السلطة » خلافات سياسية

السعودية والإمارات وقطر .. لعبة العروش الجديدة

في 2017/07/17

أنتوني كوردسمان - مركز الدراسات الأستراتيجية-

لا يزال الملايين من المشاهدين ينتظرون الموسم الجديد من «لعبة العروش» لتظهر على شاشة التلفزيون. والخبر السار هو أنّ اللعبة جارية بالفعل في العالم الحقيقي، ويمكن للجميع مشاهدتها مجانًا في الأماكن العامة في السعودية والإمارات وقطر. لكن في هذه الحياة الحقيقية لا يوجد مشاهد جنسية لا مبرر لها، ولا العنف المفرط المعتاد، وليس بنفس قوة الحبكة لسلسلة رائعة من المؤامرات. والأسوأ من ذلك، يتصرف أمراء العالم الحقيقي بتصرفاتٍ أكثر غباءً وتدميرًا للذات من الشخصيات الخيالية في المسلسل التلفزيوني.

والخبر السار الآخر هو أنّ الإسلاميين هنا يفتقرون إلى التنانين، وإيران ليست مليئة بالوحوش الخارقة للطبيعة في الشمال. وبالعودة إلى الحقيقة، تحتاج دول الخليج العربي إلى الوحدة والتعاون بشكل أكثر فعالية في مكافحة الإرهاب والتطرف، ونهجًا أكثر تنظيمًا وتكاملًا لردع إيران والعديد من التهديدات الخارجية.

وما تحتاج إليه السعودية والإمارات وقطر (إلى جانب البحرين والكويت وعمان) هو إيلاء اهتمام أكبر بالاستقرار، بدلًا من التنافس غير المبرر والضغط على الولايات المتحدة دون مبرر للاختيار بين شركائها وحلفائها الاستراتيجيين.

ولا يزال هناك بعض الأمل في أن يتمكن «تيلرسون»، وزير الخارجية، من إنهاء هذا الواقع قبل أن يسبب الأمر المزيد من الضرر. وقد أقنع قطر بالفعل بأن تقدم تنازلاتٍ مهمة، وأن تتخذ موقفًا أقوى بكثير بشأن مكافحة تمويل التطرف والإرهاب، وسيضع ذلك ضغوطًا مماثلة على جميع دول الخليج.

ومن المؤكد أنّ آخر ما تحتاجه الدول العربية والولايات المتحدة هو أن تزداد الأمور سوءًا، وأن تعطى إيران مزيدًا من الانفتاح على قطر، وأن تفعل ذلك في حين يتجاهل مجلس التعاون الخليجي العراق إلى حدٍ كبير، وحاجتها إلى المعونة والإنعاش، لموازنة تأثير إيران. وسيكون من المدمر تعزيز الانقسامات الداخلية التي طال أمدها، والتي تقسم وتقوض مجلس التعاون الخليجي بالفعل.

جزء من القصة

ولا تمثل التوترات بين قطر والسعودية والإمارات سوى جزءًا من القصة. وكانت السعودية وعمان على خلافٍ منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي. ولا تزال كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي تسعى إلى بذل جهودها الأمنية بشكلٍ منفرد، مع قليل من التركيز على التوحد والجهود المشتركة.

ولحسن الحظ، تُعوض بعض أوجه القصور هذه من خلال الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. وقد ساعدت الإخفاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي على اعتماد الدول الخليجية، بحكم الأمر الواقع، على الولايات المتحدة لتقديم بعض مهام التدريبات والتخطيط العسكري. كما ساعدت على إنشاء شبكة قوية من القواعد الأمريكية.

كما تستفيد دول مجلس التعاون الخليجي من الوصول إلى أنظمة أمريكية متطورة في مجالات القيادة والتحكم والاتصالات والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، ومن تجارب استخدام هذه الأنظمة في القتال في الحروب الأمريكية.

ومع ذلك، لا يزال هناك العديد من الفشل في لعبة العروش من قبل مجلس التعاون، حيث ذهبت السعودية والإمارات إلى الحرب في اليمن دون عمان (التي لديها حدود مشتركة مع اليمن). بالإضافة إلى الفشل في دمجٍ فعال لنظم الدفاع الجوي والبحري، وعدم إحراز تقدمٍ حقيقي في الدفاع الصاروخي.

كما يوجد فشل في إيجاد أي تنسيقٍ بين دول العالم العربي للتعامل مع الاضطرابات في العراق أو ليبيا أو سوريا.

