السلطة » خلافات سياسية

كيف يمكن لمبادرة جديدة أن تمهّد الطريق أمام المصالحة الخليجية

في 2017/11/01

ماثيو ليفيت- معهد واشنطن-

في 22 تشرين الأول/أكتوبر، زار وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الرياض والدوحة في غضون ساعات قليلة، وشدّد للمسؤولين في العاصمتين على ضرورة حل الأزمة التي اكتنفت دول "مجلس التعاون الخليجي" منذ يونيو/حزيران. وفي هذا السياق، ردّد قولاً للرئيس الأمريكي ترامب يفيد بأن "الوقت قد حان لإيجاد حل لهذا النزاع". ودعا تيلرسون القادة السعوديين والقطريين إلى "المشاركة في حوار وإيجاد حل للخلافات واستعادة وحدة دول "مجلس التعاون الخليجي"". كما أعرب عن أمله في أن "يتم ايجاد سبيل للطرفين لتسوية خلافاتهما".

وبعد ثلاثة أيام، زار وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين الرياض، حيث افتتح رسميًا "مركز استهداف تمويل الإرهاب" (TFTC) برئاسة مشتركة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. ويضمّ المركز جميع الدول الأعضاء في "مجلس التعاون الخليجي"، بما في ذلك قطر. وفي الواقع، تشير الدول التي حاصرت قطر إلى أنّ مكافحة تمويل الإرهاب من القضايا المحورية في النزاع الحاصل بين دول "مجلس التعاون الخليجي". وستستخدم السعودية هذا المركز لدعم مطالبها الأساسية حول أعمال قطر التي تقوّض الأمن السعودي والإماراتي مثل الدعم القطري لجماعة "الإخوان المسلمين" واستخدام شبكة "الجزيرة" للترويج للتطرّف.

وتجدر الإشارة إلى أن النزاع قد اندلع بعد أيام قليلة من قمة الرياض التي عُقدت في أواخر أيار/مايو حيث وقّعت واشنطن وشركاءها من دول "مجلس التعاون الخليجي" مذكرة تفاهم لإرساء أسس "مركز استهداف تمويل الإرهاب". لذا، تُعتبر مشاركة قطر في هذا العمل المشترك في غاية الأهمية. وفي هذا الإطار، قال وزير الخزانة الأمريكي منوشن إن الولايات المتحدة "نسّقت" مع كل من أعضاء "مجلس التعاون الخليجي". كما وأدرج جميع أعضاء المركز، ومنهم قطر، شخصيات وكيانات إلى القوائم في 25 تشرين الأول/أكتوبر، فضلاً عن عدد كبير من الأشخاص الذين سبق وأدرجتهم وزارة الخزانة الأمريكية في لوائح الإرهاب. ولكن خلف إيجابية تعاون الرياض والدوحة حول قضية تشكّل صميم نزاعهما، فإن إدراج اسم شخص واحد على وجه الخصوص يشير إلى أن قطر قد تفتح صفحةً جديدة في مقاربتها لمكافحة تمويل الإرهاب.

سياق المركز

باعتبار المركز ناتج عن قمة الرياض، جرى التنويه في ذلك الوقت على أنه "مركز وهمي"، ولكنه كان "من المتوقع أن يصبح مركزًا تقليديًا أيضًا". ففي الواقع، لقد تمّ تقاذف فكرة إنشاء هيئة أمريكية خليجية مشتركة لمعالجة قضايا تمويل الإرهاب طوال سنوات داخل وزارة الخزانة الأمريكية. لذلك، عندما طلب البيت الأبيض من الإدارات والوكالات التوصل إلى بنود محتملة للعمل بشأنها في قمة الرياض، تحولت الفكرة إلى أساس مذكرة التفاهم التي يستند إليها المركز. وفي هذا الإطار، يرمي المركز في نطاقه إلى استهداف "شبكات إرهابية جديدة ومتطورة" على صعيد المنطقة، بما في ذلك العناصر السنية (تنظيم «الدولة الإسلامية»، تنظيم «القاعدة»، «لشکر طیبہ»، طالبان، شبكة «حقاني») والشيعية («حزب الله»، إيران). أمّا في ما يخص "حزب الله" وإيران، فكان التركيز على تدخّلهما الخبيث في المنطقة، وتحديداً فيما يتعلق بالبحرين واليمن وسوريا. وبالمثل، تهدف مذكرة التفاهم إلى هذا الجهد التعاوني الجديد "لمعالجة مجموعة من التهديدات العابرة للحدود الوطنية والتي تمخّضت في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران ونظام الأسد والوضع في اليمن". وفي هذا السياق، يسعى هذا المركز إلى تحقيق ثلاثة أهداف: (1) تحديد المعلومات المتعلقة بشبكات تمويل الإرهاب وتعقّبها ومشاركتها و(2) تنسيق الأعمال التخريبية المشتركة و(3) مساعدة دول المنطقة على مكافحة تهديدات تمويل الإرهاب من خلال بناء قدراتها.

