السلطة » خلافات سياسية

السعودية تراهن على مستقبلها في الصحراء

في 2017/11/16

إليزابيث ديكينسون - فوين بوليسي-

«مرحبا بكم في مستقبل المملكة العربية السعودية»، كان هذا عنوانا لدليل سياحي سعودي استخدم قبل أسبوعين عندما كان الضيوف في صالة عرض المؤتمر الذي تحدث فيه «بن سلمان» وكانت الشعارات المستخدمة لا ترتبط تقليديا بالمملكة، شعارات من قبيل: المساواة بين الجنسين، والاستدامة البيئية، والابتكار التكنولوجي.

كانت المحطة الأولى في «جولة المشاريع الضخمة» نموذجا لأحد ثلاث مدن مستقبلية جديدة من المقرر أن تطلقها المملكة العربية السعودية العام المقبل، والتي يطلق عليها اسم «القدية». وتقع على بعد 25 ميلا من العاصمة، الرياض، ومن المتوقع أن تحتوي المدينة على مرافق الترفيه ومنحدرات التزلج في الأماكن المغلقة و حديقة للحيوان. يمكن للضيوف في جولة المعاينة التفاعل مع أسد بشكل ثلاثي الأبعاد أو تجريب الدراجة الجبلية ومحاكاة سباق السيارات. وقد تم عرض معاينات للمدينتين الأخريتين، وأحدها منتجع سياحى على البحر الاحمر، ومدينة نيوم، وهى محور تكنولوجي يهدف إلى تشغيل المزيد من الروبوتات بدلا من البشر.

وتشكل المدن جزءا من رؤية 2030، وهي خطة المملكة الطموحة الرامية إلى تحريك الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على النفط. وقد تم الإعلان عن البرنامج قبل أكثر من عام، ولكن الحدث، الذي استمر من 24 إلى 26 أكتوبر/تشرين الأول، كان فرصة للنخبة المالية العالمية أن ترى جدية ولي العهد «محمد بن سلمان». وإضافة إلى النخب العالمية كانت هناك نخب محلية من رجال الأعمال السعوديين.

التوازن المستحيل

وكانت هناك رسالة واضحة للجميع: على مدى ثلاثة عقود، عملت الدولة بجهد لتجنب الإساءة إلى النخبة الدينية المحافظة، مما أدى إلى تعثر مظاهر الحداثة بينما قفزت التنمية في مدن مثل دبي المجاورة. وكان الهدف من هذا المؤتمر هو سد هذا العجز ووضع بداية جديدة طموحة.

وقالت «أمل الحزاني»، وهي كاتبة عمود في صحيفة الشرق الأوسط السعودية وأستاذة بجامعة الملك سعود: «قامت الحكومة دائما بتحقيق التوازن بين الليبراليين والمحافظين حتى جاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ... لقد انتهت تلك الحقبة».

ولكن هذا التعويل الكبير على المشاريع الكبرى أمر محفوف بالمخاطر في السعودية، حيث أن المشاريع الضخمة لها تاريخ من القصور. لم تصدر المملكة العربية السعودية بعد تقديرات مفصلة لتكاليف للمدن، بما في ذلك الاستثمارات التي ستجلب حيث أنه من المتوقع أن تحصل نيوم على 500 مليار دولار «على مدى السنوات المقبلة» من المستثمرين من القطاعين العام والخاص. وفي الوقت نفسه، فإن معظم «المدن الاقتصادية»، التي أطلقتها الهيئة العامة للاستثمار في عام 2005 لحشد الاستثمارات الخاصة، تعثرت في نهاية المطاف. ويمكن للمرء بسهولة أن يعثر على قائمة القطاعات - بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والنقل العام - التي يمكن أن تستخدم بشكل عاجل بعض المليارات التي ستنفق على هذه المشاريع الضخمة.

