السلطة » خلافات سياسية

«بن سلمان» المغرور يذهب بسياسة الحذر أدراج الرياح

في 2017/11/16

بن هوبارد وديفيد كيركباتريك - نيويورك تايمز-

بدعم ضمني من والده، أكد ولي العهد السعودي، البالغ من العمر 32 عاما، نفسه كأقوى شخصية في العالم العربي، وهرع إلى مواجهة جميع الأطراف في آن واحد.

وأمر ولي العهد، «محمد بن سلمان»، بإلقاء القبض على 11 أميرا من عائلته المالكة، ونحو 200 من نخبة رجال الأعمال السعوديين، وبدأ في تقييد سلطة رجال الدين المحافظين في المملكة. وقد حاصر قطر المجاورة، واتهم إيران بالقيام بأعمال حرب، وخطط لاستقالة رئيس الوزراء اللبناني. وفي اليمن، تقاتل قواته المسلحة فصيلا مدعوما من إيران، في حرب مستعصية تسببت في أزمة إنسانية.

وقد تحرك ولي العهد بتهور للدرجة التي شعر معها المسؤولون الأمريكيون وغيرهم بالقلق من أنه يزعزع استقرار المنطقة. فضلا عن أن علامات الفشل المحتمل آخذة في الازدياد.

والمستثمرون، القلقون من خططه، ينقلون أموالهم خارج المملكة. وقد سعى «بن سلمان» إلى مواجهة هروب رؤوس الأموال من خلال الضغط على المعتقلين وغيرهم لتسليم أصولهم. وقد قدم الاعتقالات كحملة ضد الفساد، ولكن بالنظر إلى أهدافه فيمكن تسميتها حملة ابتزاز، ويبدو أنه استمع إلى نصيحة وزير الداخلية المصري السابق «حبيب العادلي»، الذي كان قد تلقى حكما قضائيا بالحبس بسبب الوحشية والكسب غير المشروع.

ويقول مؤيدو ولي العهد إنه يتخذ ببساطة التدابير الجذرية اللازمة لتحويل الاقتصاد المعتمد على الكسب غير المشروع والنفط في المملكة، بينما يقاوم العدوان الإيراني.

لكن المحللين حول المنطقة يناقشون ما إذا كان الاندفاع المتهور قد يدفعه إلى مزيد من الرغبة في ترسيخ السلطة قبل الخلافة الملكية المحتملة، والمحاولات اليائسة لجمع المال اللازم لتمويل خططه، أو ببساطة الطموح الذي لم يسبق له مثيل لوضع بصمته على الشرق الأوسط ككل. وعلى الرغم من حماسة الرئيس «ترامب» للأمير، فإن البعض في وزارة الخارجية والبنتاغون ووكالات الاستخبارات يخشون من أن اندفاعه وتهوره قد يعيق أهدافه ويزعزع استقرار المنطقة.

وقال «فيليب غوردون»، منسق الشرق الأوسط في البيت الأبيض تحت قيادة الرئيس «باراك أوباما»: «لقد قرر ألا يفعل أي شيء بحذر». وأضاف: «إذا همش ولي العهد الكثير من الأمراء وأركان النظام الأخرى، ودخل في صراعات إقليمية مكلفة، وأخاف المستثمرين الأجانب، فقد يقوض آفاق الإصلاحات ذاتها التي يحاول تنفيذها».

وقال المحللون إن الاعتقالات خارج نطاق القضاء روعت المستثمرين بما فيه الكفاية لعرقلة خطط الأمير للطرح العام لأسهم شركة أرامكو، شركة النفط السعودية، في نيويورك أو لندن العام المقبل. وتعد هذه الخطوة حجر الزاوية في مبادرته الإصلاحية.

وقد أثارت تهديدات ولي العهد ضد إيران ولبنان شبح الحروب، التي لا يعد الجيش السعودي، الذي تعثر بالفعل في اليمن، مهيأ للقتال فيها. وسوف تضطر الرياض إلى الاعتماد على الولايات المتحدة أو (إسرائيل) في أي صراع جديد.

تطهير وابتزاز

وفي الوقت نفسه، تهدد حملة التطهير التي يقودها ضد الفساد في الداخل بإضعاف العائلة المالكة ونخبة المال، في لحظة يحتاج فيها إلى الوحدة، إما لتلافي الخلافات في طريقه للعرش أو لمواجهة إيران. وقال طبيب من أقرب مستشفى ومسؤول أمريكي يتابع الوضع إن 17 شخصا من الذين اعتقلوا في حملة مكافحة الفساد احتاجوا إلى علاج طبي من قبل محتجزيهم.

