السلطة » خلافات سياسية

المقامرة الطموحة لولي العهد السعودي

في 2017/11/11

ستراتفور-

تحوم رياح التغيير في صحراء السعودية. وقد أسرت 3 أيام من مؤامرات القصر في الرياض السعوديين والمراقبين الأجانب على حد سواء؛ حيث تم اعتقال العشرات من الأمراء والوزراء والمسؤولين السابقين والحاليين في إطار حملة لمكافحة الفساد بقيادة ولي العهد الشاب، «محمد بن سلمان».

ولا شك أن الحملة تقودها دوافع مشروعة لإعادة هيكلة شبكات الأسرة المالكة. ومع ذلك، فإنها تهدف أيضا إلى تعزيز وضع الأمير القوي في أعلى التسلسل الهرمي الاقتصادي والسياسي للبلاد.

ولأعوام، خطط الملك «سلمان» وابنه بدقة لصعود الأمير الشاب إلى العرش. لكن سعيهم إلى توطيد السلطة هو نتاج البيئة الجيوسياسية في المملكة وكذلك طموحاتهم الشخصية سواء بسواء.

توازن قوى جديد

وكانت محاولة آل سلمان لتجميع السلطة تختمر لأعوام. ولأن مؤسس السعودية، الملك «عبدالعزيز»، كان لديه 36 ابنا، فإن الكثير من تاريخ المملكة المعاصر تميز بالمنافسة وبناء التحالفات، في كثير من الأحيان بين فروع الأسرة المختلفة من مختلف الأمهات.

وكثيرا ما تذهب السيطرة على بعض المواضع أو المؤسسات إلى شخصيات محددة من أصحاب النفوذ الملكي.

وعلى سبيل المثال، قاد ولي العهد السابق، «سلطان بن عبدالعزيز»، وزارة الدفاع منذ ما يقرب من 50 عاما، قبل تمريرها إلى أخيه، الملك الحالي.

وبنفس الطريقة، سلم الملك الراحل «عبدالله» مقاليد الحرس الوطني السعودي إلى ابنه في نهاية المطاف. وحتى أن بعض الأمراء تمكنوا من القيام بأدوارهم الخاصة في اقتصاد المملكة، على الرغم من أن بعض القطاعات، بما في ذلك صناعة النفط الهامة جدا، ظلت في أيدي التكنوقراط.

وخلق هذا الهيكل من السلطة نظاما غير رسمي من الضوابط والتوازنات، التي منعت أي فصيل ملكي واحد من السيطرة على البلاد.

ونتيجة لذلك، كان أي تغيير كبير في المملكة يتطلب تاريخيا توافق الآراء بين الأسرة الحاكمة. ولكن يبدو أن هذا النظام يذهب الآن بدون رجعة.

ومع معاناة غالبية أبناء مؤسس المملكة المتبقين من الشيخوخة، فإن أحفاده حريصون على المطالبة بحقوقهم، وعندما فعلوا، أخذ الملك «سلمان» على عاتقه إعادة هيكلة أسرة آل سعود وتوازن القوى فيها.

ومنذ تولي العرش في يناير/كانون الثاني عام 2015، عمل الملك على إعادة تنظيم الدولة السعودية وتجميع مراكز القوى فيها تحت سيطرة ابنه «محمد»، حفيد الملك المؤسس في سلالة الأسرة السلمانية، مع القضاء على عدد من التحديات من الخصوم العائليين.

وفي الواقع، بعد ساعات فقط من توليه منصبه، عين الملك «سلمان» ابنه «محمد» وزيرا للدفاع، الأمر الذي منحه دورا رائدا في الجهاز العسكري للبلاد.

وفي الأعوام التي تلت ذلك، أصبح ولي العهد أيضا وجه رؤية المملكة لعام 2030، وهي خطة الإصلاح الاقتصادي، إضافة إلى رئاسة العديد من المجالس الاقتصادية الهامة، بما في ذلك المجلس الأعلى، المنشأ حديثا، لشركة النفط السعودية أرامكو.

وسرعان ما صعد «محمد بن سلمان» إلى مكانة بارزة، لكنه لم يكن حتى هذا العام قادرا على إزاحة اثنين من أكبر منافسيه.

وفي يونيو/حزيران، أطاح الملك بـ«محمد بن نايف»، الرجل القوي الذي كان يسيطر على وزارة الداخلية، ومن ثم بعض أجهزة المخابرات في البلاد، ليحل محله «بن سلمان» كولي للعهد.

وبحلول الشهر التالي، قام ولي العهد المعين حديثا ببناء جهاز أمني منحه رقابة إضافية على مهام التحقيق في مجتمع الاستخبارات السعودي.

ثم في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، أطاح الملك «سلمان» بالأمير «متعب بن عبدالله» من منصبه على رأس الحرس الوطني السعودي؛ الأمر الذي أدى إلى الحد من نفوذ ابن أخيه، ومنح «بن سلمان» سلطة على الأجهزة الأمنية جميعها.

الحاجة إلى الإصلاح

لكن هناك المزيد من العوامل المحفزة لأنشطة ولي العهد أكثر من كونه مجرد تحول بسيط بين الأجيال؛ فالمملكة تواجه اليوم أكبر أزمة اقتصادية واجهتها منذ اكتشاف النفط عام 1938.