ولكن الطموحات الكبرى قد تكون هي الاختلاف هذه المرة، فـ«محمد بن سلمان» توجه للسعوديين بالقول أنهم يشرعون في مشروع إصلاحي ضخم لا يمكن التراجع عنه. وستحتاج السعودية إلى جدية كبيرة من أجل تحقيق هيكلها الاقتصادي والاجتماعي في القرن الحادي والعشرين. ويقول محمد بن سلمان: «إن سبعين في المئة من السعوديين تقل أعمارهم عن 30 عاما ولن نضيع 30 عاما من حياتنا في التعامل مع الأفكار المتطرفة، بل سنقوم بتدميرها اليوم». وأضاف: «نريد أن نعيش حياة طبيعية».

 وقد تمتع المصرفيون من لندن إلى لاغوس باستراحات قهوة مختلطة، حيث لم يكن مطلوبا من النساء ارتداء العباءة التقليدية، ولم تكن هناك أوقات راحة للصلاة.

وتبدو الأحلام الحضرية في السعودية كبيرة بشكل مقلق، وقد شارك «محمد بن سلمان» بشكل وثيق في تشكيلها. وقد طرح أول فكرة لبناء مدن جديدة تماما في عام 2015، بعد صعود والده كملك، ومنذ ذلك الحين دخل في كل التفاصيل وصولا إلى تصميم الشعارات.

وستغطي مدينة نيوم، وهي محور المشروعات الضخمة، أكثر من 10 آلاف ميل مربع. وقد وصف بيان صحفي أولي المدينة بأنها «الأكثر أمانا، والأكثر كفاءة، والأكثر توجها نحو المستقبل، وأفضل مكان للعيش والعمل» في العالم.

وسيتم ربط كل جانب من الحياة في نيوم بالذكاء الاصطناعي: الطرق والسيارات لتجنب حركة المرور، وسيتم توجيه أوامر البقالة مباشرة إلى وحدات تسليم عبر الطائرات بدون طيار. وستزرع المنتجات دون الحاجة إلى تربة، كما سيتم توفير الكهرباء من الطاقة التي تنتجها الألواح الشمسية.

وتهدف المدينة إلى جذب أفضل المواهب التقنية من جميع أنحاء العالم، وإلى تحفيز الشركات على المشاركة من خلال التنظيم التفضيلي كما سيتم استنباط معايير الحياة الاجتماعية من «أفضل الممارسات العالمية».

وقالت «سمر جمجوم»، مديرة الخدمات المصرفية الاستثمارية في ميريل لينش في المملكة العربية السعودية إن دعم «محمد بن سلمان الشخصي والتركيز على اللوائح الجيدة مطمئن جدا. وهذا شيء لم نسمعه في العقود الثلاثة الماضية ».

لكن معظم المحللين يقولون إن تنفيذ خطة الخيال العلمي نيوم قد يحتاج عقودا من الزمن. كما أن الخطط التي تقودها الدولة مثل نيوم غالبا ما تفتقد النظام البيئي العضوي. وفي الوقت نفسه، فإن مدن الخليج التي تأمل نيوم في منافستها مثل دبي وأبو ظبي، وحتى الدوحة قد بدأت منذ وقت طويل.

ويحذر النقاد أيضا من أن المشاريع لن تنجح في البداية في فعل الكثير لمعالجة التحديات الجوهرية التي ألهمت رؤية 2030، مثل بطالة الشباب، والبيروقراطية المتضخمة، والتدهور في نظم التعليم والصحة.

يقول «جورجيو كافييرو» و«ثيودور كاراسيك» وهما من المحللين في مركز استشارات المخاطر في الخليج إن «نيوم تثير تساؤلات جدية حول مدى واقعية هذا التغيير الكبير في المملكة».

وقال مسؤولون في المشروع إن ما يمكن للمدن أن تتصدى له في المدى المتوسط هو حفظ المال السعودي داخل المملكة. واليوم، ينفق السعوديون 15 مليار دولار على السياحة الخارجية كل عام و 12.5 مليار دولار على الرعاية الصحية في الخارج. ويأمل أنصار الخطة أن يتم توجيه بعض الدول المجاورة أيضا إلى السياحة في البحر الأحمر وأن يتم إقناع السعوديين بالعطلة في المدينة بدلا من دبي أو البحرين.