وصرح أحد مستشاري «حبيب العادلي»، وهو وزير داخلية مصري سابق، أن رئيس جهاز الأمن الداخلي المصري السابق الهارب، يقدم المشورة إلى «بن سلمان»، وهو وزير داخلية مبارك الذي يتمتع بسمعة سيئة للوحشية والتعذيب التي مارستها وزارته قبل ثورة يناير/كانون الثاني عام 2011. ويقول محاموه إنه يعتزم الطعن في حكمه الغيابي الأخير بالسجن 7 أعوام بتهمة الفساد في مصر.

وحول مسؤولون في الديوان الملكي السعودي تساؤلات صحفية حول هذه التقارير إلى سفارة المملكة العربية السعودية في واشنطن، حيث قالت المتحدثة باسم السفارة «فاطمة باعشن» إن السفارة لا تستطيع تأكيدها أو نفيها.

ومع تراجع أسعار النفط في الأعوام الأخيرة، جمدت السعودية العديد من مشاريعها وأنفقت أكثر من ثلث احتياطياتها المالية، مما أدى إلى استنزافها إلى نحو 475 مليار دولار هذا الخريف، من أعلى مستوى لها البالغ 737 مليار دولار في أغسطس/آب عام 2014. وبهذه النسبة من الحرق، فإن المملكة لديها بضعة أعوام فقط لرفع إيراداتها أو خفض إنفاقها لتفادي أزمة مالية.

وفي ظل هذه الخلفية، يقول مؤيدو الأمير إن حملة مكافحة الفساد تهدف إلى استعادة مئات المليارات من الدولارات التي تسربت من ميزانية الدولة عبر الكسب غير المشروع، وهو ما يحتاجه لتمويل خططه التنموية.

وكان الأمير «محمد» قد ناشد الأثرياء في المملكة منذ شهور أن يستثمروا في برنامج التحديث. غير أن البعض قال إن خططه، مثل مركز الأعمال الجديد بقيمة 500 مليار دولار أمريكي «لحالمي العالم»، التي من المفترض بناؤها من الصفر، وتغذى بالكامل بالطاقة النظيفة، مجرد تصور وفكرة سيئين. وبدلا من الاستثمار في الداخل، تحركت الأصول بهدوء إلى الخارج.

والآن، لم تعد الدعوة قائمة. وقال مسؤول أمريكي، حول حملة القمع ضد العائلة المالكة، إن الحكومة السعودية تضغط على بعض المعتقلين وآخرين لا يزالون طلقاء لدفع مبالغ كبيرة مقابل معاملة أفضل. وقد تم استدعاء موظفي بعض المعتقلين، قبل أشهر، للإجابة على أسئلة حول رؤسائهم، مما يشير إلى أن عملية التطهير كانت مخططة مسبقا.

وقال مسؤول سعودي كبير، يدافع عن حملة القمع الأسبوع الماضي، إنها تهدف إلى إظهار أن قواعد العمل القديمة في المملكة قد تغيرت.

وقال المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن «الفساد ينخر البلاد على كل المستويات، وهناك مئات المليارات من الريال التي تضيع من الاقتصاد الوطني كل عام». وأضاف: «كان الغرض من الحملة أساسا إحداث صدمة للنظام، لإرسال رسالة مفادها أنه لن يتم التسامح مع الفساد بعد الآن، وأنه لم يعد أحد محصنا».

إبعاد المنافسين

لقد كان الفساد متوطنا جدا في المملكة منذ فترة طويلة، بدءا من العقود الحكومية المتضخمة للمشاريع الكبيرة إلى الرشاوي البسيطة للحصول على جوازات سفر، وقد شارك في ذلك عدد لا يحصى من السعوديين. ومع ذلك، يبدو أن بعض الأمراء الذين يعانون من سمعة فساد واضح تركوا دون مساءلة، مما يثير تساؤلات حول من يتم استهدافه، ولماذا.

وهناك علامات أخرى تشير إلى أن «بن سلمان» قد يكون قد سعى بهذه الحملة أيضا إلى إحباط المنافسين المحتملين. وفي يونيو/حزيران، قام والده بتجريد الأمير «محمد بن نايف»، البالغ 58 عاما، من منصبيه كولي للعهد ووزير للداخلية، وتم إجباره على البقاء داخل قصره، وحل محله «بن سلمان». وقد هدأ معجبو ولي العهد المخلوع، الأسبوع الماضي، عندما ظهر في مقطع فيديو يتحرك بحرية في جنازة عائلية، ويتلقى القبلات على كتفه، في صورة من إظهار الاحترام والولاء من أفراد العائلة المالكة.

لكن هذا العرض الذي أظهر شعبيته المستمرة كان أكثر من اللازم بالنسبة إلى ولي العهد الشاب، الذي أمر في اليوم التالي بالاستيلاء على أصول ولي العهد السابق، بالإضافة إلى أصول زوجته وبناته، وفقا لما ذكره اثنان من أفراد العائلة.

وقالت السيدة «باعشن»، المتحدثة باسم السفارة السعودية، إنها لا تستطيع التعليق على أية تحقيقات محتملة.

