السلطة » خلافات سياسية

حملة التطهير في السعودية .. ماذا تعني للشرق الأوسط؟

في 2017/11/09

مارك لينش - واشنطن بوست- ترجمة شادي خليفة-

هيمنت المملكة العربية السعودية على العناوين الرئيسية حول الأزمات الدولية والمحلية خلال عطلة نهاية الأسبوع. وقد تم اعتقال مجموعة واسعة من الأمراء والمسؤولين السعوديين، السبت الماضي، في حملة جديدة مزعومة ضد الفساد. وفي نفس اليوم استقال رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري»، فى بث مباشر من الرياض، واستهدف صاروخ حوثي مزعوم الرياض من اليمن، الأمر الذي دفع السعودية إلى إغلاق الحدود مع جارتها المحظورة بالفعل، فضلا عن التحذير من اندلاع حرب مباشرة مع إيران.

وركز المحللون والمسؤولون الموالون للحكومة على مسألة الفساد، وقدموا الاعتقالات كدليل على تفاني ولي العهد والملك في الإصلاح. ورأى معظم المحللين المستقلين في الحملة توطيدا سريعا للسلطة من قبل ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، الذي يبدو أنه قد أطاح تماما، بشكل منهجي، بأي معارضين محتملين لسلطته قبل خلافة العرش.

وفي حين لا يزال النطاق الكامل والنتيجة النهائية لاعتقالات نهاية الأسبوع أمرا غير واضح، ينبغي فهم التطورات الجديدة في سياق التفاعل بين خطوات «محمد بن سلمان» السريعة لتوطيد السلطة المحلية والموقف الإقليمي السعودي غير المستقر. وقد تكشفت طموحات «محمد بن سلمان» السياسية المحلية وتحركات السياسة الخارجية له في بيئة مشوبة بعدم اليقين إلى حد بعيد، مع وقوع كل من السلطة المحلية والنظام الإقليمي في حالة غير مسبوقة من التذبذب.

أما الهجوم الصاروخي اليمني واستقالة «الحريري» والاعتقالات السعودية، فعادة ما ينظر إلى ذلك كله على أنه أحداث ذات أهمية محلية في المقام الأول. ولكن في سياق اليوم، أثارت تلك الأحداث المخاوف من تصعيد إقليمي خطير لا يمكن التنبؤ به ضد إيران. ومنذ الانتفاضات العربية عام 2011، عاشت أنظمة الخليج، مثل السعودية، خوفا من القوة المفاجئة للتعبئة الشعبية، في الوقت الذي اتبعت فيه سياسات خارجية تدخلية، على غير العادة، في جميع أنحاء المنطقة. ولا بد من فهم الانتقال الموسع للسلطة السعودية في الداخل، ونمطها غير المنتظم لتدخلات السياسة الخارجية الفاشلة، في هذا السياق الإقليمي الأوسع.

وعلى الرغم من أنها لم يسبق لها مثيل، تتبع التطورات الأحدث النمط الذي استخدمه «محمد بن سلمان» منذ بداية صعوده السريع إلى السلطة عام 2015. وفي كل من الشؤون الداخلية والخارجية، قام الأمير باستمرار بحملات مفاجئة وواسعة النطاق لأسباب غير واضحة تحطم كل التوقعات. وفي الداخل، أثبتت هذه الاستراتيجية السياسية العدائية نجاحا نسبيا، على الأقل في المدى القصير. أما في الخارج، فقد تحولت معارك السياسة الخارجية، مثل التدخل في اليمن والحصار المفروض على قطر، بسرعة إلى مستنقعات مدمرة. ويساعد هذا المزيج من النجاح المحلي والفشل الخارجي على فهم تحركات نهاية الأسبوع، وقد تساعد في توقع ما قد يأتي بعد ذلك.

الفساد أم السلطة؟

وقد قدمت الحكومة السعودية الاعتقالات كخطوة جديدة عدوانية ضد الفساد. ويعد الفساد مصدر القلق الأكبر بين السعوديين، ويمكن لموقف «محمد بن سلمان» في مواجهة الفساد أن يعطيه العديد من المكاسب السياسية. ولكن ليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن الفساد هو السبب الحقيقي لحملة القمع. وتبدو الاعتقالات وكأنها تطهير كلاسيكي، وإزاحة للمنافسين البارزين ومراكز القوى المنافسة، بطريقة تهدف إلى تخويف المعارضين المحتملين الأقل شهرة. وقد تفوق فوائد تأمين الانتقال الفوري للسلطة مخاطر وجود معارضة خطيرة على المدى الطويل.

وكان كسر القواعد والتقاليد الراسخة جزءا ثابتا من استراتيجية «محمد بن سلمان» السياسية. وكان التحرك ضد مجموعة واسعة من الأمراء المنافسين ومراكز السلطة مفاجئة ضخمة، ومقصود منها إحداث صدمة. ويبدو أن سرعة ونطاق هذه التحركات مرتبطة أيضا بحاجة «محمد بن سلمان» لإغلاق ملف خلافة العرش قبل وفاة والده. وقد مكنته هذه الاستراتيجية من تعزيز سلطته بسرعة ملحوظة، مع خلق معارضة محتملة كبيرة ومتزايدة على الطريق.

