السلطة » خلافات سياسية

«تشاتام هاوس»: اعتقالات «بن سلمان» أكبر من مجرد صراع حول السلطة

في 2017/11/10

جين كينينمونت - تشاتام هاوس-

تعكس اعتقالات مسؤولين رفيعي المستوى صورة ولي العهد السعودي الناشئة كرمز الشعبوية الاستبدادية لعصر ما بعد النفط. كما يعكس التطهير الجديد تحت ستار مكافحة الفساد في المملكة خاصية العمل المفاجيء المذهلة لـ«محمد بن سلمان» والتي تهدف إلى إحداث تغيير جذري.

وقد جاءت الاعتقالات السريعة للوزراء السابقين وأغنى رجل أعمال في البلاد في ظل تصاعد التوترات الإقليمية؛ ففي نفس اليوم، استقال رئيس الوزراء اللبناني أثناء زيارته للرياض، وتمكن الحوثيون في اليمن من إطلاق صاروخ باليستي على الأراضي السعودية . ويواجه «محمد بن سلمان»، مخاطر سياسية من اتجاهات متعددة، ولكن من المحتمل أن تقلل الاعتقالات من خطر أي شخص في الأسرة يمكن أن يشكل تحديا له في المستقبل المنظور.

وتشكل عمليات الاعتقال جزءا من إعادة تصميم «بن سلمان» للطريقة التي تحكم بها المملكة العربية السعودية. وتصور وسائل الإعلام السعودية هذه المعركة أنها معركة ضرورية ضد الفساد، في حين أن معظم وسائل الإعلام الغربية تعتبرها تطهيرا سياسيا. وبشكل عام هناك إحباط عام واسع النطاق حول الفساد والمحسوبية في المملكة العربية السعودية. ومن خلال إظهار أن الأثرياء يمكن القضاء عليهم عبر مكافحة الفساد، فإن ولي العهد يعالج قضية مهمة للرأي العام، والتي من المحتمل أن تمنحه شيئا من الشعبية.

وفي الوقت نفسه، عززت الاعتقالات سيطرة «بن سلمان» على الجيش، وأثارت تساؤلات حول مستقبل المنظمات الإعلامية القوية. وبشكل عام، غالبا ما تكون جهود مكافحة الفساد انتقائية سياسيا في البلدان التي تكون فيها المؤسسات وسيادة القانون ضعيفة وخاضعة لأفراد أقوياء.

ومنذ أن جاء والده إلى العرش في مطلع عام 2015، أطلق «بن سلمان» العديد من المشاريع المتزامنة مثل إصلاح الاقتصاد، وتحرير الحياة الاجتماعية، واعتماد سياسة خارجية جديدة للمواجهة، وأحدث تغييرا في الرؤية الإسلامية للبلاد في الوقت الذي أعاد فيه هيكلة الحكام التقليديين ودور رجال الدين من أجل تكريس مركزية السلطة في يده. ولم يكن خائفا من أنصار التقليدية حيث كان يراهن على دائرة الشباب الجديدة التي تريد أن ترى التغيير.

المشاريع الثلاثة

وتخدم الاعتقالات الدرامية التي نفذت في نهاية الأسبوع مشاريعه الثلاثة. وفيما يتعلق بالاقتصاد، تقوم وزارة التجارة والصناعة بتخفيض الإنفاق الحكومي ودعوة الاستثمار الأجنبي. ويمكن النظر إلى التصدي للفساد كوسيلة لخفض التكاليف، فضلا عن توجيه إشارات للمستثمرين الأجانب بأن هذا لن يشكل خطرا على أولئك الذين يمارسون أعمالهم في المملكة.

إن القبض على أغنى رجل في المملكة، الأمير «الوليد بن طلال»، فضلا عن الأمراء والوزراء، يتم طرحه كدليل على لا أحد فوق القانون وأن محاربة الفساد تصبح أكثر مصداقية إذا ما بدأت من القمة. ولكن مكافحة الفساد تتطلب أيضا تطوير المؤسسات وسيادة القانون بشكل منهجي. وقبل الإعلان عن الاعتقالات مباشرة، تم تعيين ولي العهد رئيسا للجنة جديدة لمكافحة الفساد، بينما يتم ذلك في كثير من البلدان عبر القضاء وليس بقرار القائد السياسي.