ويشك مسؤولون أمريكيون في أن «بن سلمان» قد يهرع إلى التحكم في جميع أذرع السلطة، تحسبا لتخلي والده، الملك «سلمان»، بشكل رسمي عن الحكم، حيث يقول أكاديميون ومسؤولون غربيون أنه قد يكون يعاني من الخرف.

وعندما زار الرئيس «ترامب» الرياض، لحضور اجتماع قمة الصيف الماضي، ظل الملك جالسا، بينما كان يكافح لقراءة بيان معد مسبقا. وكان خطابه في بعض الأحيان ضعيفا، أو يتوقف أحيانا. ونادرا ما يتحدث علنا هذه الأيام. لكن المسؤولين السعوديين يصرون على أن قدراته العقلية سليمة.

تأثير «ترامب»

ويقول أنصار «بن سلمان» إن التهديدات السعودية الأخيرة ضد إيران ولبنان جاءت ردا على استفزازات خارجة عن إرادته. وقالوا إن حلفاء طهران في اليمن أطلقوا صاروخا إيراني الصنع في اتجاه الرياض، حيث تم اعتراضه على مشارف المدينة. وقد استقال رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» من منصبه في اليوم نفسه، وأدلى ببيان الاستقالة على محطة تلفزيونية سعودية من الرياض، اتهم فيه إيران ووكيلها في لبنان حزب الله، بإشعال «الخلاف والتخريب والدمار» في المنطقة.

لكن الكثيرين، بمن فيهم دبلوماسيون أمريكيون حاليون وسابقون، يقولون إن جرأة الأمير الشاب تعكس أيضا اقتناعه بأنه يحظى بتأييد لا لبس فيه من «ترامب».

وقبل أن تنقضي الأيام الأخيرة حتى من ولاية «أوباما»، كان ولي عهد أبوظبي، الأمير «محمد بن زايد آل نهيان»، وهو ملك آخر بحكم الأمر الواقع في الخليج العربي، وأقام علاقات عميقة مع واشنطن، بالترويج لنظيره السعودي لفريق «ترامب» القادم كحليف مفيد. ويبدو أن كلا الأميرين قد شكلا علاقة خاصة مع «جاريد كوشنر»، صهر «ترامب» ومستشاره، الذي يقترب في السن من الأمير السعودي الشاب، حيث يبلغ 36 عاما.

وكان «ترامب» قد اختار المملكة العربية السعودية كأول رحلة خارجية له كرئيس. ومما يظهر تلك العلاقة القوية بين «بن سلمان» و«كوشنر»، تصريح مسؤولين أميركيين آخرين أنهم لا يتم إطلاعهم على ما يناقشه الاثنان.

وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، طلب عدم الكشف عن هويته، إن «جاريد يعد ثقبا أسود». وأضاف «ليس هناك أي معنى للمواقف التي دعا إليها. يمكننا التخمين فقط، استنادا إلى ما قام به وأين كان».

وأضاف المسؤول أن «الإماراتيين والسعوديين كانوا حريصين جدا على التقارب معه وجلبه نحو مواقفهم في المنطقة».

وعارض مسؤول في البيت الأبيض، الذي أصر أيضا على عدم الكشف عن هويته، هذا الحديث عن «كوشنر»، قائلا إنه يطلع بانتظام وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي على رحلاته ومحادثاته.

وقد قام «كوشنر» بزيارته الثالثة للمملكة هذا العام، وكانت هذه المرة غير معلنة حتى عودته إلى واشنطن، في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، حيث قال مسؤولون أمريكيون إنه ظل إلى وقت متأخر من الليل في حديث خاص مع «بن سلمان». ثم ظهرت عمليات الاعتقال بعد عدة أيام من الزيارة، وسارع «ترامب» إلى الإشادة بالحملة، على الرغم من أن العديد من مسؤولي البيت الأبيض قالوا إن السعوديين لم يطلعوا «كوشنر» على أي معلومات حول ما كان على وشك أن يحدث.

وقال الرئيس «ترامب» على تويتر بعد بدء الاعتقالات: «لدي ثقة كبيرة في الملك سلمان وولي عهد المملكة العربية السعودية، وهم يعرفان بالضبط ما يفعلانه». وأضاف: «إن بعض من يعاملون بصرامة الآن كانوا (يحلبون) بلادهم لأعوام».

وقالت «باعشن»، المتحدثة باسم السفارة، إن السعودية والولايات المتحدة «تتمتعان بمجموعة واسعة من المناقشات التعاونية»، وإن «الشؤون الداخلية هى فقط شؤون داخلية».

غير أن مسؤولا في وزارة الخارجية الأمريكية قال إن دبلوماسيي الوزارة إضافة إلى البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية «شعروا بانزعاج متزايد من أن الأمير محمد يتصرف بتهور دون اعتبار كاف للعواقب المحتملة لسلوكه، والضرر المحتمل لمصالح الولايات المتحدة».