السلطة » خلافات سياسية

السعودية أبلغت واشنطن قبل عزل «بن نايف».. ونشر التسريبات مثير للريبة

في 2017/07/20

ستراتفور- ترجمة فتحي التريكي -

ما يحدث في العائلة المالكة لا يبقى اليوم بالضرورة داخل العائلة المالكة. ظهرت ثلاث قصص في كبرى وكالات الأنباء الأمريكية - نيويورك تايمز ورويترز وول ستريت جورنال - في تتابع سريع على مدار الـ24 ساعة الماضية ركزت جميعها على سياسات العائلة المالكة السعودية. ويعتمد كل تقرير على مصادر سعودية تحكي وقائع ما حدث في تلك الليلة الدرامية التي خلع فيها الملك «سلمان» ابن أخيه «محمد بن نايف» من منصب ولي العهد ووضع ابنه «محمد بن سلمان» كوريث للعرش. وتشير أوجه التشابه الكثيرة بين التقارير الثلاثة أنها صحيحة في حين يشير توقيت نشرها إلى أن بعض أفراد الأسرة المالكة وقادة الحكومة في الرياض قرروا أن يتم نشر التقارير على نطاق واسع.

ومن غير المعتاد أن تقوم الأسرة المالكة بنشر تفاصيل خلافاتها الداخلية ناهيك عن فعل ذلك بطريقة منسقة. إن التعاقب السريع لهذه التقارير التفصيلية عن لعبة الإطاحة بولي العهد السابق هو رغبة في تأكيد لقوة ولي العهد الجديد. ورغم أنه كانت هناك بعض المخاوف في الرياض حول حكمه الوشيك لكن بفضل هذه التقارير بإمكاننا الآن أن نستكشف المزيد حول الطريق الذي ينتظر ولي العهد الجديد، والذي من المرجح أن يصبح ملكا أسرع مما كان يتوقع أي شخص.

ويتضح من التقارير أن «بن نايف» لم يكن يريد - ولا يتوقع - أن يتخلى عن منصبه. تمت هندسة مؤامرة الخلافة من قبل «بن سلمان» نفسه وربما كان يعمل عليها منذ فترة من الوقت. وظهرت تلميحات عن الخلاف بين الأمراء السابقين والأمراء الجدد منذ عام 2012 عندما بدأ الشاب «بن سلمان» بأداء أدوار قيادية في الحكومة السعودية. لكن «بن نايف» لم يكن يتوقع أن تتغير قواعد الخلافة فجأة؛ كما أنه لم يتوقع أن يتم إزالته في مكانه بطريقة غير مشروعة. تصور المعلومات الجديدة «بن نايف» بأنه ضعيف ويسهل احتواؤه لكن التقارير المسربة ربما يكون تم تصميمها لتظهره على هذا النحو.

وخلافا لذلك، تشير التقارير إلى الثقل الطاغي الذي يتمتع به «بن سلمان» وإصراره على الصعود إلى السلطة، وهي السمات التي ظهرت لشخصيته خلال العامين الماضيين كوزير للدفاع وولي لولي العهد ورئيس مجالس اقتصادية متعددة ذات نفوذ. كما أن إزاحة «بن نايف» تشير إلى أن «بن سلمان» يمكن يحصل قريبا على موقع والده بمجرد أن تستقر الأمور في موقعه الجديد.

ويبدو أن الملك ليس وحيدا في دعمه لولي العهد الجديد. صوت ثلاثة أمراء فقط من هيئة البيعة المكونة من 34 عضوا ضد الإطاحة بـ«بن نايف». إلا أن هذا الأمر لا يعني أن جميع الذين صوتوا لصالح ولي العهد الجديد يثقون به حتى الآن، فمن الصعب أن تعارض رغبة الملك في بلد مثل السعودية. وقد تكون السرعة التي أدخلت بها التغييرات في الخلافة قد مهدت الطريق أمام «بن سلمان»، الذي يحظى بالدعم الإجرائي المهم من هيئة البيعة، ولكنه لا يزال يفتقر إلى الثقة والدعم الحقيقيين.