وقد أدى انخفاض أسعار النفط الخام إلى تباطؤ اقتصاد البلاد المعتمد على النفط، ورغم أن الأسعار قد ترتفع بشكل مؤقت، وقد وصلت بالفعل، في 6 نوفمبر/تشرين الثاني، إلى ذروتها منذ يونيو/حزيران عام 2015، فمن الواضح أن النفط لن يعول عليه لنمو الاقتصادي السعودي بشكل موثوق كما كان في السابق.

ولا شك أن «بن سلمان»، الذي يبلغ من العمر 32 عاما، سيترأس التحول الاقتصادي في المستقبل، حيث تتضاءل أهمية النفط في مزيج الطاقة العالمي على مدى العقود القليلة القادمة.

وقد أجبرت التحديات المالية، التي تسببت بها هذه الأوضاع، السعودية على اتخاذ تدابير للتقشف.

وفي وقت سابق من هذا العام، خفض المسؤولون السعوديون بعض الإعانات، وفي مرحلة ما، نظروا في إلغاء جميع هذه الإعانات.

ولكن من الصعب، على الرغم من انخفاض عائدات النفط والإنفاق الاجتماعي في الرياض، أن تجد نموذجا اقتصاديا جديدا ليحل محل نموذجها الحالي، الموجه نحو صادرات النفط.

وعلى الأرجح، قد تكون حزمة الإصلاحات الضخمة، مثل «رؤية 2030»، التي تسعى إلى تعزيز قوة المملكة من خلال توجيه الاحتياطيات المالية الضخمة نحو الاستثمار، أفضل فرصة للنمو على المدى الطويل.

وبينما تبحث المملكة عن سبل لتعزيز إنتاجية العمل لديها، سيكون لديها حافز اقتصادي أكبر لتشجيع مشاركة المرأة في القوى العاملة وفي الحياة العامة.

وتعد كل هذه التغيرات قضايا هامة وحساسة، يجب على الحاكم السعودي المقبل أن يتصدى لها على مدى العقد أو العقدين القادمين.

وجميعها مشاكل لا يمكن لولي العهد أن يعالجها من موقف ضعف؛ لأن حلولها من المرجح أن تغضب بعض الفصائل الأكثر نفوذا في البلاد.

وبعيدا عن القوى المحلية التي تواجه سياسات «بن سلمان» الاقتصادية؛ فهناك أيضا قوى خارجية تدفع ولي العهد إلى تبني سياسة خارجية أكثر عدوانية.

وقد مثلت أهداف السعودية المتمثلة في مكافحة الإرهاب والحد من قدرة المنافسين الإقليميين، مثل إيران، على مساعدة الجماعات المسلحة في جميع أنحاء المنطقة، دافعا للرياض إلى مواصلة المشاركة في حرب اليمن المكلفة.

وفي الوقت نفسه، أثارت العلاقات السياسية والأمنية المتنامية لإيران في أماكن مثل العراق وسوريا ولبنان مخاوف الرياض، من أن تكتسب طهران نفوذا أكبر في الشرق الأوسط على حساب السعودية.

وقد أثبت «بن سلمان» بالفعل استعدادا أكبر لتحدي إيران، في الأماكن التي تتمتع فيها بتأثير أكبر، وخاصة مع وجود واشنطن، كحليف قوي، في ظهره.

ومع الحذر من الطرق التي قد تستخدم بها إيران علاقاتها مع الميليشيات في العراق وسوريا ولبنان، فقد دعمت الولايات المتحدة تطلعات السعودية للهيمنة الإقليمية.

وعلى الرغم من أن ولي العهد من المرجح أن يتمسك بتكتيكاته الحازمة في الخارج، مع أو بدون موافقة واشنطن، فقد ساعده دعم الولايات المتحدة بكل تأكيد في المضي قدما في مساعيه.

مقامرة خطرة

وينطوي إصلاح أساليب المملكة التقليدية لصنع القرار على مخاطر معينة.

وقد يتسبب الاضطراب السريع لشبكات المحسوبية وقنوات النفوذ والسلطة في إثارة النخبة السعودية.

وحتى الآن، ليس من الواضح ما إذا كان «بن سلمان» يعتزم تقليص دائرة السلطة إلى مجموعة من أقرب مستشاريه، أو إذا كان مقدما على احتكار السلطة لنفسه.

لكن ما يتضح هو أن ولي العهد يراهن على شعبيته بين المواطنين السعوديين، الذين يؤيد الكثيرون منهم محاولته لمكافحة الفساد، من أجل الحصول على الولاء الذي يحتاجه لإعادة كتابة العقد الاجتماعي للمملكة.

وبعد كل شيء، في مرحلة ما بعد النفط، لن تستطيع المملكة الحفاظ على تقديم هذا النوع من العطاءات السخية، التي حافظت من خلالها، لفترة طويلة، على مسافة صحية بين شعب البلاد والنخبة التي تحكم.

وبدلا من ذلك، ستحتاج المملكة إلى عقد اجتماعي مختلف، يتطلب المزيد من الثقة بين المواطنين السعوديين والمسؤولين.

ويدرك «بن سلمان» جيدا هذه الحاجة، وكان ناجحا، إلى حد ما، في سعيه لتحقيق القوة المطلوبة لتحقيق ذلك.

ولكن الوقت وحده سيقول ما إذا كان سيحقق نفس النجاح في تعزيز ثقة شعبه في أولئك الذين يحكمونهم.