وهذا يؤدي إلى الموضوع الثاني: تركيز السلطة في أيدي «بن سلمان». إن إزالة «متعب بن عبد الله»، رئيس الحرس الوطني السعودي، وإقالة رئيس البحرية يزيد سيطرة «بن سلمان» على جميع الأجهزة الأمنية. وقد سبق له ان بسط سيطرته على وزارة الداخلية عندما أطاح بـ«محمد بن نايف»، وهو ولي العهد ووزير الداخلية، في وقت سابق من هذا العام. وقد كان ينظر إلى «متعب»، ابن الملك السابق «عبد الله»، على أنه ملك مستقبلي محتمل؛ الآن وقد ألقي القبض عليه وعلى شقيقه «تركي» مع رئيس الديوان السابق للملك عبد الله .

ومن بين رجال الأعمال الذين اعتقلوا عدد من المقربين من أبناء الأمير «سلطان» وولي العهد السابق بالإضافة الى رؤساء ثلاث مؤسسات إعلامية كبرى، ومن بينهم «صالح كامل»، رئيس مجلس إدارة دار نشر عكاظ، ورئيس قنوات إم بي سي «وليد الإبراهيم»، والأمير «الوليد»، الذي تشمل أعماله روتانا ميديا.

أما عن مشروعه الثالث، فإن «محمد بن سلمان» يحتاج إلى إعادة صياغة العقد الاجتماعي لعصر ما بعد النفط، وإيجاد طرق جديدة لإضفاء الشرعية على قيادته من خلال النجاح التنموي والقومية، فضلا عن نهج سلطوي متزايد. ويشكل موقفه الواضح من مكافحة الفساد جزءا من محاولة لمغازلة جيل الشباب السعوديين بدلا من التركيز على المؤيدين التقليديين بين رجال العائلة ورجال الدين ورجال الأعمال. إن «بن سلمان» واع لمسألة أنه في الوقت الذي يشعر السكان بالضغوط المالية، فإنهم يريدون أن يروا تراجعا مماثلا في إنفاقق العائلة المالكة، على الرغم من أن ولي العهد لم يطبق ذلك على نفسه حين قام بإنفاق 500 مليون دولار لشراء أحداليخوت في العام الماضي.

رهانات جديدة

ويبدو أن «بن سلمان» يراهن على أن دائرة كبيرة من الشباب السعودي تريد أن ترى تغييرا جذريا في الطريقة التي تحكم البلاد. ويبدو أنه يريد تسخير هذه المشاعر دعما للتغيير الذي ينطلق من أعلى إلى أسفل، وليس من أسفل إلى أعلى، سواء من خلال الاحتجاجات أو النشطاء أو المزيد من المتحدين الراديكاليين. وجاءت اعتقالات كبار الشخصيات، بمن فيهم أبناء الملك السابق بعد أسبوع من انتقاده تفسير الإسلام على مدى السنوات الثلاثين الماضية. ومن المرجح الآن أن يعقب الاعتقالات عرض العديد من التفاصيل حول الفساد بين أمراء آل سعود.

كل هذا يعد قطيعة كبيرة مع الماضي، وهو محاولة للانتقال إلى نموذج جديد للحكومة مع الحفاظ على استمرارية حكم آل سعود. وهو يمثل نهجا شعبويا استبداديا له نكهة مناهضة للمؤسسية.

وعموما، فإنه من المرجح أن يعزز التحرك ضد كبار الأمراء كل من قاعدة الدعم الشعبي لـ«بن سلمان» واتجاهاته الاستبدادية. وستبقى الأسئلة حول المعارضة داخل الأسرة، ولكن من المحتمل أن يكون الأمراء حذرين جدا بشأن مواقفهم الخاصة للتعبئة ضد القيادة الحالية. ولم تظهر الولايات المتحدة أي اهتمام أو أي مخاوف؛ وقد أشاد «دونالد ترامب» بالملك السعودي يوم السبت وأشاد بموقفه من التطرف وطلب أن يتم إدراج أرامكو فى بورصة نيويورك.