف دعم الحوثيين في اليمن، وأعداء دول الخليج في سوريا، وعدم تجنيس أبناء الخليج ممن هم ضد دولهم، وأن يتوقف عن التدخل في شؤون دولنا الخليجية، ويوقف تدريب الإرهابيين في قطر، وكذلك عدم السماح للإخوان المسلمين بممارسة نشاطاتهم الإرهابية من الدوحة، ومثلها كل المنظمات الإرهابية التي تقيم في قطر، وإيقاف أبواق قناة الجزيرة وشبكات الإعلام الأخرى التي تدعمها قطر بشكل مباشر أو غير مباشر من ممارسة بذاءاتها وأسلوبها الرخيص ضد دولنا، وإلى ما ذلك من وقفات على السلوك القطري الإرهابي الذي لم يجد أمير قطر مبرراً للدفاع عن انغماس قطر بهذه الأعمال الخطيرة، فوافق على أن تلتزم الدوحة بتجنبها.

لكن سرعان ما يتهرب الشيخ من مسؤوليته، ومن الالتزامات التي وافق عليها، فقد ظل على ما هو عليه يفتعل الأزمات، ويكرر الأخطاء، ويجد متعته في الإساءة للدول الشقيقة، دون أن يقبل بنصيحة، أو يستجيب مع وجود تهديد، أو يفكر بما يمكن أن يتركه هذا السلوك من ردود فعل غاضبة من الدول المتضررة، فكان لابد من (قرص الأذن) وشد الشعر، ووضع قطر في حجمها الطبيعي، لأنه لم يعد بعد كل هذه الأعمال الإرهابية إلا الكي كآخر علاج، وكآخر محاولة لثني شيوخ قطر عن تقديم المزيد من تجاربهم لإقحام دول المنطقة في مشاكل هي في غنى عنها.

قطر اليوم تجلس على صفيح ملتهب وليس ساخناً، يوجعها الوضع، ويفت في عضد شيوخها، ويهز أركان النظام بأكثر من التصور التي تستوحيه الدوحة من التجارب الخلافية السابقة، غير أن شعب قطر الذي نحبه ونجله ونحمل له قدراً كبيراً من الاحترام والحرص عليه، هو ما يجعل دولنا وقادتنا تمتلك كل هذا الحلم الواسع في التعامل مع نزوات قطر، وفي معاقبتها في حدود الحد الأدنى، وبما لا يلحق الضرر بهذا الشعب النبيل، الذي يشاركنا الهموم والمعاناة أمام مغامرات تميم ووالده وحمد بن جاسم.

هل هناك من خطأ في مثل هذا التعامل القوي والصارم مع قطر، بينما يكيل لنا شيوخ قطر كل هذا الحقد والكراهية، ويتعاونون مع عدونا وعدوهم لخلخلة الأمن والاستقرار في دولنا، وجعلنا في وضع غير مستقر تحقيقاً لأهداف وأطماع إيران وتركيا وإسرائيل والأخوان المسلمين، ومن شابههم وسار على خطاهم، ممن كانوا يبيتون لنا الغدر منذ زمن وإلى الآن، ووجدوا في قطر وشيوخها ما يؤمِّن لهم تحقيق هذا الهدف، الذي لولا تصدي دولنا له وإفشاله مبكراً لكان ما كان لهذه المنطقة الخليجية.

شيوخ قطر يتآمرون على المواطنين القطريين، يفرطون بمصالح البلاد، ويعرضون أمن دول المنطقة لأفدح الأخطار، بافتعال أزمات، وخلق أجواء وبيئات لا تخدم مصلحة قطر أو أيٍّ من الدول الشقيقة، دون أن نفهم سبباً لذلك، أو نجد ما نتكئ عليه لسبر أغوار هذه العقلية الحمقاء التي تتصرف هكذا، فتمد يدها للعدو، وتتعاون معه في كل ما يؤذي دولنا وشعوبنا، ولا تقبل بأن تُعاقب، وإن عوقبت أو حتى اتهمت أنكرت كل جرائمها، وأظهرت أنها حمامة سلام بالقول الرخيص لا بالفعل الصادق.

