السلطة » خلافات سياسية

وأخيرا تحقق الحلم الصهيوني في الوصول إلى يثرب

في 2017/11/25

بقلم : د. محمد صالح المسفر - الشرق القطرية-

لم أكن أتصور أن يأتي اليوم الذي أرى وأسمع أن أهل جزيرة العرب من الماء شرقا إلى الماء غربا يسمحون لأنفسهم برؤية إسرائيلي يهودي يتجول بكل حرية في هذه المنطقة من العالم، لم أكن أتصور أن يدخل يهودي إلى الحرم المدني في المدينة المنورة "يثرب" التي أخرجوا منها منذ عهد النبوة. لم أكن أتصور أن تسمح القيادة السياسية السعودية وكذلك هيئة كبار العلماء الدينية بكل ميولهم الفقهية بالسماح لأي يهودي بالوصول إلى المدينة المنورة التي يرقد في ثراها محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم وثلة من أصحابه وزوجاته. لم يخطر في بال أي مسلم يؤمن بـالله وبرسله أن يسمع أو يرى يهوديا يدخل علانية ويتجول في مسجد رسول الله وبجوار روضته الشريفة.
 والحق أنني لم أصدق كل ما نشر في الصحافة العربية والإسرائيلية عن دخول يهودي إلى المدينة ويقف يلتقط الصور إلى جوار قبر الرسول الأعظم عليه أفضل الصلاة والسلام في المسجد النبوي، وما أدراك ما إذا كانوا تجولوا في مكة المكرمة المحرمة عليهم بحكم القرآن الكريم، لم أعد أستبعد أي خبر كهذا.

لقد شاهدت فيلم (يوتيوب) يتضمن صور الحرم النبوي الشريف والرجل اليهودي في أحد الصفوف بين المصلين، ورأيت صوره وهو يتجول في الحرم النبوي. اليهودي الإسرائيلي المعني في هذه الزاوية اسمه (بن تسيون تشدنوفسكي) يعترف أنه يهودي إسرائيلي، وأنه دخل المسجد النبوي الشريف بمعرفة شخصيات سعودية وأنهم يعرفون خلفيته اليهودية وجنسيته الإسرائيلية، لم يكتف بهذا بل إنه يذكر أن تصور مع مواطنين سعوديين أحدهم اسمه ناصر والآخر عبد العزيز وقال مخاطبا عبدالعزيز "أخي عبد العزيز.. جيلنا يجب عليه بناء الجسور بين اليهود والعالم العربي مرة واحدة، وإلى الأبد، وعلى السعودية وإسرائيل الوقوف جنبا إلى جنب لتحقيق هدف السلام المشترك في منطقة الشرق الأوسط الكبير وبشكل شامل".
 قد أتفهم أن يزور يهودي إسرائيلي الرياض عاصمة الدولة، لكن ليس من السهل القبول بزيارتهم إلى الأماكن المقدسة مكة والمدينة، والقدس أسيرة بيد جندهم، قد أتفهم أن يقوم الضابط المتقاعد أنور عشقي أو الأمير تركي بالحديث والجلوس وتبادل الزيارات مع يهود إسرائيليين لكن لا أستطيع القبول برجل دين من مدرسة محمد ابن عبد الوهاب يصدر فتاوى على الهواء مباشرة لصالح بني إسرائيل. لقد تناقلت وسائل الإعلام بكافة صورها القول إن الشيخ عبد العزيز آل الشيخ رئيس هيئة كبار العلماء في السعودية أنه أفتى "بتحريم قتال الإسرائيليين، وإمكانية التعاون مع الجيش الإسرائيلي للقضاء على حزب الله اللبناني، واعتباره حركة حماس إرهابية" ولعلم الشيخ عبد العزيز وغيره أن حركة حماس لم تطلق طلقة واحدة خارج فلسطين المحتلة، وإسرائيل تحتل فلسطين فمن حق الفلسطينيين قتال من يخرجهم من ديارهم ويستولي عليها بالقوة ولا يجوز لعالم ديني أيا ما كانت درجته تحريم عمل من يدافع عن نفسه وحقه وعرضه وماله ووطنه. ويذهب آل الشيخ إلى القول: إن حصار قطر وشعبها في صالح الشعب القطري وأنه جائز. ألا يعلم فضيلته أضرار الحصار على الطفل والمريض والحامل من النساء، ألا يعلم الخسائر والأضرار التي يتعرض لها شعب قطر جراء هذا الحصار الظالم، وأنها ضيقت عليه سبل الوصول إلى مكة والمدينة ولا أقول منع ولكن تضييق السبل يرقى إلى درجة المنع، ألا يعلم فضيلة الشيخ عبد العزيز أن أسرا تقطعت بها السبل للتواصل فيما بينها في السعودية والبحرين والإمارات وقطر نتيجة للحصار. أمور كثيرة كنت أتمنى أن لا يشغل المفتي نفسه بالخوض فيها.

هناك جيل من المسؤولين السياسيين في الخليج يعتقد أن التقرب إلى إسرائيل تحقق له الأمن والسلام وتفتح له أبواب الغرب وأنها الضامن الوحيد لبقاء هؤلاء الحكام في مناصبهم طالما بقوا على قيد الحياة، وهذا مفهوم خاطئ، لعل بعض حكامنا يحيط بهم جوقة من المستشارين الذين يضلونهم ويزينون لهم سوء الأعمال ومن هنا نتوجه إليهم بالنصح الصادق الأمين أن أمنكم واستمراركم في الحكم جيلا بعد جيل لا يتحقق عن فعل ودعامة خارجية ولكن يتحقق ذلك بعدلكم وإشراك مواطنيكم في كل قرار تتخذونه صلحا أو حربا مع أي طرف كان، شاوروا مواطنيكم ولا تتعالوا عليهم. أقيموا قواعد القضاء المستقل الأمين الصادق، لا تعتمدوا على فتاوى شيوخ دين في تسيير أمور البلاد والعباد، الجأوا إلى حكم الشورى الحقيقية لا الشورى المزيفة.
 قد يقول قائل لكاتب هذه الزاوية لماذا لم تتكلم عندما أقامت قطر اتصالا مع إسرائيل في تسعينيات القرن الماضي؟ لقد قلت رأيي في حينه رافضا تلك العلاقة قلت ذلك متلفزا ومن الدوحة وليس من خارجها وكتبت في الصافة القطرية معبرا عن رأيي في أن العلاقة أو التقارب مع إسرائيل خطأ تاريخي لا يغتفر نشرت ذلك في جريدة الراية القطرية في 6 / 4 / 1996، وكتبت في الصحيفة ذاتها بتاريخ 15/ 1 / 2008، هذه أمثلة ليس على سبيل الحصر.
 والحق، أنه ليس من حق أي حاكم عربي أن يساوم بني إسرائيل على حقوقنا المشروعة في فلسطين وليس من حق أي حاكم أن يقيم علاقات مع دولة تناصب العرب العداء مثل إسرائيل إلا بعد العودة إلى الشعب والشعب هو صاحب السيادة لأنه هو الخالد بخلود الحياة، والحاكم متغير. 
 آخر القول: أمن الأمة والأوطان ونظام الحكم يستمد من الأمة لا من قوى أجنبية ولا بالتقرب من إسرائيل وبمساعدتها.