وإلى جانب التفاصيل العملية لعمل المركز، تبقى المسألة السياسية حول صياغة مذكرة المركز. فقبل أيام قليلة من قمة الرياض، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية إلى اللائحة أسماء كبار قادة تنظيم "الدولة الإسلامية" و"حزب الله". وبينما انضمت السعودية إلى الولايات المتحدة في إدراج اسم زعيم "حزب الله" البارز هاشم صفيّ الدين، لم تذكر اسم زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" في سيناء محمد العيساوي. وفي الأسبوع نفسه، عرقل مسؤولون سعوديون بسرية تامّة جهود الولايات المتحدة في الأمم المتحدة الرامية إلى فرض عقوبات على فرع تنظيم "الدولة الإسلامية" الناشط في المملكة العربية السعودية. وقال مسؤول أمريكي لصحيفة "واشنطن بوست" "إنهم لا يريدون أن يعترفوا بوجود مشكلة في عقر دارهم".

وفي ضوء هذا التقاعس، ليس من المستغرب أن يستهدف العمل الرسمي الأول للمركز الكيانات اليسيرة المنال، بحيث تم تسمية سلسلة من الأشخاص والكيانات اليمنية المرتبطة بتنظيم "الدولة الإسلامية في اليمن" وبتنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية". وفي هذا الصدد، سيجري اختبار المركز ونهج دول "مجلس التعاون الخليجي" التعاوني لمكافحة تمويل الإرهاب بشكل حقيقي عندما يقترح الأعضاء أهدافًا أكثر حساسيةً تشمل المواطنين السعوديين أو الإماراتيين أو القطريين. غير أن العمل الاستهلالي المشترك للمركز يكمن في بعث التفاؤل بأن المركز يمهّد "الطريق إلى المصالحة" كما أمل وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون.

وبالإضافة إلى الكيان الواحد والأشخاص الثمانية المستهدفين في هذا الإجراء المشترك الأول، أدرج جميع أعضاء المركز في لوائحهم الوطنية أسماء ثلاثة أشخاص آخرين وكيان آخر سبق أن أدرجته وزارة الخزانة الأمريكية في لائحة الإرهاب. وإن جميع الأشخاص الذين تمّ إدراجهم من الجنسية اليمنية، باستثناء شخص واحد اسمه عبد الوهاب محمد عبد الرحمن الحميقاني، وله روابط وثيقة مع قطر ويحتل مكانةً بارزةً على قائمة تسعة وخمسين كيانًا ضمّتهم السعودية والإمارات والبحرين، ومصر إلى اللائحة في حزيران/يونيو.

يُذكر أن الحميقاني، الذي وصفته وزارة الخزانة الأمريكية بالقائد الكبير في تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، قد قدّم الدعم المالي لتنظيم "القاعدة" من خلال مؤسسة خيرية يرأسها، وسرّب تبرعات من السعوديين إلى "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" في اليمن، بحسب البيان الصحفي الذي رافق تسميته في كانون الأول/ديسمبر 2013. وفي الإطار عينه، عمل الحميقاني عن كثب مع مواطن قطري بارز يدعى عبد الرحمن النعيمي، وفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية، التي أدرجت اسم النعيمي أيضًا في اللائحة. وبحسب التصنيف الإماراتي، لدى الحميقاني علاقات واسعة مع قطر إذ "يتلقى الحميقاني والكيانات المرتبطة به في شبه الجزيرة العربية في اليمن دعمًا ماليًا من "مؤسسة عيد الخيرية" القطرية. كما وعمل الحميقاني سابقًا كمفتي وعالم شريعة في وزارة الأوقاف القطرية ". فضلاً عن ذلك، إن الحميقاني عضو مؤسس في مؤسسة النعيمي الخيرية "الكرامة"، وكان "مستشارًا لدولة قطر في الهبات الخيرية"، وفقًا لنسخة عن سيرته الذاتية تناقلتها صحيفة "واشنطن بوست". ولدى الحميقاني أيضًا علاقات مع المملكة العربية السعودية. إذ ظهر على شاشة التلفزيون السعودي، وكذلك في مقابلة مع قناة "الجزيرة" في الرياض في عام 2015، أي بعد عامين من إدراجه في لائحة الإرهاب من قبل الولايات المتحدة.

