السلطة » خلافات سياسية

بن سلمان يقحم مسلمي أوروبا بأزماته عبر "رابطة العالم الإسلامي"

في 2017/11/30

الخليج أونلاين-

منذ أكثر من عقد ونصف من الزمان، تدفع المملكة العربية السعودية بكامل جهودها وأموالها ونفوذها الخارجي ودبلوماسييها لرفع شبهة دعم الإرهاب عن نفسها، ومحو تورّط مواطنيها في أحداث 11 سبتمبر 2001، وهي الجهود التي باءت بالفشل على ما يبدو مع إصرار واشنطن على إدانة سعوديين بالأمر.

وعلى الرغم من ذلك لجأت المملكة مؤخراً لمؤسسات دينية قامت على كواهل علماء الأمة الإسلامية، لوضع تفسيرات جديدة للإسلام وللإرهاب؛ بهدف الهروب من التهم التي تطاردها في المجتمع الدولي والإقليمي، والتي لم تنجح في الإفلات منها حتى الآن، إضافة لمحاولتها استغلال ذلك في إلقاء تهم الإرهاب ضد المختلفين معها سياسياً.

ومنذ تأسيسها قبل 16 عاماً، كانت "منظمة العالم الإسلامي" التي تتخذ من الرياض مقراً لها، تنأى بنفسها عن معترك السياسة، لكنها بدأت عبر بعض فروعها في دول الاتحاد الأوروبي والعالم بحملة تعبئة ضد دولة قطر، وحاولت جاهدة تقديم مصطلحات جديدة لتفسير معنى الإسلام بوصفه الجديد الذي يراه ويريده ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وفق ما يقول بتصريحاته.

الأمير السعودي الذي يتحرك بسرعة في الطريق نحو الحكم، انتقد بشدة تفسير بلاده "الخاطئ" للإسلام منذ عام 1979، الأمر الذي اعتبره علماء دين خلطاً للأوراق، ومحاولات "بائسة" من بن سلمان لتصدير نفسه بأنه مخلّص الأمة.

- مهاجمة قطر

مصادر مطلعة أكدت لـ"الخليج أونلاين"، أن بعض فروع الرابطة "شرعت بالتواصل مع إدارات مساجد ومراكز إسلامية لحضّها على تبني خطاب يتضمن تحريضاً ضد قطر، والترويج لبيانات تدعم إجراءات المقاطعة الأخيرة والحصار ضد الدوحة".

مسؤولو مساجد في إسبانيا قالوا إنهم "تلقّوا اتصالات من فرع رابطة العالم الإسلامي في مدريد بالانضمام إلى حملة تأييد مقاطعة قطر"، وأوضحوا لـ"الخليج أونلاين" أن هذه الاتصالات "جاءت مشفوعة بإغراءات مادية".

وبُعيد اندلاع الأزمة الخليجية مطلع يونيو الماضي، سارعت الرابطة إلى نشر بيان يؤيد الخطوات التي اتخذتها دول الحصار ضد الدوحة، كما بادرت إلى إعلان إسقاط عضوية الدكتور يوسف القرضاوي، المقيم في قطر، من مجمع الفقه الإسلامي الدولي؛ بعد إدراج اسمه على قائمة جديدة للإرهاب أصدرتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر.

وفي 22 نوفمبر 2017، كشفت وسائل إعلام فرنسية عن لقاءات عقدتها الرابطة مع مسؤولين إسرائيليين، وزيارات للمعابد اليهودية في باريس. كما تناقلت وسائل إعلام أنباء تفصيلية مشفوعة بالصور عن تلك اللقاءات التي عقدت في أوروبا برئاسة الأمين العام للرابطة السعودي محمد العيسى.

وكانت "رابطة العالم الإسلامي" قد أُسست في مكة المكرمة عام 1962، وهي تدير مراكز وفروعاً في أنحاء العالم. وشهدت الرابطة، السنة الماضية، تغييراً في قيادتها ورؤيتها وأولوياتها، وأصبحت تحت إدارة محمد بن عبد الكريم العيسى، تقود تحركات مثيرة للجدل تحت عنوان "مكافحة التطرف"، شملت دعوة المسلمات الأوروبيات للتخلي عن تغطية شعورهن إن فُرض ذلك عليهن.

ولدعم خطط محمد بن سلمان لوضع تعريف جديد للإسلام وتفسير للإرهاب، شاركت الرابطة في عدد من الندوات والمؤتمرات في أوروبا، وشهد خطابها الديني تغييراً لافتاً؛ إذ دعت ولأول مرة إلى احترام النظام العلماني في أوروبا، مشددة على أن المسلم الذي لا يمكنه التعايش معها فليغادر إلى بلد آخر.