عاملوها كطفل، وتعاملوا معها على أنّ من يقودها غير راشد، وقبلوا منها أسباب نشوزها، وتفهموا حالتها المريضة المضطربة، فأعطوها المهلة واحدة بعد الأخرى، وتسامحوا معها كما لم تتسامح أي دولة بمثل ما فعلت الدول الداعمة لمكافحة الإرهاب مع قطر، غير أن هذا لم يفد بشيء، ولم يشجع الدوحة على مراجعة مواقفها، فقد أمعن شيوخ قطر في التمادي والحقد والتصرف الأحمق.

الإرهاب هو مصدر العلاقة المتوترة مع قطر، هو سبب قطع العلاقات معها، وهو ما ترفضه دول الخليج ومصر وكل عقلاء العالم، وتقبل به قطر وتتعاون معه، وتستخدمه لإيذاء الجيران وغير الجيران، الأشقاء وكذلك ممن هم ليسوا أشقاء، فتدعم الإرهاب والتطرف بمال الشعب، وبالإيواء للإرهابيين في أرض قطر، وبتوجيه الآلة الإعلامية المشبوهة لتبنِّي كل موقف إرهابي وتطرفي يلبي رغبة شيوخ قطر من حمد بن خليفة مروراً بتميم بن حمد وانتهاءً بحمد بن جاسم، بما لم يعد خافياً، بعد أن تسربت الوثائق، وأصبح كل شيء يجاهر به القطريون الذين يمسكون بتلابيب السلطة وعلى المكشوف.

أحاول أن أفهم شيئاً عن العقلية غير السوية التي تتعامل بها قطر مع قضايا الساعة، ما فائدتها ومصلحتها، وإلى أي هدف تسعى إليه، أحاول أن أجد سبباً يقودها إلى ارتكاب مثل هذه الحماقات، وإلى مثل هذه الجرائم، ومتى ستدرك أنها على خطأ، وأن أفعالها تلك لا يمكن للمجتمع الدولي، فضلاً عن الدول المتضررة أن يلزم الصمت أمامها إلى ما لا نهاية، فلا أجد من إجابة على هذه التساؤلات أكثر من أننا أمام تصرفات صبيانية لا تدرك بجنونها خطورة هذا العبث الذي تقوم به، أو أنها تجهل تماماً ما سوف تعرضه مواقفها من إيذاء لها كما هي إيذاء لغيرها.

ففي قطر لا يوجد غير النفي، والمغالطات، والتخبط، والتناقضات، فسياسة الإنكار في قطر، والهروب إلى الأمام هي الطابع الثابت، وغيره هو المتحرك في كل جرائمها وإرهابها وتطرفها، وإلاّ كيف لها أن تنكر أصواتها وتواقيعها والتزاماتها، وترمي بكل الوثائق التي تدينها عرض الحائط، دون أن تشعر بالخجل، أو تفكر بسخرية الآخرين من سياساتها، حتى وإن وجد على شاكلة تركيا وإيران من يبرر لها أفعالها، ويعلن المساندة لمواقفها، ليس حباً لها، أو تعاطفاً معها، وإنما لتحقيق مصالح كانت تبحث عنها، وتعمل عليها، فإذا بالدوحة تمرر لها ما يسهل تحقيق هذه المآرب ويساعد على إنجازها في الوقت المناسب.

فيا قطر، يا شيوخها الذين خانوا الأمانة، وفرطوا بمصالح المواطنين والأشقاء، عودوا إلى رشدكم، تمسكوا بأشقائكم، ولا تنخدعوا بالمعسول من الكلام الذي تستمعون إليه بانتشاء من عدوكم، فالدوحة أمام فرصة ذهبية تاريخية للقبول بطلبات الأشقاء، وبإنهاء العدوان والتآمر عليهم، بتجريد قطر من كل ما يمس أمن دول المنطقة بسوء، سواء كان إرهاباً أو إعلاماً أو تواجداً أجنبياً يضمر الشر لدولنا، ويتآمر عليها، ويبحث عن نافذة لتحقيق أطماعهم، فإذا بها دولة قطر، وإذا بهم شيوخ قطر، يحققون لهم ذلك بمساعدة أعداء قطر وأعداء دولنا الأخرى، ممن يقيمون - عفواً يحتلون - قطر التي لا تقبل أن تمس سيادتها، أو أن يكون هناك تدخل في شؤونها الداخلية، وكأنّ العين لا تبصر والأذن لا تسمع والواقع لا يتحدث.