وكان المسؤولون القطريون قد رفضوا في الماضي الاتهامات الموجّهة إليهم بشأن تمويل الإرهاب، ووصفوا قائمة المموّلين الإرهابيين التي أعلنت عنها دولة الإمارات بأنها "لا أساس لها". غير أن ممثّلي الادعاء القطريين يحاولون الآن، بعيدًا عن الشوشرة، رفع دعاوى جديدة متعلّقة بتمويل الإرهاب ضد النعيمي، الذي حوكم وتمّت تبرئته من هذه الاتهامات في عام 2016، ولكنه ما زال يخضع للمراقبة المنتظمة. وفضلاً عن ذلك، وقّعت قطر للتو على إدراج اسم الحميقاني الذي يجتمع عليه أعضاء المركز كافة، وهو شخصية ذات روابط قوية مع قطر ومواطنين قطريين بارزين والمؤسسات الخيرية القطرية. وفي هذا الإطار، نشرت وزارة الداخلية في قطر، كما فعل أعضاء "مجلس التعاون الخليجي" الباقين وأعضاء المركز، بيانًا صحفيًا يعدّد التسميات المشتركة لما وصفته بـ "القادة والممولين والميسّرين" لتنظيم "الدولة الإسلامية في اليمن" وتنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية". ويشكّل استخدام مثل هذه المصطلحات الصريحة لوصف شخص مثل الحميقاني خطوةً كبيرةً إلى الأمام بالنسبة إلى قطر.

وبمعزلٍ عن "مركز استهداف تمويل الإرهاب"، وقّعت الولايات المتحدة وقطر في تموز/ يوليو على اتفاقٍ ثنائيٍ يهدف إلى مكافحة تمويل الإرهاب. وفي هذا الصدد، أشاد وزير الخارجية تيلرسون بقطر لإحرازها "تقدمًا كبيرًا" في قضايا مكافحة الإرهاب بما في ذلك "مشاركة لوائح الإرهاب وتمويل الإرهابيين" في كلمةٍ ألقاها في الدوحة في 22 تشرين الأول/أكتوبر. وتشير الدلائل إلى أن السعودية مستعدّة لاستغلال المركز والاتفاق بين الولايات المتحدة وقطر للمصالحة مع قطر، شرط أن تضطلع واشنطن بدور المُصلح والضامن لحسن نية قطر. وفي 24 تشرين الأول/أكتوبر، قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس": "إذا تمكّنا من تغيير السلوك القطري، سيصبح "مجلس التعاون الخليجي" أقوى وسيكون في وسعنا مواجهة إيران والإرهاب". وأكّد الوزير جبير أن النزاع مع قطر مجرّد "مسألة بسيطة"، مشيرًا إلى وجود "مسائل أخرى يجب التركيز عليها".

ومع اتخاذ الدوحة الآن إجراءات ضد شخص تعتبره السعودية والإمارات رمزًا للتسامح القطري مع تمويل الإرهاب، يتعين على واشنطن أن تقترح إجراءات مشتركة قد تعزّز بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة. وقد لا تكون المصالحة التامة ممكنة بعد، ولكن يُعتبر السلام البارد تحسنًا ملحوظًا للوضع القائم. وفي نهاية المطاف، يعتبر تشكيل المركز "خطوةً جريئة وتاريخية لتوسيع وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء السبع في مكافحة تمويل الإرهاب". ولا شك في أن الحاضر هو الوقت الأفضل للجرأة.