وعبّرت صحيفة "يورو 1" الناطقة باللغة الفرنسية، عن استغرابها من حديث الشيخ السعودي خلال مؤتمر عقد في باريس حول "التطرف والاعتدال"؛ بشأن "وجوب احترام الأقليات المسلمة في الغرب للنظام العلماني في بلدانهم"، مطلقة عدداً من الأسئلة إلى الأمين العام للرابطة عن الإيديولوجيات "المتطرفة" التي تبنتها المؤسسة الدينية في السعودية طيلة العقود الماضية، ليرد باستحياءٍ بأن "القواعد الدينية تُحدَّد بحسب المكان والزمان والظروف".

وشغل العيسى (52 عاماً) منصب وزير العدل في السعودية حتى عام 2016، ثم ترأس بعدها الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي، التي وصفتها صحف غربية بأنها "القوة الناعمة"، التي يسعى من خلالها بن سلمان إلى تحسين صورة النظام السعودي خارج حدود البلاد ودفع تهم الإرهاب عنها.

- تمهيد للتطبيع

اللافت أن العيسى الذي حضّ مسلمي الغرب على احترام إرادة البلاد التي يعيشون فيها، لم يعلق عندما حاصرت بلاده دولة قطر في شهر رمضان المبارك، بل ولم يكلّف الشيخ السعودي نفسه عناء الإشارة إلى وجوب احترام تشريعات الإسلام في الشهر الحرام، فضلاً عن احترام إرادة القطريين.

وخلال زيارته لباريس، أجرى العيسى زيارة لأكبر كنيس يهودي في العاصمة الفرنسية، بدعوة من الحاخام الأكبر ليهود فرنسا حاييم كورسي، وحاخام كنيس باريس موشي صباغ.

وأكدت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية أن زيارة المسؤول السعودي السابق "تعتبر تاريخية ومؤشراً جديداً على دفء العلاقات بين إسرائيل والسعودية"، مشيرة إلى أن السفير السعودي بباريس "رافق وزير العدل السابق خلال زيارته للكنيس".

وأردفت الصحيفة العبرية أن صباغ لا يستبعد توجيه دعوة له لزيارة السعودية، لا سيما أنه شارك في عدد من المناسبات في السفارة السعودية بفرنسا بدعوة من سفير المملكة هناك.

ولا تنكر الدوحة مُطلقاً أن هُناك جماعاتٍ مُتشدّدةٍ تُمارس الإرهاب في أبشعِ صُوَرِه، في مَناطق عديدةٍ من العالم، كان آخرها في مسجد الروضة بمدينة العريش المصرية، وقد قدّمت تعازيها إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

اللافت أن تفسير السعودية للإرهاب والإسلام يناقض ما تنص عليه التشريعات والمناهج الدراسية، وتحريضها الصريح ضد الديانات الأخرى التي يدعو الدين الإسلامي إلى احترامها.

ويحاول بن سلمان إزالة أي شُبهة إرهاب يُمكن أن تَلتصق ببلاده مجدداً، لا سيما بعدما اتّخذ قراراتٍ جَريئة بتَهميش المُؤسّسة الدينية وفِكرها الذي ترعاه "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، المُتّهمة من قبل كَثيرين بتفريخ العديد من الجماعات المُتشدّدة، واستبداله بـ"الإسلام المُعتدل"، وإزالة مُعظم، إن لم يكن كل، بصماتها في المُجتمع السّعودي.

رابطة العالم الإسلامي، التي تشرح تفسير "الإرهاب" في أوروبا وفق ما يريده بن سلمان، وتحرض على الدوحة، بدا واضحاً استثناؤها الإرهاب الذي تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي، والذي دَفع الفلسطينيون وما زالوا يَدفعون ثَمنه غالياً.

وكذلك إرهاب نظام بشار الأسد الذي خلف مئات الآلاف من القتلى والمعوقين والمهجرين واللاجئين؛ لكونه لا يندرج ضمن مصلحة وتوجّهات المملكة، وهو ما يعتبره مراقبون أفضل خِدمة للتطرّف وما يُمكن أن يَنتج عنهُ من إرهاب.

وتتزامن التحركات السعودية خارجياً في تشويه صورة قطر مع تسارع علني وغير مَسبوقٍ لتطبيع علاقات المملكة مع دولةِ الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما قد يُؤدّي إلى إحداث "شرخ" واسع بين بلدان العالم الإسلامي ومؤسساته الإسلامية على المستوى القريب والمتوسط، وذلك لاختلاف التّناغم بين الدّول الإسلامية حول مفهوم محاربة الإرهاب ونصرة الإسلام.

وتقول قطر إن استئصال الإرهاب، وتَجفيف منابعه الفكرية، وإمداداته الماليّة، وأدواته الإعلاميّة، تظل أهدافاً مشروعة، تستحق المُساندة، لكون الغالبيّة السّاحقة من ضَحايا الإرهاب هُم من المُسلمين، فضلاً عن إلحَاقه صورة سيئة بالعَقيدة الإسلاميّة السمحة، مشيرة إلى أنها لا يمكن أن تقبل بتعريف الإرهاب انتقائيّاً.