واستهدفت الاعتقالات أنواعا متعددة من المعارضين المحتملين في نفس الوقت. وكان البعض يمثل تهديدات سياسية واضحة، مثل «متعب بن عبد الله»، ابن الملك الراحل ورئيس الحرس الوطني، الذي كان يمثل العقبة العسكرية الأولى أمام طموح «محمد بن سلمان». ولم يكن البعض الآخر يمثل تهديدا، مثل الأمير «الوليد بن طلال»، أحد أغنى الرجال وأكثرهم اتصالا في العالم، واللاعب الرائد في الإعلام العربي والسعودي والدولي. وكان البعض الآخر يشغل مناصب رئيسية في الحكومة قد يعطلون من خلالها تنفيذ خطط الإصلاح الاقتصادي التي وضعها «محمد بن سلمان». ويبدو أن المقصود من ضرب جميع هذه الجبهات في وقت واحد كان لتشكيل صدمة هائلة للنظام تحول دون رد الفعل من قبل أي منها.

ويأتي استهداف هذه الشخصيات رفيعة المستوى، في أعقاب موجة من الاعتقالات لمعارضين إسلاميين محتملين، والإطاحة بولي العهد السابق «محمد بن نايف»، ووجود جو عام من القمع المتزايد. وقد يكون السماح للمرأة بقيادة السيارات وتقييد سلطات الشرطة الدينية خطوات جزئية ومحدودة، إلا أنها كانت تصور عادة على أنها خطوط حمراء لا يمكن عبورها دون المخاطرة بعدم الاستقرار. وحتى الإطلاق الجزئي للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى، التي عرضت في رؤيته لعام 2030، من شأنه أن يكسر الأنماط التقليدية للاقتصاد السياسي. ويبدو أن الأمير الشاب يدفع باتجاه إنشاء نظام شخصي للحكم، دون الضوابط والتوازنات التي كان نظام الحكم السعودي يتسم بها عادة.

البعد الدولي

وكانت مقاربات «محمد بن سلمان» للسياسة الخارجية طموحة بالمثل في سرعتها ونطاقها، ولكنها حققت نتائج أقل نجاحا. وبينما تعتبر مؤسسات الدولة السعودية قوية بما فيه الكفاية للتخفيف من آثار السياسات الاستفزازية داخليا، فإن السياسة الدولية أقل تسامحا ولديها شبكات أمان أقل. وقد أثبتت كل مبادرة رئيسية في السياسة الخارجية بقيادة «محمد بن سلمان« أنها كانت كارثية، وغالبا ما ينتج عنها بالضبط النتائج السلبية التي كانت المبادرة تهدف إلى منعها في الأصل.

ويعد أبرز مثالين على هذا الحملتين ضد اليمن وقطر. لقد كان التدخل في اليمن كارثة غير مسبوقة. وأيا كان مبرر التدخل الأولي بعد التقدم الذي أحرزه الحوثيون والرئيس السابق علي «عبد الله صالح»، فمن الواضح أن التدخل العسكري قد فشل منذ وقت طويل. وقد واصل التحالف السعودي الإماراتي حملة حصار وتفجيرات لا هوادة فيها دون أي أفق سياسي ذي مغزى أو نظرية واضحة للانتصار. وكان الأثر الإنساني كارثيا. ويظهر الهجوم الصاروخى الذى وقع نهاية الأسبوع على الرياض أن تكاليف هذا المأزق لا يمكن احتواؤها داخل اليمن المحطم.

كما أن الحملة الدبلوماسية ضد قطر كانت كارثية على نحو مماثل، مما أدى إلى تدمير مجلس التعاون الخليجي في محاولة يائسة لفرض إرادة الأخ الأكبر، متمثلا في القيادة السعودية الإماراتية. وعلى الرغم من التوقع بالاستسلام القطري السريع، استقر الصراع بسرعة في مأزق راسخ، أدى إلى شل مجلس التعاون الخليجي وتصعيد الاستقطاب المدمر للسياسات الإقليمية. وقد كشف هذا المستنقع ضعف السعودية وعدم قدرتها على لعب دور الهيمنة الإقليمية التي تطمح إليها. وحتى في شراكتها مع دولة الإمارات، تمكنت المملكة من جلب البحرين ومصر فقط إلى تحالفها المناهض للقطر، في حين كافحت بقية المنطقة من أجل تجنب الانحياز.

ويثير هذا النمط مخاوف حقيقية حول العنصر الإقليمي الذي ظهر في مجموعة أحداث نهاية الأسبوع، متمثلا في إعلان «الحريري» استقالته من الرياض، وتصعيد الحرب اليمنية في أعقاب صاروخ يستهدف الرياض. وفي العادة، يمكن اعتبار كل منها تطورات محلية في المقام الأول، في صورة تعديل في الهيكل السياسي في لبنان، وتصعيد آخر في حرب اليمن التي دامت عامين.

وكثيرا ما رافق تحركات الاستيلاء على السلطة المحلية، التي قام بها «محمد بن سلمان»، تحركات كبرى في السياسة الخارجية. ولذلك، يخشى العديد من المراقبين الإقليميين من أن استقالة «الحريري»، التي أعلن عنها في الرياض مع خطاب حاد ضد إيران، قد تؤدي إلى أزمة سياسية تهدف إلى شن حملة عسكرية ضد حزب الله. ومن شأن هذا التحرك أن يتناسب مع نمط مبادرات السياسة الخارجية الجريئة لولي العهد. ومن المرجح أيضا أن تؤدي مثل هذه المبادرات التي تنهار بسرعة إلى مستنقع دموي جديد مزعزع للاستقرار.