ووفقا لما ذكره مستشارو المشروع بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأنهم غير مخولين بالتحدث إلى الصحافة، فمن المقرر الانتهاء من المراحل الأولى من البناء في حوالي عام 2022، على الرغم من أن الخبراء الاستشاريين قالوا أنه لا يوجد قرار نهائي عن الأمور التي ستشملها تلك المرحلة.

البيروقراطية السعودية

إن بناء مدن جديدة فريدة يحتاج من «محمد بن سلمان» العمل من الصفر، ولكن مع البيروقراطية القائمة في المملكة العربية السعودية يتصور أن ذلك سيكون أمرا روتينيا بشكل عميق. وسيضطر إلى إقناع نحو 30 مليون سعودي، بما في ذلك نحو 1.2 مليون مقيم في ظل بيروقراطية الدولة، بأن التغيير أمر لا مفر منه.

ويسير الإصلاح في السعودية وفق برنامج التحول الوطني الذي أعيد صياغته مؤخرا. وقد أعطيت كل وزارة أهدافا رئيسية لإدارة مؤشرات الأداء الرئيسية لإعادة تعريف عملها. وقد تم زرع فرق من الاستشاريين و نخب البيروقراطيين في المكاتب الحكومية من أجل بلوغ الأهداف وبعض هؤلاء من دائرة «محمد بن سلمان» المقربة. وقالت «سمية فطاني»، وهي استشارية وباحثة سابق في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، إن كل منهم «يقوم بدراسات مكثفة لتصميم السياسات».

ولكن كما هو الحال مع المشاريع الكبرى، فإن الكثير من تفاصيل إصلاح البيروقراطية السعودية واقتصادها لا تزال غير مستقرة. ولم تنفذ الوزارات بعد أي إصلاحات في مجال الدعم، في حين أن التخفيضات في الرواتب والمكافآت التي نفذت في الخريف الماضي قد عكست من جديد.

غير أن خطط محمد بن سلمان الكبرى لمستقبل السعودية قد أدت حتى الآن إلى رفع التوقعات. ومن بين أولئك الذين تجولوا في قاعات حدث أكتوبر، كانت المهندس المعمارية السعودية الشابة «رنا القاضي»، التي عادت للتو بعد سبع سنوات من العمل في إسبانيا. وقالت: «لكي أكون صريحة، كنت أهرب من السعودية لكن ما يحدث يستحوذ على اهتمامنا جميعا بالعودة».

إن التحدي الذي يواجهه ولي العهد الآن هو أن يكون له حلم كبير، ولكن ليس أكبر مما يمكن تحقيقه. في الوقت الحاضر، لا يشكو من التغييرات علنا سوى عدد قليل من الناس، ولكن «محمد بن سلمان» سيحتاج بالتأكيد إلى أن يظل مدركا لإحباط المحافظين. كما أن البيروقراطيين الذين يتولون الإصلاح قد يتراجعون أيضا، ويؤخرون المشاريع بهدوء. كما أن الركود في أسعار النفط، وشكوك المستثمرين، أو عدم الاستقرار الإقليمي يمكن أيضا أن تحد من التقدم.

وقبل كل شيء، قد تكون مهمة «محمد بن سلمان» الأهم هي تجنب الشعارات وهو ما وقعت به الكثير من الإدارات السابقة. وقد قال محلل سياسي سعودي، طلب عدم ذكر اسمه خوفا من أن هذا التفاؤل المخفف يمكن أن يؤدي به إلى السجن: «نحن لا نحتاج إلى معجزات، فالمملكة العربية السعودية بلد غني نحن بحاجة فقط إلى إدارة جيدة للبلاد». وأضاف: «نحن بحاجة إلى خمس سنوات على الأقل من العمل ليلا ونهارا لجعل الأمور أفضل».