وربما ينتهي مصير الأمراء الثلاثة الذين صوتوا ضد بن سلمان (عمه ووزير الدفاع الأسبق أحمد بن عبد العزيز - ونجل الملك الراحل عبد العزيز بن عبد الله وحاكم الرياض الأسبق محمد بن سعد) إلى الوضع تحت المراقبة للتأكد من ولائهم لـ«بن سلمان». وعلى الرغم من النفي السعودي، فمن المرجح أن «بن نايف» يخضع لرقابة مشددة وتحدد إقامته داخل القصور الملكية وهو ما أكدته التقارير الصادرة مؤخرا. ويشير هذا التحجيم لخطوات ولي العهد السابق إلى المخاوف من وقوع انقلاب مضاد على الرغم من أن هذا الاحتمال يبقى مستبعدا استنادا إلى كون الملك وولي العهد الجديد سوف يكونان متيقظين لرصد أي ملمح من ملامح المعارضة للتغييرات الجديدة. ولكن وضع زعيم مؤثر مثل «بن نايف» تحت الإقامة الجبرية ينم عن مخاوف بشأن شعبيته الراسخة.

وتشير التقارير أن الولايات المتحدة أبلغت بالتغييرات قبل أسبوع من وقوعها عبر مبعوث ملكي غير معروف نسبيا اسمه «تركي الشيخ». ونفي الديوان الملكي حدوث أي اتصال مع واشنطن. ولكن التقارب بين ولي العهد الشاب والملك «سلمان» وإدارة الرئيس «دونالد ترامب»، وخاصة بين «بن سلمان» ومستشار ترامب وصهره «جاريد كوشنر»، يعطي مصداقية لإمكانية إبلاغ الولايات المتحدة قبل الموعد المحدد.

في حين أن البعض في واشنطن يشعرون بالقلق إزاء الصعود السريع للأمير الشاب، فإن إدارة «ترامب» راهنت على قدرة المملكة العربية السعودية على دفع دول الشرق الأوسط إلى تبني مبادرات مكافحة الإرهاب، وهي أهم أولويات الإدارة الجديدة. وظهرت دلائل هذه الثقة واضحة بمجرد الكشف عن ملامح أزمة قطر، حيث دفع «بن سلمان» حملة عزل عدوانية ضد قطر باسم مكافحة الإرهاب، مدفوعا جزئيا بإيمان في غير محله بالدعم الأمريكي غير المشروط لبلاده. وربما كان «بن نايف» قادرا على نزع فتيل التوتر نظرا لمواقفه الأكثر اعتدالا تجاه قطر.

وربما تكون المعلومة الأكثر أهمية في التسريبات هي ما كشفت عنه رويترز أن الملك قد سجل بالفعل رسالة تنازل فيها عن السلطة لابنه من المرجح أن يتم بثها خلال الأشهر المقبلة. وإذا حدث ذلك فإن المملكة سوف تواجه لحظة فاصلة. ومع صغر سنه وعدم وجود خليفة واضح له، ربما يكون أمام «بن سلمان» أكثر من نصف قرن لإعادة تشكيل المملكة وعلاقاتها مع العالم. من خلال الإسراع بنقل العرش، فإن الملك سلمان يحاول حماية نجله الشاب من المعارضة بينما يزال على قيد الحياة.

واستنادا إلى سجله الحافل حتى الآن، سيكون عصر «بن سلمان» سريعا ومثيرا للجدل. يواجه بن سلمان بالفعل عددا من التحديات، ليس أقلها دفع المملكة من خلال التنويع الاقتصادي العدواني وسط تراجع هيكلي في أسعار النفط. وهناك تحدي احتواء النشاط الجهادي السني والمعارضة الشيعية في المملكة وتلبية المطالب الاجتماعية للسكان الشباب الذين لم يضعوا ثقتهم الكاملة بعد ولي العهد الجديد. سوف يكون «بن سلمان» محميا بوجود والده لفترة من الوقت، ولكن في نهاية المطاف فإنه سوف يواجه وحده حقبة جديدة وصعبة للغاية من عمر المملكة.