وسمحت هذه الانقسامات داخل مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي لقوات فيلق القدس الإيرانية بإحراز تقدمٍ في كل مكان ذهبت إليه تقريبًا، ووفرت الكثير من النفوذ لإيران وحزب الله اللبناني. وقد ألحقوا أضرارًا هائلة بالعالم العربي.

إيران ليست قوة عظمى. ويعود نجاح إيران إلى حدٍ كبير بسبب لعبة العروش بين أمراء الخليج العربي والأنظمة العربية الأخرى.

ولمواجهتها، لابد أن ينجح «تيلرسون» في دفع جميع الأطراف لتقديم بعض التنازلات. ويتعين على قادة الخليج العربي التركيز على حقيقة أنّ التطرف يشكل تهديدًا خطيرًا على جميع بلدانهم وأنظمتهم. ويتعين عليهم أن يتحدوا في قبول أنّ أفضل طريقة للتعامل مع إيران هي خلق قوة ردع موحدة.

استراتيجية مكلفة

ولدى دول الخليج العربي حاجة متساوية للنظر إلى أبعد من الأمن والتركيز على الاستقرار الداخلي. ويقترن الانقسام، والإصرار على شراء أغلى الأسلحة الجديدة، والافتقار إلى الجهود الأمنية المتكاملة، الآن بنفقاتٍ أمنية ضخمة واتفاقاتٍ لشراء الأسلحة. وتعد تكلفة هذه الاستراتيجية أغلى بكثيرٍ مما ينبغي أن تكون، ولا يمكن حتى لأغنى دولة نفطية في الخليج أن تتحمل ذلك لفترة طويلة.

وتشير البيانات الصادرة عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومعهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي إلى أنّ إيران قد أنفقت فقط حوالي 15.9 مليار دولار على الأمن في عام 2016، أي نحو 3.9% من ناتجها المحلي الإجمالي.

وعلى النقيض من ذلك، أنفقت دول مجلس التعاون الخليجي بشكلٍ جماعي أكثر من 91 مليار دولار في نفس العام، مع التأثر بانخفاض أسعار النفط. ويقارب هذا نحو ست مرات مما أنفقت إيران. ويشير تقديرٌ أمريكي رسمي لعمليات نقل الأسلحة الصادرة عن دائرة أبحاث الكونغرس إلى أنّ دول مجلس التعاون الخليجي استحوذت على 30.4 مليار دولار من شحنات الأسلحة خلال الفترة بين 2012 و2015، أكثر بـ 30 مرة من إيران. وخلال هذه الفترة نفسها، ارتفعت طلبات الأسلحة الجديدة لدول مجلس التعاون الخليجي إلى ما هو أبعد من المستوى الذي يمكن أن تتحمله دول الخليج. وبلغ مجموع اتفاقيات الأسلحة الجديدة لدول مجلس التعاون الخليجي 84 مليار دولار، مقابل 600 مليون دولار فقط لإيران.

وعلى الرغم من بعض الهراء حول حجم الجهود العسكرية في الخليج العربي، وتقاسم العبء إلا أنّ كل دولة خليجية عربية، باستثناء قطر، تنفق بشكلٍ روتيني نسبةً من ناتجها المحلي الإجمالي على الأمن أكثر من الولايات المتحدة.

على حساب التنمية

وتنفق بعض دول الخليج العربي كثيرًا على الأمن، وتفعل ذلك على حساب التنمية المحلية، وتلبية الاحتياجات الشعبية، ومكافحة أسباب التطرف. وأنفقت السعودية 80.9 مليار دولار على الأمن في عام 2015، أي 12.7% من الناتج المحلي الإجمالي. وأنفقت 56.9 مليار دولار عام 2016، أي 8.9% من الناتج المحلي الإجمالي. ويعادل هذا إنفاق روسيا تقريبًا، وأكثر من بريطانيا وفرنسا وألمانيا. وأنفقت عمان 9.1 مليار دولار على الأمن في عام 2016، أي 15.2% من الناتج المحلي الإجمالي.

ورغم محاولة الولايات المتحدة تقييد هذا الإنفاق لصالح التنمية الداخلية، لا يزال الإنفاق الخليجي الحالي في شراء الأسلحة يدفع إلى الفشل بدلًا من التعاون، وتطوير قدرات فعالة ومتكاملة وقابلة للتشغيل البيني تمكنهم من الاستفادة من شراكتهم الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.