السلطة » خلافات سياسية

على العالم دفع «بن سلمان» لإصلاح السعودية وليس تدميرها

في 2017/11/13

إيكونوميست- ترجمة شادي خليفة -

في مملكة لا تعرف إلا التغيير البطيء فقط، إذا وجد، كانت الدراما التي شهدتها المملكة العربية السعودية في الأيام الأخيرة مذهلة.

تم القبض على عشرات الأمراء والوزراء والمسؤولين الحاليين والسابقين، وتم اتهام معظمهم بالفساد.

ويجري احتجاز العديد من المعتقلين في فندق «ريتز كارلتون» في الرياض، وربما تم تجميد حوالي 800 مليار دولار من الأصول.

وفي الوقت نفسه، تم اعتراض صاروخ من اليمن على مقربة من الرياض، الأمر الذي دفع السعودية إلى اتهام إيران بالإقدام على «عمل من أعمال الحرب».

ويخلق الاضطراب في الداخل والتهديدات بالحرب في الخارج مزيجا مثيرا للقلق في بلد ظل قائما حتى الآن وسط الانهيار العنيف الذي يضرب الشرق الأوسط.

ولا يمكن للعالم أن يتحمل عدم الاستقرار في أكبر بلد مصدر للنفط، وأكبر اقتصاد عربي، وموطن أقدس موقعين في الإسلام.

وفي وسط الزوبعة، يقف ولي العهد الطموح «محمد بن سلمان»، نجل الملك «سلمان»، وقد افتعل الأمير انقلابا في القصر، أو ربما انقلابا مضادا ضد المعارضين الذين يسعون إلى منع تغييراته الكاسحة.

وفي كلتا الحالتين، في سن 32 عاما فقط، أصبح الأمير الشاب أقوى رجل في المملكة منذ عهد الملك «عبدالعزيز بن سعود»، الذي أسس الدولة، وكل هذا قد يكون مقدمة لإصلاحات عميقة تحتاجها البلاد، لكن الخطر يكمن في احتمال أن يقود فقط باتجاه إنشاء ديكتاتورية عربية أخرى.

ويصف «بن سلمان» نفسه بأنه بطل الشباب، ويدرك أنه يجب على بلاده أن تعيد تشكيل نفسها للتعامل مع نهاية عصر الطفرة النفطية، ومواكبة الزيادات السكانية، ومواجهة الأيديولوجية الدينية الوهابية المتصاعدة التي كانت أساسا للجهادية.

وقد وضع خططا طموحة لتسخير الشركات الخاصة لإصلاح الدولة وفطم البلاد عن النفط، كما خفف بعض القيود الاجتماعية، ووعد بإنهاء الحظر على قيادة النساء، وتقييد الشرطة الدينية، ويتحدث عن العودة إلى «الإسلام المعتدل المفتوح على العالم وجميع الأديان».

أمير عربي متهور

يعد كل هذا موضع ترحيب، لكن الطريقة التي يتبعها الأمير في إحداث التغيير تدعو للقلق، وأحد أسباب القلق هو أن طموحه غالبا ما يتحول إلى حالة من العجلة والتهور.

وقد قاد تحالفا عربيا في حرب لا يمكن الفوز بها في اليمن ضد الحوثيين؛ الميليشيات الشيعية، وخلق بسبب ذلك كارثة إنسانية.

كما سعى إلى عزل قطر؛ الجار الغني بالغاز، ولم ينجح إلا في تحطيم مجلس التعاون الخليجي ودفع قطر نحو إيران.

ومع عدد أقل من القيود، فلا يمكن إلا أن يصبح أكثر تهورا، وهو يقاتل إيران من خلال الحرب في اليمن، وقد يذهب إلى تحديها في لبنان.

وكان رئيس الوزراء اللبناني، المدعوم من السعودية، «سعد الحريري»، قد أعلن تنحيه عن منصبه من الرياض، وندد بتدخل إيران وحزب الله.

وليس من الواضح بالضبط ما يعتزم السعوديون القيام به في لبنان، لكن الكثيرين يساورهم القلق بشأن العودة إلى العنف في بلد عانى من الحروب الأهلية والصراعات بين حزب الله و(إسرائيل).

وثمة شاغل آخر هو الاقتصاد، وتعتمد خطة ولي العهد لتحويل الاقتصاد، جزئيا، على جذب المستثمرين الأجانب، لكنهم سيترددون في ضخ أموال كبيرة في البلاد بعد القبض على شخص مثل «الوليد بن طلال»، وهو أمير ومستثمر عالمي.

وفي الشهر الماضي، استقبل «بن سلمان» جمعا من المستثمرين الأجانب للحديث حول مدينة جديدة ذات تكنولوجيا عالية مليئة بالروبوتات، وهي مدينة «نيوم»، وتمت استضافة هذا الحدث الجذاب في نفس الفندق الذي أصبح الآن سجنا للأمراء.

والسبب الثالث للقلق هو استقرار النظام الملكي، وقد استند الحكم السعودي حتى الآن إلى 3 ركائز؛ وهي: التوافق والتوازن بين الأسرة المالكة مترامية الأطراف، ودعم رجال الدين الوهابيين، ونظام من المنافع للمواطنين من المهد إلى اللحد.

ويضعف الأمير «محمد» الركائز الثلاث من خلال تركيز السلطة في يده، والدفع باتجاه الحريات الاجتماعية، وفرض التقشف والخصخصة.

ورغم الحاجة إلى التغيير، كان يمكن لولي العهد السعي إلى شرعية جديدة عن طريق التحرك نحو مزيد من النقاش والتشاور.

وبدلا من ذلك، تختفي مساحة المعارضة، وتزداد حالات الإعدام، وتنفذ حملة مكافحة الفساد بأقل قدر ممكن من الإجراءات القانونية، ولا توجد معايير لتحديد المذنب من البريء.

ويهتف العديد من السعوديين الآن لهذه التحركات، لكن الاعتقالات تبدو كأنها تطهير على نمط «شي جين بينغ» في الصين، ولا يتبع سيادة القانون، كما أنه يتلقى مقاومة بشكل متزايد، وتضيق قاعدته شيئا فشيئا.

وقد يعتمد ولي العهد بشكل متزايد على جهاز الأمن لإسكات النقاد، ومن شأن هذا أن يكرر فقط أخطاء رؤساء الجمهوريات العربية، بأن يكون متحررا جدا من الناحية الاجتماعية، ولكنه يمارس القمع، ويفشل في نهاية المطاف.

وقد توقع الكثيرون سقوط آل «سعود»، لكنه ثبت خطؤهم، والبديل الأكثر احتمالا لحكمهم لن يكون الديمقراطية، بل الفوضى، سوف تتفتت البلاد، وفي ظل التدافع بين أثريائها، سوف تتمدد قوة إيران، وسيكتسب الجهاديون متنفسا جديدا، وستضطر القوى الأجنبية للتدخل.

ويتعين على العالم أن يحدوه أمل كبير في نجاح إصلاحات «بن سلمان» الجيدة، بينما يحثه على ضبط النفس في دوافعه السيئة.

وكان من الخطأ أن يرحب الرئيس «دونالد ترامب» بحملة التطهير، ويجب على الغرب بدلا من ذلك أن يطلب من الأمير التصرف بحذر، وتجنب التصعيد مع إيران، وضمان حرية الحياة السياسية في المملكة، وقد يكون من الأفضل للأمير والمملكة والعالم أن يستجيب للتحذير القائم على المصلحة، بدلا من الإشادة بكل أفعاله.