السلطة » خلافات سياسية

محمد بن سلمان بعيون الغرب - مغامر متهور أم إصلاحي شجاع؟

في 2017/11/10

DW- بالعربية-

إذا ما استثنينا التأييد غير المشروط للرئيس الأمريكي دونالد ترامب "للزلزال" الذي يقوده ولي العهد السعودي داخليا وخارجيا، فإنه يبدو أن باقي دوائر صنع القرار في الغرب سواء كانت أوروبية أو أمريكية تفضل الحذر والترقب.

اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبشكل استعراضي دعم سياسة اليد الحديدية التي ينتهجها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. فبمجرد أن يُعلن الأخير عن قرار في الرياض إلا ويسارع ترامب لدعمه بتغريداته الشهيرة. فقد كتب ترامب غداة اعتقال أمراء ووزراء سابقين "لدي ثقة كبيرة في الملك سلمان وولي عهده، فهما يعرفان بالضبط ما يفعلانه". اعتقالات  سلمان بحق مسؤولين سعوديين جاءت بعد زيارة غاريد كوشنر صهر ترامب وكبير مستشاريه، للرياض. وهوما أثار تكهنات بشأن كوشنر ولربما حتى مشاركته في بلورة خطط ولي العهد.

وفي حوار مع DW- عربية أكد يوخن هيبلر من معهد التنمية والسلام التابع لجامعة دويسبورغ ـ إسن الألمانية أن "غالبية الدول الأوروبية حذرة في موقفها حيال سياسة ولي العهد السعودي، عكس الرئيس ترامب الذي يميل إلى توفير دعم غير مشروط للحكومة السعودية"، حتى وإن كانت الخارجية الأمريكية تعزف نغمة مختلفة نسبيا. أما برلين وباقي العواصم الأوروبية فتراقب هذه التطورات بترقب أحيانا وبحيرة أحيانا أخرى، خوفا من خروج الوضع عن السيطرة في منطقة غير مستقرة أصلا.

حذر في واشنطن.. رغم تغريدات ترامب

تربط واشنطن والرياض علاقة تعود لعام 1931 حينما منح الملك عبد العزيز آل سعود حق التنقيب عن النفط لشركة أمريكية، لتتطور تلك العلاقة لتحالف استراتيجي عام 1945 في إطار اتفاق كوينسي الذي يقضي بحماية أمريكية غير مشروطة لعائلة آل سعود مقابل ضمان امدادات النفط التي تحتاجها الولايات المتحدة.

ومنذ ذلك الحين، أصبح الشأن السعودي شأنا أمريكيا والعكس صحيح. فبغطاء من البيت الأبيض  يقود ولي العهد محمد بن سلمان حملة تطهير غير مسبوقة في تحد مثير لتقاليد وأعراف توارثها البلاط السعودي عبر عقود، عنوانها الرسمي محاربة الفساد وجوهرها تعزيز شرعية الأمير الشاب في استعراض قوة لا يخلو من مقامرة على المستويين الداخلي والخارجي، وهو ما قد يهدد حتى المصالح الأمريكية في المنطقة.

ويؤكد مدير المركز العربي خليل جهشان في حوار مع DW- عربية أن أمريكا تفتقر لسياسة موحدة حيال السياسة السعودية الراهنة، ويقول "بصراحة لا أرى، أن هناك سياسة أمريكية موحدة بشأن كيفية التعامل مع تطورات الأوضاع في السعودية. يبدو أن للبيت الأبيض وجهة نظر يقابلها صمت تام في باقي دوائر صنع القرار الأمريكي". يذكر أنه على العكس من موقف ترامب، دعت الخارجية الأمريكية، الرياض إلى مقاضاة المعتقلين في إطار حملة محاربة الفساد بطريقة "عادلة وشفافة".

الحذر الأمريكي لا ينحصر في وزارة الخارجية، بل ينسحب على وسائل الإعلام أيضا.  إذ "لاحظت أن غالبية وسائل الإعلام الأمريكية غير مقتنعة بالتفسير الرسمي السعودي بشأن محاربة الفساد، ورأت غالبية الصحف أن الهدف هو تركيز جميع السلطات في يد شخص واحد"  بحسب قول الخبير جهشان.

تخوف أوروبي من زعزعة الاستقرار

رغم أن برلين رفضت علنيا، التعليق على موجة الاعتقالات الأخيرة التي تمت في السعودية، إلا أن تقريرا لجهاز الاستخبارات الألمانية الخارجية "بي.إن.دي" صدر نهاية 2015، كان قد دق ناقوس الخطر بشأن ما أسماه "سياسة الاندفاع والتسرع" للقيادة السعودية الجديدة. وعبَر التقرير عن مخاوف من أن يقود ذلك إلى زعزعة الاستقرار في العالم العربي حيث أكد أنه إذا ثبّت ولي العهد الجديد أقدامه بإجراءات مكلفة و إصلاحات باهظة الثمن، فإن ذلك سيثير غضب بقية أفراد العائلة المالكة وفئات واسعة من الشعب السعودي". وانتقد التقرير سياسة تضخيم العداء العقائدي مع إيران.

القلق نفسه لقي صدى واسعا في معظم الصحف الأوروبية، وحتى وإن أبدى بعضها الدعم المبدئي لمحاربة الفساد والتطرف الديني. فقد نشرت صحيفة ذي اندبندنت البريطانية مقالا بعنوان: "الرجلان الأخطر في العالم" في إشارة إلى "السياسة المتهورة" لدونالد ترامب ومحمد بن سلمان. فيما ذهبت "ذي تايمز" البريطانية إلى القول بأن ولي العهد السعودي يستحق الدعم، واعتبرت حملة الاعتقالات نقطة تحول في أفق محاربة ما أسمته بالفساد المنهجي الذي ينخر المملكة. كما أشادت الصحيفة برغبة الأمير في محاربة التطرف وجعل السعودية معقلا للإسلام المعتدل.

الشرق الأوسط على فوهة بركان

من جهته حذر  الخبير الالماني يوخن هيبلر من المخاطر التي قد تنجم عن السياسة الخارجية لمحمد بن سلمان وأكد أن "سياسته تعتمد  على "المواجهة والمخاطرة" مقارنة بالسياسات السابقة للملكة، وهو ما يظهر جليا في كل من السياسة المتبعة مع  قطر أو اليمن أو إيران".

 وذكر الخبير الألماني أن هناك مخاوف من أن يقود ذلك إلى "زعزعة الاستقرار" في المنطقة. فيما يرى خليل جهشان أن النتيجة قد تكون مملكة أقل استقرارا. فإذا كان الهدف هو "مواجهة الخطر الإيراني في المنطقة، فإن من مصلحة الولايات المتحدة أن يكون الوضع مستتبا داخل السعودية"، بمعنى أن التغييرات المتسارعة التي تزلزل أركان الحكم في هذا البلد لن تجعل السعودية في موقع قوة لمواجهة إيران".

أما أوروبا فتقف مكتوفة الأيدي وعاجزة أمام هذه السياسية الاندفاعية بحسب هيبلر، ويقول "هناك دعم أمريكي واضح، فيما الحكومات الأوروبية تتابع الوضع بنوع من القلق". ويرى الخبير الألماني أن امكانيات تأثير الأوروبيين محدودة خاصة أن واشنطن تتبنى في الوقت الراهن سياسة تعتمد المواجهة. واستطرد قائلا " أوروبا لا تملك ما يكفي من الوسائل للتأثير بشكل جذري على بؤر التوتر في الشرق الأوسط".